نصر المجالي: رفضت بريطانيا التدخلات العسكرية الأجنبية في ليبيا، ودعت إلى دعم أطراف الصراع لتحقيق وقف إطلاق النار، والعودة إلى عملية سياسية بقيادة الأمم المتحدة، والوصول إلى حل سياسي شامل لعموم الشعب الليبي.

وأعرب وزير شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوزارة الخارجية البريطانية، جيمس كليفرلي، خلال جلسة إحاطة في مجلس الأمن بشأن الوضع في ليبيا يوم الأربعاء الماضي، عن قلق المملكة المتحدة البالغ إزاء الصراع المستمر الذي تؤججه التدخلات الدولية المستهترة.

كما عبر الوزير كليفرلي عن القلق أيضا إزاء التكلفة الباهظة في الأرواح وحقوق الإنسان، وقال إنه في وقت يتفشى فيه فيروس كورونا، ومع استمرار ورود أنباء عن سقوط العديد من الضحايا المدنيين. وما يثير الصدمة هو أن منظمة الصحة العالمية صنفت ليبيا في المرتبة الأولى في العالم، قبل أفغانستان وسوريا، بالنسبة لعدد الهجمات التي شُنَّت على المرافق الصحية والعاملين فيها في الفترة من يناير إلى مايو 2020.

رفض تجنيد المرتزقة

وأشار وزير شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا البريطاني إلى أنه قبل ستة أشهر، كان المشاركون في مؤتمر برلين، وهم الممثّلون هنا اليوم في هذه الجلسة، قد التزموا وبشكل كامل ولا لبس فيه باحترام وتنفيذ حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، ودعوا جميع الجهات الفاعلة إلى الامتناع عن الأفعال التي تؤدي إلى تفاقم الصراع، بما في ذلك الامتناع عن تمويل القدرات العسكرية وتجنيد المرتزقة.

ولكن، وبعد مرور ستة أشهر، يبدو من الواضح للأسف أن بعض هذه الدول نفسها استمرت في تسليح وكلائها وتزويدهم بالإمدادات، في انتهاك صارخ لحظر الأسلحة. نحن ندين هذا التجاهل للالتزامات التي تم التعهد بها في برلين. كما ندين تجاهل قرارات هذا المجلس، وندين أيضاً التجاهل لالتزاماتهم بموجب القانون الدولي.

إزالة الالغام

وفي المداخلة، قال الوزير كليفرلي إن المملكة المتحدة تشعر بالقلق بشكل خاص إزاء الخسائر غير المقبولة بين المدنيين والعاملين في مجال إزالة الألغام بسبب الألغام والفخاخ المتفجرة والعبوات الناسفة التي خلفتها القوات المنسحبة المتحالفة مع الجيش الوطني الليبي. ومن جهتها، تواصل المملكة المتحدة تمويل المنظمات غير الحكومية المتخصصة لتحديد مواقع المتفجرات، وتبادل الخبرات مع أوساط مكافحة الألغام والقيام بعمليات ميدانية لإزالة هذه الألغام.

وأضاف: كذلك صدمتنا التقارير المقلقة حول اكتشاف قبور جماعية في ترهونة. يتعيّن على السلطات الليبية تأمين هذه المواقع إلى أن يتم إجراء التحقيقات المناسبة. وإننا ندين جميع انتهاكات حقوق الإنسان، وانتهاكات القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك الهجمات العشوائية، وأعمال القتل غير القانوني، والعنف الجنسي والجنساني، وإسكات الصحافيين والنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان.

الإفلات من العقاب

وقال وزير شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: أيضا لا بدّ من وضع حدٍّ للاستمرار في الإفلات من العقاب في ليبيا. لهذا السبب شاركت المملكة المتحدة في رعاية القرار الذي تم تبنيه في الدورة الثالثة والأربعين لمجلس حقوق الإنسان بخصوص إنشاء بعثة دولية مستقلة لتقصي الحقائق لتتولى التحقيق في الانتهاكات والإساءات في ليبيا. وإننا ندعو جميع الأطراف إلى تمكين البعثة من الوصول إلى جميع أنحاء البلاد.

تحسين الشفافية

أما على الصعيد الاقتصادي، يعتبر التدقيق المستقل لفرعيّ المصرف المركزي خطوة حيوية تجاه تحسين الشفافية وإعادة توحيد المصرف. ونحن نحث جميع الأطراف على التعاون الكامل مع هذه العملية. ونواصل إدانتنا بشكل لا لبس فيه للحصار المفروض على المنشآت النفطية، ونرحب بالجهود التي تقودها الأمم المتحدة لرفع الحصار. يجب السماح للمؤسسة الوطنية للنفط، وهي الجهة الشرعية في ليبيا، بالعمل دون عراقيل لصالح جميع الليبيين.

وقال كليفرلي: كما يساورنا قلق خاص إزاء أنباء حول دخول مجموعة فاغنر ومرتزقة أجانب آخرين إلى حقول النفط الليبية. تؤدي أنشطة مجموعة فاغنر إلى تفاقم الصراع، شأنها شأن كل الدعم العسكري الخارجي - بما في ذلك توفير المرتزقة والأسلحة وإرسال الطائرات الحربية.

وتساءل الوزير البريطاني: لكن ما الذي كسبه الداعمون الخارجيون للأطراف المختلفة من تجاهلهم المستمر للالتزامات التي قطعوها على أنفسهم في برلين؟ إذ على الرغم من التطورات السريعة على الأرض، بات من الواضح الآن وأكثر من أي وقت مضى عدم إمكانية وجود حل عسكري. إن العملية السياسية هي وحدها القادرة على توفير تسوية مستدامة وشاملة للشعب الليبي.

المسار المضطرب

وقال وزير شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: توجد الآن، على الرغم من كل ذلك، فرصة سانحة لتحقيق تقدم حقيقي وتغيير المسار المضطرب في ليبيا. وإننا نرحب بمشاركة الأطراف في المحادثات العسكرية 5 + 5 التي تقودها الأمم المتحدة، والتي ندعمها بوصفنا رؤساء مشاركين لمجموعة العمل الأمني.

فهذا مهم الآن بشكل خاص نظراً للمخاطر الشديدة من تفاقم التصعيد حول سرت. وما من سبيل غير الدخول في حوار 5 + 5، وبحسن نية، يمكن أن يجنِّب الأطراف المزيد من إراقة الدماء، ويعيد ليبيا إلى مسار التسوية السياسية. ونحن ندعم بالكامل جهود بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لما تبذله من جهود لتهدئة الوضع حول سرت.

وخلص كليفرلي في مداخلته إلى القول: بدلاً من التركيز على الأهداف القصوى والخطوط الحمراء، يتعيَّن على الأطراف المشاركة بشكل بناء في المحادثات العسكرية بُغية الاتفاق على وقف إطلاق نارٍ قابلٍ للتطبيق. وبدلاً من الإمعان في تأجيج الصراع، يجب على الداعمين الدوليين أن يدركوا أن مصالحهم تكمن في الوفاء بالتزاماتهم التي قطعوها على أنفسهم في برلين، ودعم الأطراف لتحقيق وقف إطلاق النار، والعودة إلى عملية سياسية بقيادة الأمم المتحدة، والوصول إلى حل سياسي شامل لعموم الشعب الليبي.