ربما يكون الهلع من كورونا أخطر من كورونا نفسه، فالأجدى أن يلتزم الناس إجراءات السلامة لعدم انتقال العدوى أو نقلها، فهذه الإجراءات ضرورية جدًا.

إيلاف من بيروت: العبارة التي صارت أكثر تداولًا في لبنان منذ تفشي فيروس كوفيد-19، أو كورونا المستجد، هي التي درج على قولها وزير الصحة اللبناني: "لا داعي للهلع"، وهي العبارة نفسها التي تُجمع غالبية اللبنانيين على تحميلها مسؤولية تفشي الوباء بين اللبنانيين، بسبب عدم اتخاذ الإجراءات الفاعلة منذ اليوم الأول، والسماح بعودة مئات اللبنانيين من إيران وإيطاليا، من دون إخضاعهم لإجراءات السلامة الضرورية للكشف على حالات الإصابة، وإخضاعها للحجر الصحي الإجباري.

لكن... هل حالة الهلع من فيروس كورونا مبالغ فيها أو ضرورية؟.. هذا هو السؤال الذي وجّهته "إيلاف" إلى القارئ العربي ضمن استفتائها الأسبوعي. شارك في هذا الاستفتاء 518‬ قارئًا، قال 238 منهم إنها مبالغ فيها (بنسبة 46 في المئة)، فيما قال 280 منهم إنها ضرورية (بنسبة 54 في المئة).

ضروري جدًا
إن الخوف من الإصابة بكورونا المستجد مسألة ضرورية، لأن هذا الخوف هو ما يدفع بالناس إلى التزام الوقاية، وتنفيذ التعليمات والإرشادات الوقائية التي تقدمها السلطات الصحية، شريطة فهمها تمامًا.

قال تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية إن الخوف من الفيروس كورونا المستجد مرتبط بعدم فهمه، لذا يؤدي الإطلاع الفعلي على ما يجب فعله، خصوصًا التزام الابتعاد الاجتماعي من حيث الامتناع عن المخالطة والتقبيل والسلام باليد، والابتعاد في أقصى الحدود عن أماكن الازدحام، إلى الحد من تفشي المرض في المجتمعات.

إن الاجراءات التي اضطرت الحكومات إلى اتخاذها اليوم لمواجهة مخاطر الوباء ليست شعبية كثيرًا، كوقف السعودية مثلًا تأشيرات العمرة، وإغلاق الفاتيكان ساحة القديس بطرس، والحث على الصلاة في المنازل بدلًا من المساجد، وإغلاق المدارس والمطاعم والملاهي، وتأجيل اللقاءات الرياضية، ووقف الرحلات الجوية بين الكثير من الدول التي تشهد تفشيًا للفيروس، فهذه الإجراءات تخفف مخاطر تفشي الفيروس بين الناس، ولا يمكن أن تكون ضمن لائحة "الهلع".

المطلوب منهج إسمي
أدى انتشار كورونا في دول العالم إلى خشية دولية من تحوّله إلى سيناريو كارثي عالمي، فحذر كثيرون من ردود فعل شعبية غير محسوبة، قد تعزز حال الفوضى في بعض المجتمعات، خصوصًا أن الهلع لا يقتصر على المناحي الصحية، ويتعداها إلى المناحي الاجتماعية والاقتصادية.

أجمع المتخصصون على أن هذا الوباء ليس قاتلًا إلا في حالات محددة، وعلى أن الأساس في محاربة هذا الوباء هو الوقاية واتخاذ الإجراءات اللازمة، بحسب توجيهات منظمة الصحة العالمية.

نقل موقع "بي بي سي" عن لبنى فايق، أستاذة إدارة الأزمات والمخاطر في جامعة القاهرة، تأكيدها ضرورة التعامل مع هذه الأزمة بمنهج علمي، "يعتمد بصورة أساسية على طمأنة الناس، وتوعيتهم، وتهيئتهم لاحتمالات انتشار الفيروس، مع سرعة الاستجابة لأي حالات قلق جماعي، أو مواقف قد تخرج عن السيطرة، ويجب أيضًا التصدي للشائعات، خصوصًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
فقد لا تشكل الأزمات خطورة كبيرة في حد ذاتها، لكن طرق التعامل السيء معها، والشائعات التي تتزامن معها، قد تكون أكثر خطورة منها"، في ضوء المبالغة في الدعوات إلى تخزين السلع وأدوات النظافة من دون مبرر، ما قد تؤدي إلى مزيد من القلق الذي يدفع الناس إلى هستيريا الشراء.

لست خائفًا.. ولكن
نقل الموقع نفسه عن جيسي كولومبو، الباحث الاقتصادي والكاتب بمجلة "فوربس" الاقتصادية الأميركية وأحد من تنبأوا بالأزمة المالية العالمية في عام 2008: "هناك بوادر أزمة اقتصادية عالمية بسبب تباطؤ الإنتاج في عدة دول وتعطل بعض مناحي الحياة، وإن قلقي المباشر ليس من الإصابة بفيروس كورونا، بل لأنه قد يتسبب في انهيار اقتصادي، وفوضى، وأزمات أمنية وعسكرية".

ومن نماذج الهلع أيضًا منشور عبدو الشرقاوي، طبيب وخبير في جامعة تورنتو الكندية، على حسابه في فايسبوك، قال فيه: "لا شك في أن هذا الفيروس خطر، لكن التدابير ذات المصلحة الذاتية يمكن في بعض الحالات أن تزيد الأمر سوءًا.. أنا لست خائفًا من كوفيد-19، بل ما أخشاه فقدان الناس عقولهم، وتفشي موجة الخوف التي دفعت المجتمع إلى دوامة من الذعر، وتخزين كميات هائلة من أي شيء يمكن أن يملأ مخازن كاملة. أنا خائف من أقنعة (أن-95) التي سُرقت من المستشفيات وعيادات الطوارئ، حيث الحاجة إليها فعلية لمقدمي الرعاية الصحية الموجودين في الصفوف الأمامية، وبدلًا من ذلك يتم التبرع بها في المطارات ومراكز التسوق وصالات القهوة، ما يؤدي إلى زيادة الخوف والشك. أنا خائف من أن تبدأ مستشفياتنا بفحص أي شخص، حتى لو لم تكن لديه أي أعراض، لأنهم لن يستطيعوا تمييز المصاب من غيره".

ليس مبررًا
إلى ذلك، قال مفتون وواعظون في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي إن ما يعيشه بعض الناس من الهلع والجزع من فيروس كورونا ليس مبررًا، داعين في رسائل توعوية المجتمع إلى اتباع الإرشادات والتوجيهات التي توصي بها حكومة الإمارات للحفاظ على الصحة باتخاذ أساليب الوقاية.

وبحسب صحيفة "البيان" الإماراتية، شدد الدكتور أحمد الحداد، كبير مفتي مدير إدارة الإفتاء في إسلامية دبي، على أنه إذا أصاب الإنسان شيء من الأمراض المعدية، فعليه أن يتجنب مخالطة الآخرين، حفاظًا على صحتهم، وحرصًا على سلامتهم، ودفعًا للضرر عنهم.

قال: "ما يعيشه بعض الناس في هذه الأيام من الهلع والجزع من فيروس كورونا هو أمر ليس مبررًا في الحقيقة، وعلينا اتباع الإرشادات التي تصدرها الحكومة التي تحرص أشد الحرص على صحة الإنسان".

هذا ما درجت المراجع الدينية اليوم، إسلامية ومسيحية، على الترويج له لطمأنة الناس، ولحثهم على اتباع الإرشادات الصحية الصادرة من السلطات المعنية بحذافيرها، علمًا أن حالة الهلع في بعض الدول دفع الناس إلى ممارسات "طقوسية" ربما يجدها العلم غير مفيدة، في أدنى حدود التوصيف.

أوجه الهلع
ففي لبنان على سبيل المثال لا الحصر، توافد الناس على ضريح مار شربل، أحد القديسين الموارنة اللبنانيين، ليحصلوا على بعض التراب من الضريح، بعدما شاع أن مار شربل أتى إحداهن في المنام، وسألها أن تنقل هذا التراب إلى المستشفى الحكومي في بيروت لعلاج مرضى كورونا به.

وفي إيران والعراق، ظن الناس أن لعق المزارات الدينية لن تصيبهم بعدوى كورونا، بل سيشفي المرضى من هذا الوباء. وفي الهند، شرب السيخ بول البقر الذي يقدسونه، على سبيل الوقاية والعلاج. وليس هذا إلا بعض أوجه الهلع الذي ليس ما يبرره، مع احترام القيم الإنسانية والإيمانية التي تنطلق منها؟.

تقول الباحثة والأكاديمية، رولا تلحوق، المتخصصة في الأنثروبولوجيا وأستاذة العلوم الدينية في الجامعة اليسوعية في بيروت، لموقع "بي بي سي": "في أحيان كثيرة، يتمسّك الناس بمعتقدات شعبيّة خاطئة، أكثر من تمسكهم بالعقيدة الدينية الأصلية؛ وغالبًا تكون لتلك المعتقدات سلطة على الشعب أقوى من سلطة التعليم الرسمي. وطغيان المعتقدات الشعبيّة في التعاطي مع الوباء المستجدّ ليس صادمًا".

أضافت: "لا يخلو فكر إنساني من الوسواس والخوف، لذلك يُستنجد بمعتقدات شعبيّة صغيرة، لكنّ سطوتها كبيرة، ولا نجدها مكتوبة لا في نصّ ديني ولا في كتاب مقدّس ولا في شريعة ولا في تعليم. يمكن للمرجعيات الدينيّة أن تلغي صلاة الجمعة وزيارة الأماكن المقدّسة، وألا تمتثل الناس لذلك القرار، وهذا لا علاقة له بالمعتقد، بل بالعواطف الدينية".