الجزائر: خرج الجزائريون الجمعة في مسيرات حاشدة قبل يوم من ذكرى مرور عام على حراكهم الشعبي، وذلك لابقاء جذوة الاحتجاج غير المسبوق حيّة بعد إرغام عبد العزيز بوتفليقة على الاستقالة عقب 20 عامًا من الحكم لكن دون النجاح في تغيير "النظام" الحاكم منذ الاستقلال.

تجمع متظاهرون بعدد أكبر من الجمعات الماضية - رغم أنه يصعب تقدير عددهم - منذ بداية الظهيرة قرب مبنى البريد المركزي الذي صار على مدى عام نقطة تجمّع رمزية، وفق ما نقل صحافي في وكالة فرانس برس.

والتحق بالتجمع موكب احتجاجيّ كبير من حي باب الواد الشعبي. ونادى المتظاهرون ومن بينهم عائلات، في ظلّ حضور بارز لشرطة مكافحة الشغب، "لم نأت لنحتفل، بل جئنا لإزاحتكم" و"الشعب يريد اسقاط النظام" و"العصابة يجب أن ترحل".

ودعت عدة منظمات وأحزاب إلى "التعبئة الشعبية لإحباط أجندة تجديد النظام ووضع أسس الجمهورية الجديدة".

وقال سمير العربي "ما هو معنى الجمهورية الثانية؟ إنها جمهورية ديموقراطية واجتماعية تضمن جميع الحريات".

"مواصلة التجنيد السلمي"

وذكرت وسائل التواصل الاجتماعي، أنه منذ مساء الخميس نصبت حواجز أمنية في مداخل المدينة لتعقيد وصول متظاهرين قادمين من مناطق أخرى للاحتفال بالذكرى.

لكن ذلك لم يمنع بشير (50 عاما)، من الالتحاق بالعاصمة قادما من عين الدفلى من أجل "الاحتفال بالذكرى الأولى للحراك وتجديد مطالب الاحتجاج".

وانتظمت مظاهرات حاشدة في المدن الكبرى خارج العاصمة، وفق ما نشر في مواقع التواصل الاجتماعي.

وقبل عام، في 22 شباط/فبراير 2019، خرج آلاف الجزائريين في مسيرات عارمة، ضد ترشح عبد العزيز بوتفليقة الذي كان مشلولا وعاجزا عن الكلام، لولاية خامسة. وبعد نجاحهم في إسقاط الولاية الخامسة واستقالة بوتفليقة في 2 نيسان/أبريل تستمر التظاهرات كل أسبوع من أجل "تغيير النظام".

وبعد أقل من ستة أسابيع من الاحتجاجات والمسيرات الأسبوعية بأعداد متزايدة، أجبرت قيادة الجيش، العمود الفقري للنظام، بوتفليقة على الاستقالة في 2 نيسان/أبريل.

غير أن رئاسة أركان الجيش التي أصبحت تمثل السلطة الفعلية، مسحت كل مطالب الحراك، بشأن تغيير "النظام" وشنت حملة اعتقالات لمسؤولين ومتظاهرين.

إذا بدا أن التعبئة تراجعت نوعا ما منذ الانتخابات الرئاسية في 12 كانون الأول/ديسمبر، إلا أن عدد المتظاهرين مازال كبيرا كل يوم جمعة.

في حوار أجراه الجمعة مع عدد من وسائل الإعلام المحليّة، وجه الرئيس عبد المجيد تبون الذي كان مقربا من بوتفليقة وانتخب في كانون الأول/ديسمبر في اقتراع شهد مقاطعة واسعة، تحية للحراك الذي أوقف "انهيار الدولة الجزائرية".

لكن نشطاء وفعاليات قريبة من الحراك دعت في "بيان 22 فيفري" الذي نشروه الخميس ووزعه الجمعة متظاهرون، إلى "مواصلة التجنيد السلمي" وأشاروا إلى أن شعاراتهم كانت دوما راهنة: "يتنحاو قاع" (أن يرحلوا جميعا) تعبر عن "ارادة القطيعة مع المؤسسات الحالية من حيث مكونها وأدائها وممارساتها ومخرجاتها" وعن "رفض الشعب إسناد مسار التغيير إلى السلطة القائمة".

ويدين البيان أيضا تواصل "الضغوطات والقيود" على الصحافيين والنشطاء والمتظاهرين، وذكر أن الجزائريين يريدون "أن يحكم ويسيّر البلد في ظل الشفافية والوضوح".

وشدد البيان على أن الشعب يريد "مسؤولين يخضعون للمساءلة، وقضاء مستقلا وبرلمانا شرعيا لا يكون فقط غرفة تسجيل".

اختبار

ويبدو حجم التظاهرات الجمعة اختبارا حقيقيا، اذ يواجه الحراك العديد من التحديات في الوقت الذي يسترجع فيه النظام قواه.

وقالت الباحثة في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، داليا غانم: "لقد عاد الجنود إلى ثكناتهم، والمدنيون في السلطة، وبالتالي هناك واجهة دستورية وديمقراطية ولكن في الواقع هذا هو بالضبط ما كانت عليه الأمور عليه من قبل. تبون ليس سوى الواجهة المدنية للنظام الذي يتحكم فيه العسكر".

وتابعت "إن قدرة النظام على التبديل دون تغيير وسيتم اختبار صموده في السنوات القادمة".

وسيوزع النظام بعض "المكتسبات السياسية" في شكل إصلاحات محدودة، لكن الأزمة الاقتصادية العميقة التي تلوح في الأفق في الجزائر مع انخفاض أسعار المحروقات ، ستمنعه من ريع النفط لشراء السلام الاجتماعي كما فعل في السابق، كما اوضحت الباحثة.

ويبقى حراك الجزائر بلا قيادة ولا هيكل منظم وهو يدخل عامه الثاني، ما قد يدفع الى إعادة التفكير في منهاجه حتى لا يتعرض للاختناق. وستكون التعبئة في هذا الجمعة الـ53 اختبارا لحجمه الحالي.

هل عليه أن يقبل "اليد الممدودة" من قبل الرئيس تبون مع ما يمثله ذلك من خطر ابتلاعه من قبل النظام؟ هل ينبغي عليه تنظيم نفسه للمشاركة في الانتخابات القادمة، مع احتمال ظهور انشقاقات داخله؟

وضع جديد

وفي جميع الأحوال فإن الحراك نجح في تغيير اللعبة السياسية في الجزائر، بعد 20 عامًا من رئاسة بوتفليقة، شهدت خلالها إغلاقا محكما، و تم إحباط المعارضة الحقيقية بشكل ممنهج،أوعرقلتها، أو تكميمها.

واعتبرت غانم أن الحراك وحّد الجزائريين الذين تجاوزوا اختلافاتهم الثقافية واللغوية والدينية، وأعلن ظهور "جيل جديد على درجة عالية من التسيّس ويعرف ما يريد".

كما نجح الحراك بسلميته في تفادي "مواجهة دموية أو قمع وحشي"، كما أشارت المؤرخة كريمة ديريش، مديرة البحوث غي المركز الوطني للبحث العلمي في فرنسا.

وستسمح هذه السنة الثانية، كما قالت كريمة ديريش، للجزائريين بشكل جماعي في تحديد ما يريدونه بخصوص حاضرهم ومستقبلهم. وسيستغرق ذلك الوقت اللازم".

وأضافت ان البعض "يريدون رؤية الأمور تسير بشكل أسرع وأسرع بكثير، لكنني أعتقد أن هذه الوتيرة مناسبة جدًا لهذه الحركة الاحتجاجية غير المسبوقة".

وختمت الباحثة في مركز البحوث بباريس بالقول، "قد تكون الجزائر حالة فريدة يتم تدريسها" وستخبرنا السنة الثانية من الحراك.