هذه ثالث حكومة تونسية في أقل من عام، تطلب الثقة من البرلمان التونسي، في ما يعد دليلًا على حال من عدم الاستقرار السياسي والانقسام العميق في المشهد التونسي.

تونس: يصوّت النواب التونسيون الثلاثاء على منح الثقة لحكومة جديدة للمرة الثالثة في أقل من عام، في مؤشر إلى عدم الاستقرار الذي يسود البلد في ظل الانقسامات العميقة د اخل البرلمان المنتخب في أكتوبر الماضي. وفي اللحظة الأخيرة، أعلنت أحزاب عدة دعمها لحكومة التكنوقراط التي يرأسها وزير الداخلية السابق هشام المشيشي، ما قد يتيح لها الحصول على 109 أصوات من أصل 217، وهو العدد اللازم للحصول على ثقة البرلمان.

وخلال افتتاح الجلسة العامة، عرض المشيشي برنامجه على النواب، قائلاً إن "إيقاف النزيف المسجّل على مستوى المالية العمومية والتوازنات الكبرى سيكون الأولوية المطلقة لعملنا على المدى القصير، فيما سيكون تنفيذ البرامج الرامية إلى التحسين التدريجي في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتجسيم الإصلاحات الكبرى من أولوياتنا على المدى المتوسط والبعيد".

الحكومة ستمر
يقول مدير القسم السياسي في معهد "جسور" للأبحاث شكري بحرية "يبدو واضحاً أن الحكومة ستمرّ، مع دعم حزبي يُفترض أن يسمح بتأمين بضعة أشهر من الاستقرار".

وأعلن حزب النهضة ذو التوجه الإسلامي الذي لديه أكبر كتلة في البرلمان من دون أن تكون له الأكثرية لكنه يتمتع بالقدرة على ترجيح كفة الميزان في التصويت، أنه سيصوّت لصالح هذه الحكومة رغم تحفظات.

ويبدو الخيار صعباً بين دعم حكومة اختصاصيين بعكس رغبة الأحزاب الكبيرة أو فتح المجال أمام انتخابات تشريعية مبكرة.

وفي حال لم يعطِ النواب الثقة للحكومة، من الممكن أن يحلّ الرئيس قيس سعيّد الذي ينتقد كثيراً النظام البرلماني الحزبي، مجلس النواب، الأمر الذي سيحتّم إجراء انتخابات مطلع العام 2021.

بعد عشر سنوات على الثورة، تواصل تونس توطيد الديموقراطية التي تضعفها الصراعات السياسية والصعوبة في إصلاح الاقتصاد.

ويتألف البرلمان المنتخب في أكتوبر 2019 من عدد كبير من الأحزاب المتخاصمة التي تواجه صعوبات في تشكيل ائتلاف حكومي متماسك. بعد رفض البرلمان في فبراير اسم رئيس للحكومة طرحته النهضة، عيّن سعّيد الياس الفخفاخ رئيساً للوزراء، وقد دفعته النهضة إلى تقديم استقالته بعد بضعة أشهر.

في خضم هذا التجاذب السياسي، بقي القرار في يد الرئيس المستقلّ المنتخب في تشرين الأول/أكتوبر، وعيّن هذا الأخير في أواخر يوليو هشام المشيشي رئيساً جديداً للحكومة.

شكّل المشيشي البالغ 46 عاماً حكومة وصفتها وسائل إعلام تونسية بأنها "حكومة الرئيس"، وهي مؤلفة من قضاة وأساتذة جامعيين وموظفين حكوميين ومن القطاع الخاص، غالبيتهم غير معروفين من الرأي العام، مع تعيين مسؤول سابق في حملة الرئيس وزيراً للداخلية. وتتألف الحكومة الجديدة بمجملها من 25 وزيراً وثلاثة في منصب كاتب دولة وبينهم ثماني نساء.

إدارة الأزمة
ويرى الباحث في مركز "كارنيغي" للشرق الأوسط حمزة المؤدّب أن "هشام المشيشي أظهر استخفاف قيس سعيّد نفسه حيال الأحزاب، معتبراً أن الطبقة السياسية ستوافق على حكومة مهما كانت تشكيلتها" خشية تنظيم انتخابات جديدة.

إلا أن النتيجة كانت أن أحزاباً كان تأييدها مضموناً بالنسبة للرئيس شعرت أنها مهمشة وأعلنت أنها ستصوّت ضد الحكومة.

لكن حركة النهضة (54 نائبا من أصل 217) وحزب قلب تونس الليبرالي (27 مقعدا) برئاسة رجل الأعمال نبيل القروي الذي أوقف بتهمة غسل الأموال، قررا منح ثقتهما للحكومة.

وقال رئيس مجلس شورى حركة النهضة عبد الكريم الهاروني إن قرار دعم الحكومة اتُخذ "تقديراً للظرف الصعب الذي تمرّ به البلاد على أن يتمّ العمل لاحقاً على تطوير الحكومة إلى حكومة سياسية".

وتتجنّب النهضة تحمّل مسؤولية انتخابات جديدة، في وقت تواجه البلاد تحديات اقتصادية وتعبئة اجتماعية وتتوقع استطلاعات الرأي أن يتمكن الحزب الدستوري الحر المناهض للإسلاميين من الوصول الى البرلمان. ومن شأن ذلك أن يُبعد أيضا خياراً ثالثاً تم التداول فيه لفترة وجيزة: تسمية سعيّد رئيس حكومة رابع.

وظهرت أوجه عدم انسجام في الأيام الأخيرة بين سعيّد والمشيشي حول أسماء بعض الوزراء أنذرت بتوتر بين الرئيس ورئيس حكومته.

وتراقب الجهات المانحة الدولية عن كثب هذه التقلبات. ويُفترض أن تستأنف تونس التي تعاني لإنجاز ميزانيتها، المحادثات مع صندوق النقد الدولي الذي انتهت مدة برنامجه الممتد على أربع سنوات في الربيع الماضي.

ويقول المؤدب إن "الحكومة المقبلة ستكون حكومة لإدارة الأزمات وسيكون عليها أن تهتم قبل كل شيء بتحقيق التوازن في المالية العامة لتجنب إفلاس الدولة".

مؤشرات خطيرة

حذّر المشيشي من "وضعية اقتصادية صعبة ومؤشرات خطيرة"، مع بلوغ الدين العام 80 مليار دينار، بينها مبلغ 7,5 مليار دينار (حوالى 2,5 مليار يورو) يجب سدادها في 2020.

ويترتب على الحكومة العمل من أجل تخفيف معدّل البطالة الذي بلغ 18% بسبب الأزمة الصحية ومواجهة تفشٍ جديد لوباء كوفيد-19 وإنعاش القطاع العام، وهو تحد في غياب دعم برلماني قوي.

وبحسب الحصيلة الأخيرة التي نشرتها السلطات، سُجلت 3803 إصابات بفيروس كورونا المستجد بينها 77 وفاة منذ بدء تفشي الوباء في تونس، وهو عدد تضاعف في أقلّ من شهر.