مراكش: قال محمد الأعرج، وزير الثقافة والاتصال المغربي ، أمس، بمراكش، إن "الجماعات اليهودية داخل المغرب أو تلك الموجودة &في مختلف الدول ضمن الجالية المغربية بالخارج، تلعب دورها الوطني والحضاري في الدود عن قضايا المغرب ودعم مسار استقراره ونمائه".

سفر داخل الذات

شدد الأعرج، الذي كان يتحدث، الأربعاء، في جلسة افتتاح لقاء "اليهود المغاربة: من أجل مغربة متقاسمة"، في حضور نحو 200 مشارك، مغاربة يهود ومسلمون، من المغرب ومن الخارج، على أن "مغرب اليوم الذي تتعاظم تحدياته ورهاناته في مجالات الاستقرار والتنمية الشاملة يوماً بعد يوم، يحتاج، كما كان دائماً، إلى كل أبنائه وبناته"، وإلى أن "إيجاد موطئ قدم في عالم تطبعه التحولات المتسارعة، في أمس الحاجة، فضلاً عن عمل الدولة ومؤسساتها، إلى عمل جمعيات المجتمع المدني والأفراد ورجال الفكر والثقافة والاقتصاد والأعمال على حد سواء"، الشيء الذي يستدعي "تكثيف الجهود لدعم تواصل حلقات بناء مغرب متماسك، سائر في طريق النمو والازدهار".

وأكد الأعرج أن هذا اللقاء المنظم، على مدى 6 أيام، بشراكة بين مجلس الجالية المغربية بالخارج ومجلس الجماعات اليهودية بالمغرب، بمساهمة كل من وزارة الثقافة والاتصال ومؤسسة التراث اليهودي المغربي والمتحف اليهودي المغربي وجمعية أصدقاء المتحف اليهودي المغربي والرابطة اليهودية العالمية، تحت رعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس، هو "سفر داخل الذات بامتياز، ولحظة من لحظات ربط الماضي بالحاضر وتقريب الأبناء والحفدة من إرث الآباء والأجداد، الذي كان إرث تعايش وتساكن وتآخي متواصل الإشعاع بالصور الزاهية للتنوع والاختلاف البناء". وأبرز أن "طابع التنوع والانفتاح الذي ميز المغرب عبر التاريخ هو الحقيقة العميقة التي دأبت على الانتفاضة الدائمة في وجه كل نزعات التنميط والانغلاق".

جسر مع العالم

توسع عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، في الحديث عن ارتباط اليهود المغاربة بالمغرب، لافتاً إلى أنه في الوقت الذي يبدو فيه عالم اليوم غارقاً في كثير من التوجس والكراهية والراديكالية، فإن مسلمي ويهود المغرب قد تجاوزوا مرحلة العيش المشترك، ناقلين لخصوصية مغربية متميزة.

وذكّر بوصوف بما جاء في تقديم اللقاء، من أن "العلاقات بين اليهود والمسلمين بالمغرب كانت بصفة عامة مزدوجة وجدانياً ومعقدة في غالب الأحيان"، وكيف أن "القدرة على مناقشة ذلك بكل حرية هنا، من دون ممنوعات ودون طابوهات يغذي هذا الاستثناء ويؤكده"، وأنه "علينا القيام بواجب النقل، ذلك أنه إذا تجاوزنا الحنين والذكرى والقدرة على الاجتماع فيما بيننا والتحاور والتفكير معا في المغرب، فإنه يتعين علينا أن نخلد ما يكَوّن خصوصيتنا. إذ يجـب علينـا أن نجعـل مـن المغـرب حقـل طموحـات وليـس مجـرد متحـف لحفـظ ذاكـرة جماعية".

واستحضر بوصوف صراع الشرق الأوسط، مشدداً على أن يهود المغرب سيكون لهم دور في تحقيق السلام وبناء السلم المنشود، بالنظر إلى ما يحملونه من إرث مشترك، مذكراً بأنهم كانوا دائماً جسر المغرب مع العالم.

بين الرحيل والبقاء

تحدث سيرج بيرديغو، الأمين العام لــمجلس الجماعات اليهودية بالمغرب، عن العمل الذي يتم على مستوى المغرب لحفظ التراث اليهودي، مقدماً مسحاً للوجود اليهودي بالمغرب، وذلك منذ القديم وصولاً إلى الوقت الحاضر، وكيف أن دستور 2011 تحدث عن هوية مغربية متعددة المكونات والروافد، بينها العبرية.

وتوسع بيرديغو في الحديث عن التاريخ الحديث للوجود اليهودي بالمغرب، مشيراً، من جهة، إلى السياق التاريخي الذي دفع عدداً كبير منهم إلى الرحيل من المغرب، وحرص عدد آخر، من جهة ثانية، على البقاء والمحافظة على الوجود اليهودي بالمغرب، منتهياً إلى أن ما بعد 1975، يؤرخ لمرحلة جديدة، فتحت أبواب التفاؤل، بعد الآلام وحالة الشك التي رافقت رحيل كثيرين.

وأكد بيرديغو أن البقاء في المغرب أكد اختيار "الاندماج المسؤول داخل مجتمع عشنا فيه منذ القديم، وأن نكون مواطنين مغاربة مخلصين".

وبعد ان &أكد أن الحرب خلقت ظروفاً جديدة في المنطقة، شدد بيرديغو على أن السلام يبقى حلماً ومطمحاً، وأن الصراع لابد أن ينتهي، قبل أن يتساءل: "من كان يتخيل أن يأتي يوم يسافر فيه يهودي إلى ألمانيا؟".

كتابة تاريخ يهود المغرب

يتضمن برنامج لقاء مراكش، جلسات علمية تتناول "واقع وتحديات المغرب المعاصر" و"كتابة تاريخ يهود المغرب" و"إدراكات وتمثلات حول اليهودي في الإنتاج الأدبي والسينمائي والإعلامي بالمغرب" و"وصلة الشباب: جنبا إلى جنب، وجها لوجه، معا وبشكل منفصل، كيف يبنى المستقبل؟" و"اليهود المغاربة : قوة اقتراح، قوة تعبئة" و"المغرب في العالم: تحديات وآفاق"، فضلا عن ومحاضرات وورشات للتفكير المشترك، بالإضافة إلى عرض أشرطة وثائقية، بينها "المغاربة اليهود، مصائر محبطة"، ومعارض فنية تشمل، على الخصوص معرضاً من تنظيم وزارة الثقافة والاتصال، تحت عنوان "مسارات اليهود المغاربة بالأطلس والصحراء لإلياس هروس، وآخر من تنظيم مجلس الجماعات اليهودية بالمغرب ومؤسسة التراث الثقافي اليهودي المغربي، تحت عنوان "إعادة تأهيل التراث الثقافي اليهودي المغربي: معابد ومقابر".

تاريخ ذاكرة ومفترق طرق

تحت عنوان "لماذا هذا اللقاء؟"، أشار المنظمون إلى انعقاد عـدة نـدوات بخصـوص اليهـود ذوي الأصول المغربية، في العشـرين سـنة الأخيـرة، موضوعهــا "تاريــخ الذاكرة"، وكيف أننا "لم نـر أبـداً مثــل ذلك العـدد مــن الجامعيـين المغاربة وهـم يفكـرون في وسائل ضمان مقاومة الضغـط واســتمرارية اليهوديــة المغربيــة".

واعتبر المنظمون هذه "الملتقيـات ضرورية وملائمة لأن اليهودية المغربية توجد في مفترق الطــرق. ولضمان الاســتمرارية، تســير التوصيــات عموماً في نفــس الاتجاه: مضاعفــة كراسي الدراسات،و الزيادة في فرص تبادل الآراء بــين الجامعيين، وإحداث خزانات أو دعمهما، ونســج شــبكة افتراضيــة تمكــن مــن ربــط أرشيفات الجماعات ذات الأصــول المغربيــة، ًوإعــادة تأهيــل أماكــن العبــادة أو الذاكــرة، وإحــداث أرشــيفات الجماعات ذات الأصول المغربية، وإعادة تأهيل أماكن العبادة أو الذاكرة، وإحداث أرشيفات صوتيــة حتــى يتــم إحصــاء كل الشــهادات التــي يمكن أن تستعمل بمثابة مواد أساسية بالنسبة للدراسات القادمة، وتنميـة الســياحة المهتمــة بإحيــاء الذاكــرة، إلــخ ...".

وبعد أن أكدوا أنه قد تم الاحتفــاء، بشكل مبالــغ فيه، بالفروقات والاســتثمار في الخصوصيات، مـن دون "أن نهتــم ببعــد أساســي يوحدنــا ويجمعنــا، ألا وهــو مواطنتنــا المغربيـة"، دعا المنظمون إلى تملك التاريخ المشــترك مــن جديـد و"ضمــان نقلــه إلــى الأجيــال القادمة"، حتى يكون "رافعة للقيام بعمل مشترك ومحاربة كافة أشكال الأقصاء والوصم": كلام يتفق ومضمون ما جاء في تقديم مشترك للحدث، تحت عنوان "الاسـتثناء المغربي"، وقعه كل من بوصوف وبيرديغو، تصدره قول للملك الراحل الحسن الثاني جاء فيه أنه "عندما يهاجر أحد اليهود، يفقد المغرب مقيماً لكنه يكسب سفيراً"، حث (التقديم المشترك) على ضرورة "أن يكون أطفـال المغـرب قاطبة، سـواء كانوا يهوداً أو مسلمين، أينما حلوا وارتحلوا، في أوروبا وأميركا وأفريقيا أو في الشـرق الأوسـط، حاملـين لهـذا الاسـتثناء ومدافعـين عنـه ومشـجعين لـه".