اسطنبول: قال وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إن بلاده بدأت عملية اعادة بناء "الثقة المفقودة" في علاقاتها مع تركيا الحليف الرئيس في الاطلسي اثر ازمات عدة بين الطرفين، وذلك بعد لقائه مسؤولين اتراكا.

وأجرى تيلرسون مباحثات لساعات عدة مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في اسطنبول، بهدف تحسين العلاقات بين البلدين. وذكر تيلرسون أن علاقة واشنطن مع اسطنبول واجهت "ضغوطا لبعض الوقت".

وقال امام موظفي القنصلية الاميركية في اسطنبول في نهاية زيارته التي استمرت يومين "آمل أن نكون بدانا في تحسنها". وتوترت علاقة تركيا مع واشنطن في الاشهر الأخيرة في ولاية الرئيس السابق باراك أوباما، لكن أنقرة أملت في تحسين العلاقات مع تولي دونالد ترمب الحكم.

الا ان العلاقات لا تزال تشوبها بعض الخلافات، منها الملف السوري ومسالة المطالبة بتسليم الداعية التركي فتح الله غولن الذي تتهمه تركيا بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة في العام الفائت، وأخيرا مصير قس أميركي مسجون في تركيا منذ أكتوبر الماضي.

واوضح تيلرسون، وهو رئيس سابق لشركة اكسون موبيل، أنه في كل مرة يلتقي فيها ارودغان يشعر بأن "الأمور تتحسن نوعا ما فيما يخص اللهجة بيننا". 

وقال "اعتقد أننا بدأنا نعيد بناء بعض الثقة التي فقدناها ازاء بعضنا البعض. هم خسروا ثقتنا الى حد ما ونحن خسرنا ثقتهم". وتابع "لذا، اعتقد اننا نعمل بجهد لاعادة بناء هذا المستوى من الثقة وهو أساس لاي علاقة". لكن تركيا غاضبة ازاء استمرار ترمب في سياسة اوباما لدعم وحدات حماية الشعب الكردي كأبرز قوة مقاتلة ضد تنظيم الدولة الاسلامية الجهادي المتطرف.
وتصنف تركيا وحدات حماية الشعب الكردي تنظيما ارهابيا.

لكن واشنطن تسلح بشكل علني وحدات حماية الشعب الكردي المشاركة بقوة في العمليات التي تدعمها الولايات المتحدة لاخراج التنظيم الجهادي من معقله في مدينة الرقة السورية.

وأكد تيلرسون ان واشنطن تامل في "تكرار" النجاح ضد التنظيم المتشدد في الرقة في بعض الاماكن الأخرى في شمال سوريا بالتعاون مع تركيا من دون مزيد من التفاصيل. وختم "آمل أن يشكل ذلك أيضا أساسا لتحسن الثقة" بين البلدين.

ويبدأ تيلرسون في الكويت الاثنين جولة اقليمية لبحث ازمة قطر في مهمة دبلوماسية غربية جديدة تهدف الى محاولة نزع فتيل أكبر خلاف سياسي تشهده المنطقة منذ سنوات.

ومن المقرر ان يزور تيلرسون الكويت، الوسيط الرئيس في الازمة، الى جانب قطر والمملكة العربية السعودية، مدشنا انخراطا اميركيا مباشرا في الخلاف المتفاقم بين الدولتين الخليجيتين الغنيتين.

عشية الزيارة، قال متحدث باسم تيلرسون انه من المبكر "توقع التوصل الى نتائج" خلال جولة المسؤول الاميركي، مضيفا "نحن على ابعد اشهر مما نتصور انه سيكون حلا فعليا، وهذا الامر غير مشجع".

وكانت السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة والبحرين ومصر قطعت في الخامس من مايو علاقاتها بقطر وفرضت عليها عقوبات اقتصادية على خلفية اتهامها بدعم الارهاب، اخذة عليها ايضا التقارب مع إيران. لكن الدوحة التي تستقبل اكبر قاعدة جوية اميركية في الشرق الاوسط، نفت مرارًا الاتهامات بدعم الارهاب.

وتقدمت الدول الاربع بمجموعة من المطالب لاعادة العلاقات مع قطر، بينها دعوتها الى تخفيض العلاقات مع ايران واغلاق قناة "الجزيرة". وقدمت قطر ردها الرسمي على المطالب الى الكويت التي تتوسط بين اطراف الازمة، قبل ان تعلن الدول المقاطعة ان الرد جاء "سلبيا"، متعهدة باتخاذ خطوات جديدة بحق الامارة الغنية.

ويرى خبراء ان نجاح جولة تيلرسون في نزع فتيل الازمة التي تحمل ابعادا وتبعات اقتصادية كبرى يتوقف على مدى قدرته على اقناع قادة الخليج بوحدة الموقف الاميركي، من الرئيس دونالد ترمب، الى وزارتي الخارجية والدفاع.

وكان ترمب أكد في بداية الازمة دعمه لمقاطعة قطر، متهما اياها بتمويل الارهاب. وقال ان "دولة قطر للاسف قامت تاريخيا بتمويل الارهاب على مستوى عال جدا"، مضيفا "الوقت حان لدعوة قطر الى التوقف عن تمويل" الارهاب.

لكن وزارة الخارجية اعتمدت مقاربة اقل حدة اذا دعت الدول الاربع الى تخفيف الاجراءات المتخذة بحق الدوحة، بينما قامت وزارة الدفاع باجراء تمارين عسكرية مشتركة مع القوات القطرية في الامارة وتوقيع عقود معها لبيعها طائرات مقاتلة.

وقال نيل باتريك المحلل الخبير في شؤون الخليج ان مدى تاثير تيلرسون يعتمد على ما اذا اقتنع قادة الدول المعنية بالازمة "بان وزير الخارجية مدعوم من الرئيس ترمب".

محاولات انقاذ
رغم الوساطة الكويتية، والوساطات الغربية التي حاولت القيام بها فرنسا والمانيا وبريطانيا وغيرها من الدول، لا يتوقع مسؤولون في المنطقة ان تنتهي الازمة الدبلوماسية الاكبر في الخليج منذ سنوات، في وقت قريب.

وكتب وزير الدولة للشؤون الخارجية في دولة الامارات انور قرقاش في تغريدة على حسابه في تويتر "لن ينجح أي جهد دبلوماسي أو وساطة خيِّرة من دون عقلانية ونضج وواقعية من الدوحة". وأضاف "الاختباء خلف مفردات السيادة والإنكار يطيل الأزمة ولا يقصرها".

ومن المقرر ان يحضر مستشار الامن القومي البريطاني مارك سادويل اللقاء بين وزير الخارجية الاميركي ونظيره الكويتي الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح. وكان امير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح التقى سادويل قبيل وصول تيلرسون الى الدولة الخليجية.

ويأمل مراقبون خليجيون بان تعطي زيارة تيلرسون دفعة قوية للوصول الى حل، خصوصا وان جولته على الاطراف الرئيسة للنزاع تدشن انخراطا مباشرا في الخلاف من قبل ادارة ترمب التي تتمتع حاليا بعلاقات قوية مع الخليج بعد سنوات من الفتور في عهد الرئيس السابق باراك اوباما.

وللولايات المتحدة والدول الكبرى مصالح اقتصادية ضخمة في الخليج، المنطقة التي تضم ثلث احتياطات النفط العالمي. ويقول عبدالله الشايجي استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت ان الجولة "تاتي بعد تصريحات متناقضة في واشنطن حيال الخلاف"، مضيفا "انها اخر محاولات انقاذ الموقف وحل الازمة التي بدات تؤثر على الاستقرار الاقليمي وعلى الحرب ضد تنظيم داعش".