تتصاعد الأزمة بين نقابة الصحافيين المصرية ووزارة الداخلية إثر اقتحام قوات الأمن مقر النقابة واعتقال صحافيين اثنين، ويدعو الصحافيون إلى اعتذار من الرئيس عبد الفتاح السيسي، وإقالة وزير الداخلية مجدي عبد الغفار، وتواصل اعتصام بعضهم في مقر النقابة، بينما خرجت صحف اليوم الصباحية، وقد تصدر خبر الأزمة صفحاتها الأولى.
القاهرة: تتخذ الأزمة بين نقابة الصحافيين المصرية ووزارة الداخلية منحى تصاعديًا، في ظل إصرار الصحافيين على تقديم الرئيس عبد الفتاح السيسي اعتذارًا عن اقتحام مقر النقابة من قبل قوات الأمن، واعتقال اثنين من الصحافيين، وإقالة وزير الداخلية.
ويعتصم العشرات من الصحافيين في مقر النقابة، لليوم الثاني على التوالي، فيما دعا النقيب إلى عقد جمعية عمومية طارئة غدًا الأربعاء، وأصدر المعتصمون بيانين حول الاعتصام.
تهم تحريضية
وقررت النيابة العامة حبس الصحافيين عمرو بدر ومحمود السقا 15 يومًا على ذمة التحقيقات معهما، ووجّهت إليهما تهماً تتعلق بنشر شائعات كاذبة والتحريض على التظاهر خلال احتفالات أعياد تحرير سيناء في 25 أبريل/ نيسان الماضي، واستغلال تلك التظاهرات في الاشتباك مع قوات الشرطة وأفراد القوات المسلحة والاعتداء على المنشآت العامة والحيوية ومهاجمة الأقسام.&
بينما نسبت تحريات الشرطة إلى الصحافيين وسبعة متهمين آخرين، حيازة الأسلحة النارية وقنابل المولوتوف ومطبوعات ومنشورات تحريضية، وهو ما ظهر منه أن تلك المخططات تؤثر حتمًا على أمن وسلامة البلاد.
عناوين الصحف
وتصدرت الأزمة الصفحات الأولى للصحف اليومية المصرية، فكتبت جريدة "المصري اليوم" "الصحافة تحت الحصار.. نقابة الصحافيين محبوسة"، &وكتبت صحيفة "اليوم السابع": "الصحافيون غاضبون.. و"الداخلية" تبحث عن مخرج". بينما كتبت صحيفة "الوفد": "ثورة الصحافيين.. النقابة تطالب بإقالة وزير الداخلية".&
أما عنوان جريدة "الوطن" الرئيسي فكان نقابة "الصحافيين" تطالب بإقالة وزير الداخلية"، وجاء المانشيت الرئيسي لجريدة "البوابة": هزيمة الصحافة هزيمة للدولة"، وكتبت صحيفة "الدستور": "إقالة وزير الداخلية ليس هو الحل.. الكارثة في سياسة الدولة بالعقيدة الأمنية".
ووصف الصحافيون اقتحام النقابة بأنه جريمة، وطالبوا بإقالة وزير الداخلية مجدي عبد الغفار، واعتذار رسمي من رئيس الدولة عبد الفتاح السيسي. وقال الصحافي عصام الشرقاوي لـ"إيلاف"، إن ما حصل تطور خطير في التعامل مع الصحافيين، مشيرًا إلى أن اقتحام النقابة لم يحصل في عهد الرئيس السابق حسني مبارك.
علامات "ترهل"
واعتبر الشرقاوي ما حصل "اعتداءً صارخاً على حرم النقابة"، مشيرًا إلى أن ذلك يعتبر مؤشرًا إلى "أننا نعيش في دولة الغاب، وما يحدث يدلل على ضعف الدولة، لأن الدولة عندما تضعف وتترهل، تلجأ إلى العنف، وتنحى القانون جانبًا".
تابع قائلًا: أحد الصحافيين عندما منعه الجنود من التوجّه إلى النقابة للمشاركة في وقفة تنسيقية، لجأ إلى لواء شرطة مكلف بالتأمين لمناقشته في المنع، فكان رده: "مفيش قانون.. مفيش مظاهرات.. مفيش وقفات".. وهو رد يلخص تعامل الشرطة بغطرسة وعنف غير مسبوقين.
ووصف الصحافي محمد عبد اللطيف، اقتحام النقابة بأنه "عمل أرعن ومتآمر". وأضاف لـ"إيلاف" أن "هذا العمل يصبّ في مصلحة من لا يريدون إصلاحًا أو استقرارًا في البلاد، بل يزيد الاحتقان المجتمعي في هذا الظرف الدقيق".&
وأشار إلى أنه "باعتباره هو العمل الأول من نوعه في تاريخ نقابتنا، أطالب بمحاسبة صاحب هذا القرار وإقالة وزير الداخلية الذي يفتقد للحسّ السياسي الناضج، واعتذار من أعلى سلطة تنفيذية عن هذا العمل الطائش، وأطالب مجلس نقابة الصحافيين أيضاً بالبتّ الفوري والحاسم في الأمور التي تشير إلى نقابتنا باتهامات واضحة في أمور قانونية واضحة، وليس الهرب والاختباء، مما يؤزم موقف الصحافيين ونقابتهم".
يوم أسود
وحسب وجهة نظر الصحافي، محمد عادل، فإن "اقتحام نقابة الصحافيين أسود يوم في تاريخها منذ إنشائها". أضاف لـ"إيلاف": "كل الأنظمة التي توالت على حكم مصر كانت تعلم جيدًا قيمة النقابة وتحترمها مهما كانت الخلافات"، مشيرًا إلى أن "اقتحام النقابة هو محاولة لكسر إرادة الصحافيين، ردًا على الموقف الغاضب من بعض أعضاء المجلس، بعد القبض على أكثر من 40 صحافياً أثناء أداء عملهم يوم 25 ابريل/ نيسان الماضي".
ولفت عادل إلى أن "ما حدث ليس محاولة لكسر إرادة الصحافيين فقط، بل إرادة الشعب المصري، الذي يلجأ كل طوائفه إلى سلم النقابة للمطالبة بحقوقه".&ووفقًا للناشط السياسي، الدكتور شادي الغزالي حرب، فإن اقتحام النقابة "خطوة على طريق العصف بكل مؤسسات المجتمع المدني من أحزاب ونقابات".
وأضاف لـ"إيلاف" أن ما حدث "هو المتوقع من نظام السيسي، الذي يسعى إلى قتل أي فرصة لحراك مدني في مصر".&وأشار إلى أن اقتحام نقابة الصحافيين، "لا يمكن أن يكون قرار وزير الداخلية وحده، لكن إقالته من عدمها تعتمد على قدرة النظام على التضحية به ككبش فداء أم لا".
يستبعد الغزالي حرب أن يقدم النظام على إقالة وزير الداخلية، ويقول: "لا أعتقد أنه بحاجة إلى ذلك، فرسالته الأهم من الاقتحام هي أنه لا أحد سيقف في وجه دولتهم الأمنية والقمعية".
اختلاق شائعات
من جانبها، اتهمت &نقابة الصحافيين، وزارة الداخلية بفرض الحصار على مقر النقابة، والتضييق على دخول الصحافيين، وإغلاق الشوارع المحيطة بها. كما اتهمت وزارة الداخلية بـ"إثارة الشائعات ونشر المعلومات الكاذبة بدلًا من مواجهة الحقيقة والاعتراف بالجريمة التي اقترفتها".
وأضافت النقابة، في بيان، مساء أمس الاثنين، أنه "ليس صحيحًا ما ورد في بيان الوزارة الذي أذاعته الأحد، بأنها نسقت مع أطراف النقابة قبل الاقتحام وإلقاء القبض على الزميلين عمرو بدر ومحمود السقا"، مشيرة إلى أنه "ليس معقولًا ولا مقبولًا أن يتم ذلك أو ينطلي على أحد".
ووصفت اقتحام النقابة بأنه "جريمة متكاملة الأركان في حق النقابة وإهدار القانون والدستور"، معتبرة أن "ما حدث عملية اقتحام غير مسبوقة ومتعمدة استهدفت انتهاك حُرمة النقابة، وترويع الزملاء الصحافيين المتواجدين في المبنى، بدخول حوالى 40 عنصرًا أمنيًا مسلحًا أثاروا الفوضى".
وأفادت النقابة، بأن "أحد العناصر الأمنية اعتدى على أحد أفراد أمن النقابة بلكمة في عينيه، كما دفع فردًا آخر عند محاولتهما منعهم من دخول النقابة، وألقوا القبض على الزميلين"، مضيفة: "كل هذا يؤكد كذب إدعاءات الداخلية، وعدم إخطارها النقابة التي لجأ إليها الزميلان قبل يوم واحد من واقعة الاقتحام لإجراء اتصالات مع النيابة العامة، لبحث السُبل القانونية، لتنفيذ أمر الضبط والإحضار بطريقة قانونية وتسليم نفسيهما للنيابة مباشرة".
تحرش نسائي
وأشارت إلى أنها تقدمت ببلاغ إلى النائب العام عن تفاصيل واقعة الاقتحام، وطلبت اتخاذ الإجراءات القانونية حيالها. وتعرّض الصحافيون المعتصمون في مقر النقابة إلى تحرشات من قبل بلطجية ليلة أمس، بينهم نساء بلطجيات ومسجلات في أقسام الشرطة بأنهن من الفئة الخطرة.&
وتصعيدًا للأزمة، دعا الصحافيون المعتصمون في النقابة، وسائل الإعلام والصحف المصرية والعربية والأجنبية إلى مؤتمر صحافي عالمي، على سلالم نقابة الصحافيين في الواحدة ظهر اليوم الثلاثاء، بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، لعرض ما قالوا إنها "الحقائق والانتهاكات التي تعرّضت لها النقابة (اقتحام حرم النقابة واعتقال صحافيين) من قبل وزارة الداخلية المصرية، بمباركة من النظام السياسي الحالي".&
وأعلن المعتصمون رفضهم تهديدات النيابة بملاحقة نقيب الصحافيين وأعضاء المجلس قضائيًا، بتهم (التستر على أعضاء النقابة!). واعتبر المعتصمون أن الرئيس عبد الفتاح السيسي مسؤول مسؤولية مباشرة عن هذا التصعيد؛ خاصة أنه لم يتخذ قرارًا بالتحقيق في اقتحام النقابة و"اختطاف الزميلين من داخلها"، على حد قولهم.
التعليقات