أصبحت فكرة بريطانيا العالمية حجر الأساس للسياسة الخارجية البريطانية بعد بريكست. وتقول رئيسة الوزراء تيريزا ماي إن بريكست "يجب أن يجعلنا نفكر في بريطانيا بلدًا واثقًا بنفسه، له حرية النظر أبعد من القارة الأوروبية نحو الفرص الاقتصادية والدبلوماسية في العالم الأوسع".&
إيلاف: ماذا يعني مصطلح "بريطانيا العالمية"؟... استدعت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم خبراء وزارة الخارجية وفطاحلها للإجابة عن هذا السؤال. فجاءت النتائج مخيّبة. إذ اعترف بعضهم بأن لا فكرة لديهم عمّا يعينه ذلك. وقدمت وزارة الخارجية مذكرة لا تحوي سوى مجموعة تطلعات بلا تفاصيل عن طريقة تحقيقها في الممارسة. &
يولد أوهامًا خطيرة
وبحسب مجلة "إيكونومست"، فإن "بريطانيا العالمية" ثلاث أفكار لا يُعتد بها معلبة في فكرة واحدة. الفكرة الأولى هي أن بريطانيا بلد عالمي بحكم تاريخها المديد كدولة تجارية وقوة إمبراطورية، وهي لديها جيش قوي وخدمة دبلوماسية من الطراز الأول بسفارات في 154 بلدًا. &
كما إن بريطانيا أحد الأعضاء الخمسة دائمو العضوية في مجلس الأمن الدولي، وتقوم بدور كبير في غالبية الأسواق العالمية. وهي مقر 91 شركة على قائمة فوربس 2000 أو ما يزيد 52 في المئة على فرنسا و78 في المئة على ألمانيا. حتى رياضة بريطانيا المفضلة، كرة القدم، رياضة معولمة بالكامل.
&&
كل هذا صحيح إلى حد ما. لكن المؤسسة الدبلوماسية والعسكرية البريطانية، مثل العائلة الأرستوقراطية التي ورثت قصرًا متداعيًا في الريف، وتريد الحفاظ على المظاهر بأي ثمن، كما تقول مجلة "إيكونومست"، مشيرة إلى انخفاض الميزانية العسكرية بنسبة 20 في المئة منذ عام 2007، وانخفاض ميزانية وزارة الخارجية حتى بنسبة أكبر. وهناك شركات بريطانية سيئة الإدارة لا تعرف شيئًا عن الأسواق العالمية. وبالتالي فإن الحديث عن "بريطانيا عالمية" يخلق أوهامًا خطيرة. &
اقتحام الأسواق الناشئة
الفكرة الثانية تذهب إلى أن صفة العولمة تعني دخول الأسواق الناشئة التي أسهمت منذ عام 2000 بأكثر من 60 في المئة من نمو الاقتصاد العالمي. وبالمقارنة معها يبدو الاتحاد الأوروبي سوقًا راكدة وما زال أسير الماضي. &
&
لكن هذه الفكرة تقوم على نقيض كاذب، بحسب تعبير مجلة إيكونومست. إذ ليس في عضوية الاتحاد الأوروبي ما يمنع بريطانيا من استثمار هذه الأسواق المنتعشة، مثلما تفعل ألمانيا بنجاح. كما إن البلدان الناشئة قد تكون أماكن من الصعب التعامل معها، والعمل فيها، أحيانًا، بسبب أنظمتها الحاكمة، وأحيانًا أخرى بسبب تفشي الفساد فيها. &
اللغة جامعًا
الفكرة الثالثة تقول إن "بريطانيا العالمية" تعني العالم الناطق بالانكليزية. وهو يضم البلدان التي لها ثقافة مشتركة، لأنها كانت ذات يوم جزء من الإمبراطورية البريطانية. &
يؤكد بانكاج غيماواف من جامعة نيويورن أن ثمة شيئًا من الحقيقة في ذلك وأن اللغة المشتركة تزيد التجارة 2.2 مرة عليها من دون لغة مشتركة، والروابط الكولونيالية يمكن أن تزيدها 2.5 مرة.&
بعد ذلك تبدأ الاستدراكات والجمل الاعتراضية. فإجمالي الناتج المحلي لدول لكومنولث باستثناء بريطانيا يبلغ 55 في المئة فقط من إجمالي الناتج الإجمالي للاتحاد الأوروبي، وإن قرب المسافة يتغلب على الآصرة الثقافية بهامش كبير. كما إن الروابط الكولونيالية عامل لا يمكن التعويل عليه. على سبيل المثال فإن رئيس الوزراء الهندي الحالي ناريندرا مودي لا ينظر بحنين إلى فترة الحكم البريطاني والنخبة الأميركية ليست أنغلوفيلية كما كانت. &
جاذبة للاستثمارات
تختتم مجلة "إيكونومست" بالقول إن فكرة "بريطانيا العالمية" فكرة حسنة النية، هدفها توجيه رسالة بأن بريطانيا لا تنسحب من العالم بخروجها من الاتحاد الأوروبي، وهي تبقى مفتوحة للاستثمار ونشيطة على الساحة الدولية وكوزموبوليتانية بحيوية. &
لكن على بريطانيا أن تفعل المزيد كي تبقى مفتوحة للاستثمار، وعليها أن تجد طرقًا للتواصل من دون استنزاف قدراتها، وأن تحتضن العولمة من دون أن تنسى أن للعولمة سلبياتها مثلما لها إيجابياتها. والكلام عن بريطانيا عالمية بلا تفكير لا يجدي نفعًا. &&
أعدت "إايلاف" هذا التقرير بتصرف عن "الإيكونومست". الأصل منشور على الرابط:
https://www.economist.com/news/britain/21738894-governments-post-brexit-foreign-policy-global-britain-incoherent-global-britain-or
&
التعليقات