إيلاف من الرباط: بينما يعتقد متابعون لتطورات الشأن السياسي في المغرب أن استمرار حكيم بنشماش أمينًا عامًا لحزب "الأصالة والمعاصرة" المعارض (البام)، إلى حين حلول موعد المؤتمر المقبل للتنظيم في الخريف المقبل غير مؤكد؛ بعد توالي الأزمات الداخلية التي عرفها الحزب، جراء انتقادات قوية من أعضاء نافذين في المكتب السياسي لأسلوب تدبير بنشماش، تكاثرت وارتفعت حدتها في الآونة الأخيرة، على إثر استقالة / إقالة الأمين العام السابق إلياس العماري، الذي طاله بدوره استنكار الاستفراد بالقرار، وفرض إرادته الشخصية على زملائه في حزب فتي يدّعي تبني القيادة الجماعية والحداثة والديمقراطية للمساهمة في تأهيل المشهد السياسي بالمغرب.
في مقابل هد الاعتقاد، يرى 50 في المائة من مستطلعي "إيلاف المغرب" أن زعيم "البام" الحالي، وهو في الوقت نفسه رئيس مجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان)، باق في مقعده الحزبي، أو هذا ما يتمنونه له على الأقل؛ في حين يخالفهم الرأي حوالى 40 في المائة من المستجوبين، الذين يتفقون مع ما ذهب إليه المحللون السياسيون، الذين رصدوا علامات ضعف ووهن هيكل الحزب، إن على صعيد انسجام القيادة أو الحضور الجماهيري، بحيث يبدو "البام" وكأنه هرم أو غير موجود في الساحة، غير منخرط في شغبها، مع أنه ممثل في البرلمان بأكثر من مائة عضو، ويرأس مجلس المستشارين، كما يسيّر عددًا من بلديات وجهات المملكة.
يتجلى غياب الحزب في أن الحكومة الحالية التي يرأسها سعد الدين العثماني (العدالة والتنمية) رغم ما يقال عن ضعفها، فإن "الأصالة" لم يجرؤ على التحرك لإسقاطها، بإجراء دستوري، مثل ملتمس حجب الثقة. وهذا إشكال يعني أن الحزب ليس له حلفاء ثابتون وطبيعيون قادرون على مجاراته في المغامرة السياسية. لقد أريد له، وفصل على مقاس أن يكون القوة المهيمنة في الميدان ، فإذا بالصناديق تبدد حلمه وتخذله. ولما كان الحزب نفسه غارقًا في مشاكل ونزاعات بينية، فقد جرى انتداب قيادي مؤسس، يعرف الإعطاب الداخلية للتنظيم، هو الوزير السابق للتربية أحمد أخشيشن، للقيام بفحص وتشريح داخلي لوضع اليد على مكامن الضعف وأعطاب الحركة. أسفرت مهمته "العلاجية" عن تقرير يبدو أن نتائجه أنصفت التيار المنتقد لأداء الحزب في ظل العهد السابق أو الحالي؛ وأوصى بالتوقف للمراجعة وتعديل ممكن للمسار ريثما تنقشع الأجواء.&
لذلك اتخذت الهيئات المقررة، بناء على نتائج الفحص، إجراء غير مسبوق: تعيين نائب للأمين العام، وهو في بداية ولايته، بينما كان ذلك ممكنًا لحظة اختيار "بنشماش" لزعامة الحزب.&
لم يتساءل أتباع الحزب، بمن فيهم تيار المنتقدين، إن كانت قوانين الحزب تسمح بتعديل تركيبة القيادة، خارج المؤتمر العام، باعتباره أعلى سلطة. ما يدل على أن العطب عميق ومفاصل الجهاز أصبحت معرّضة للصدأ؛ فجاءت فكرة دعم الأمين العام، بمن يمكن أن يساعده على قطع ما تبقى من الطريق بسلام، أو التخلي عنه صراحة، برغبة من الأمين العام نفسه، إذ يكفيه التفرغ لدوره التشريعي على رأس الغرفة الثانية.
المؤكد أن أخشيشن لا يسعى إلى الأمانة العامة، وليس مستعدًا لتدبير انقلاب قانوني على بنشماش، لو رغب في تبوأ الموقع الأسمى في "البام" لتأتى له ذلك وبسهولة منذ زمان. ربما يفضل أن يلعب دور الحكيم والموجّه، وفرض الحلول الوسطى المهدئة على المتنازعين.
الحقيقة، وحسب تحليلات متطابقة، فإن العامل الذي أطال استمرار ولاية بنشماش في أمانة الحزب ورئاسة مجلس المستشارين، هو تأخر البحث والاشتغال على إخراج طبعة ثانية، وربما ثالثة، لحزب الأصالة والمعاصرة، بعد فشل مرحلة، إلياس العماري، الذي رشحته التكهنات في أوج قوته لرئاسة الحكومة.&
تتداول في سوق السياسة المغربية سيناريوهات من شانها إعادة الحياة إلى حزب الأصالة والمعاصرة. إذ يوجد من يدعو صراحة إلى التخلي عن أصل تجاري لم يعد مغريًا ولا جذابًا، وذلك بأن يبدأ التفكير وبسرعة في حل انتقالي أو جذري، يضمن بقاء الحزب على قيد الحياة في الساحة، ضمن إطار تحالف متدرج، من دون الذوبان المستعجل في أحزاب يقال إنها تشاطره المرجعية نفسها، بعضها في المعارضة، وأخرى مشاركة في الحكومة الحالية.
لا يوجد مانع سياسي يحول دون هذا الاحتمال، سوى أن الحزب المستهدف الذي يثير الشهية والأطماع هو "التجمع الوطني للأحرار". الأخير يتمتع بميزة القدرة على "الخفاء والتجلي" بلغة المتصوفة. علمته الحياة السياسية وتقلباتها في المغرب، متى يحني الرأس تارة، ومتى يرفع الصوت مزمجرًا تارة أخرى. وفي جميع الأحوال، لن يقبل "التجمع" بسهولة أن يبتلعه "البام"، بل حتى التسليم باندماجه من دون شرط، بالنظر إلى أن قطع غيار "التجمع" لن تصلح لمحركات "البام".
ما لم يحدث تطور مزلزل، في الحياة الحزبية، فإن السيناريو الأقرب إلى الواقع هو تشكيل تحالف سبق تجريبه وفشل (جي8) بين الأحزاب المصنفة في خانة الموالاة الدائمة لتوجهات الحكم.&
يتوقف كل ذلك على التصور الجديد لمسار السياسة في المغرب. إذ لم يعد خافيًا أن الوضع العام ليس مريحًا للسلطة العليا، التي طالما عبّرت عن عدم رضاها على الأداء العام للأحزاب السياسية والمنظمات والهيئات ذات الصلة بالشأن العام.
في هذا السياق، تتحدث الأندية السياسية منذ مدة عن إمكانية إجراء تعديل دستوري، تتبعه إعادة هيكلة أكثر عقلانية للبناء السياسي في المغرب، ليس في اتجاه التراجع عن مكاسب دستور 2011، وإنما في إحكام فصوله وانسجام مواده ورفع التباسات اتضح أنها تعرقل، في أحيان، السير الطبيعي للمؤسسات.
كما يرتبط تأهيل الحقل السياسي في المغرب، بما سيستقر عليه حزب العدالة والتنمية. هل يظل قائد التحالف الحكومي إذا ما حصل مجددًا على مرتبة الحزب الأول في الانتخابات التشريعية؟... هذه نتيجة يستبعدها محللون وفاعلون سياسيون بالنظر إلى أن &الحزب الإسلامي، استنفد طاقته وقوته خلال ولايتين حكوميتين، لم ترض نتائجهما الحكم والشارع، مثلما أشعلت النيران داخل بيت "البيجيدي".
في الإطار نفسه، يرجح مهتمون وضع حد لثنائية "العدالة والتنمية" و"الأصالة والمعاصرة"، فقد أثبتت عدم جدواها: فلا حكومة الأول كانت ناجعة ومجدية، ولا الثاني استطاع الاضطلاع بدور المعارض القوي والمخيف.&
يعني الاحتمال الأخير فرضية العودة إلى البيت القديم، حيث تنتظر على أحر من الجمر، بقايا الأحزاب الوطنية التاريخية التي تعرب عن استعدادها لتقديم خدماتها وخبراتها، بما يجنّب البلاد استقطابًا حادًا مصطنعًا، لم ينفع في معالجة المشاكل الكبرى التي تضغط بحدة على البلاد.&
تأخر الحسم في القضايا السابقة يطيل جلوس بنشماش على كرسييين متحركين: الأمانة العام للأصالة والمعاصرة، ورئاسة الغرفة الثانية. لكن عليه أن يكون مستعدًا للمغادرة الطوعية أو القسرية في أي وقت، ما دام الخلف موجودًا في مكتب بجواره، ومستعدًا للإمساك بزمام الحزب.&
& & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & &
&
&
التعليقات