برلين: بات المستقبل السياسي للمستشارة الالمانية انغيلا ميركل على المحك اثر خلاف غير مسبوق الخميس مع حليفها اليميني في الائتلاف الحكومي حول السياسة الواجب اتباعها حيال الهجرة مع طلبه التشدد على الحدود.

وفي حدث نادر، علق مجلس النواب الألماني، البوندستاغ، جلسته ظهرا لافساح المجال امام عقد اجتماعات أزمة للكتل البرلمانية المحافظة ولا سيما الاتحاد المسيحي الديموقراطي بزعامة ميركل من جهة، والاتحاد المسيحي الاجتماعي البافاري بزعامة وزير الداخلية هورست سيهوفر.

ويريد الحزب البافاري ارغام ميركل التي تعرضت لانتقادات كثيرة منذ قرارها في عام 2015 فتح أبواب البلاد امام اكثر من مليون لاجئ، على تشديد سياستها الخاصة بالهجرة، في سياق أوروبي متوتر للغاية حول هذا الموضوع.

ويعود السبب إلى القرار الذي اتخذته المستشارة الأحد بوقف مشروع لمراجعة سياسة اللجؤ عرضه وزير الداخلية على أنه "خطة رئيسية" من 63 نقطة. ويريد الوزير اعادة المهاجرين الذين يصلون إلى المانيا وقد سبق ان تسجلوا في بلد آخر في الاتحاد الأوروبي. وفشلت المفاوضات حول نص التشريع مساء الأربعاء.

إنذار؟

وقالت المستشارة في مؤتمر صحافي في وقت مبكر من مساء الخميس "على المستوى الشخصي، اعتقد ان الهجرة غير القانونية هي احدى اكبر التحديات التي يواجهها الاتحاد الاوروبي. ولهذا السبب أعتقد انه لا ينبغي لنا التصرف بشك احادي من دون التشاور، او التصرف على حساب دولة اخرى".

وطلبت ميركل من معسكرها اعطاءها بعض الوقت للتفاوض من أجل التوصل الى حلول خلال قمة الاتحاد الأوروبي المقررة نهاية حزيران/يونيو. ولكن حلفاءها البافاريين في الائتلاف الحكومي الهش مع الاشتراكيين الديموقراطيين رفضوا الأمر.

كما طلبت من حزبها مزيدا من الوقت للتفاوض حول حلول ثنائية في قمة الاتحاد الأوروبي في أواخر حزيران/يونيو. وإذا كانت قيادة حزبها الديمقراطي المسيحي منحتها شيكا على بياض الخميس، الا ان اقرب حليف لها الاتحاد الاجتماعي المسيحي يرفض ذلك.

وقال الكسندر دوبرنت زعيم كتلة نواب هذا الحزب انه من المستحيل ان تحصل ميركل على مثل هذا الاتفاق "في غضون أيام"، وهددها بالعصيان قائلا إن وزير الداخلية يمكن أن يتخذ قرارات دون موافقتها ويفرض الضوابط بموجب مراسيم.

واضاف دوبرنت "هذا يقع تحت المسؤولية المباشرة للوزير" مؤكدا ان قيادة حزبه ستدرس المسالة الاثنين في ميونيخ ، في تحذير يحمل صفات الانذار.وقد يشكل ذلك ضربة تفجر الائتلاف الحكومي.

تأتي هذه المواجهة وسط ظروف تسبق الانتخابات. ويستعد الحزب البافاري لانتخابات اقليمية في تشرين الاول/اكتوبر ويشعر بالقلق ازاء اختراق من اليمين المتطرف الذي حقق نتيجة تاريخية في الانتخابات التشريعية في سبتمبر من خلال اللعب على المخاوف المتعلقة بالهجرة.

مسألة ثقة؟

وقال رئيس حكومة بافاريا القوية ماركوس سودر صباح الخميس "علينا أن نبدأ سريعا بتطبيق التشريع الذي ينص على إعادة (المهاجرين) على الحدود. علينا أن نهتم بأهل هذا البلد وليس فقط وعلى الدوام بكل أوروبا".

وطرحت صحيفة "بيلد" الأكثر قراءة في ألمانيا والمؤيدة لانتهاج سياسة متشددة إزاء الهجرة منذ الخميس وعلى الملأ السؤال المتعلق بمستقبل المستشارة التي استهلت ولايتها الرابعة في آذار/مارس بعد ستة أشهر من المفاوضات من أجل تشكيل ائتلافها.

وكتبت الصحيفة أنه "في حال عدم التوصل إلى حل وسط، سيتعين على انغيلا ميركل أن تطرح مسألة الثقة (على البرلمان) وعلى كل نائب أن يحسم امره: اما ان تبقى الامور على ما هي اي الطريق الجيد القديم نفسه لأنغيلا ميركل، او الدخول في مغامرة انتخابات جديدة".

وزاد سيهوفر من عزلة ميركل الأربعاء على الساحة الأوروبية باعلان توافقه مع المستشار النمسوي سيباستيان كورتز، وهو من غلاة المحافظين الذي أعلن تشكيل محور ثلاثي مع وزير الداخلية الايطالي ماتيو سالفيني اليميني المتطرف من أجل محاربة الهجرة السرية.

وانتقدت ميركل المبادرة وقالت أن الأمر يتعلق "بمستقبل وبلحمة" الاتحاد الأوروبي. وقال كورتز من جانبه "أعتقد أنه من المهم ألا ننتظر حتى تقع الكارثة، كما حدث في عام 2015" ، موجهاً سهماً نحو المستشارة التي فتحت بلادها لما يقرب من مليون لاجئ في ذلك العام.

وعارض الاشتراكيون الديموقراطيون الذين تعتبر أصواتهم حاسمة لاستقرار الحكومة، مقترح وزير الداخلية.

يعود الخلاف بين ميركل وسيهوفر إلى فتح البلاد أمام المهاجرين في عام 2015، ولكن هذه هي المرة الأولى التي يبدو فيها أن المستشارة فقدت بالفعل قدرتها الأسطورية على إيجاد حلول وسط.

يذكر ان قيام طالب لجوء عراقي باغتصاب وقتل فتاة اثار شعوراً بالضيق لدى الرأي العام في نهاية مايو وبداية يونيو. وكان طلب الشاب الذي وصل الى المانيا في 2015 رُفض لكن ترحيله تأخر.