كابول: من شأن إعلان واشنطن انسحاب كامل القوات الأميركية من افغانستان بحلول 11 ايلول/سبتمبر، في الذكرى العشرين لاعتداءات 2001، أن يطمئن من يريدون نهاية الحرب، لكنه يثير قلق من يخشون عودة طالبان إلى الحكم.

وسيتم انسحاب الولايات المتحدة بالتنسيق مع حلفائها، وبعد أشهر عدة من موعد الأول من أيار/مايو الذي تضمنه اتفاق شباط/فبراير 2020 بين إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب وطالبان.

وأثار قرار خلفه جو بايدن تمديد الوجود الأميركي استياء طالبان التي رفضت المشاركة في مفاوضات سلام مقررة في اسطنبول بين 24 نيسان/ابريل والرابع من أيار/مايو.

وبعد نزاع استمر عقدين، يستمر طرح التساؤلات عن مستقبل افغانستان وسط عدم وجود مؤشرات ألى إمكان توقف أعمال العنف.

يبدو الأمر غير مرجح.

ففي غياب وقف لإطلاق النار قابل للاستمرار بين طالبان والحكومة، يرى العديد من المحللين والسياسيين وحتى المواطنين أن البلاد ليست في منأى من حرب أهلية جديدة، على غرار تلك التي اعقبت الانسحاب السوفياتي أواخر ثمانينات القرن الماضي.

وقال الخبير المستقل نيشانك متواني لوكالة فرانس برس "الحرب ستشتد، وستصبح أكثر قذارة وستتواصل حتى تستولي حركة طالبان على الحكم في ما سيتبقى من كابول".

وأضاف أن "الانسحاب الأميركي سيدمر أي أمل لدى الأفغان الذين يؤمنون بحكومة تستند إلى تقاسم السلطة والمصالحة والسلام الدائم".

وأعلنت بعثة المساعدة للأمم المتحدة في أفغانستان الأربعاء أن 573 مدنيا قتلوا وأصيب 1210 في الربع الاول من هذا العام.

وعلق رئيس البرلمان الأفغاني مير رحمن رحماني أن "التجارب المؤلمة الماضية ستتكرر".

وليس بصير أيوبي أحد سكان كابول أكثر تفاؤلا. وقال هذا المجاز في العلوم السياسية (34 عاما) "لقد فقدت الآن أي أمل برؤية السلام وأنا حي".

إنه أمر مشكوك فيه.

تقول السلطات الافغانية إن 300 ألف جندي وشرطي ينفذون حاليا 98 في المئة من العمليات ضد المتمردين.

لكن سلاح الجو الاميركي لا يزال يضطلع بدور أساسي عبر تقديمه إسنادا حيويا للعمليات على الأرض.

ويرى العديد من المحللين أن عزم القوات الافغانية سيكون على المحك إذا غاب هذا الدعم الجوي.

وأورد المحلل السياسي فؤاد كوشي أن القوات الحكومية "ستصمد ما دامت تتلقى تمويلا".

وتدارك "لكن القضية لا تكمن في معرفة ما إذا كانت تملك القدرة، بل في مدى قدرة هذا النظام وهذه الحكومة الفاسدة على البقاء".

تسيطر طالبان أو تدعي السيطرة على أكثر من نصف الاراضي الأفغانية، وخصوصا قسم كبير من المناطق الريفية والطرق الاستراتيجية. لكن المتمردين لم يسيطروا يوما على المدن الكبرى أو على الأقل لم يستحوذوا عليها لوقت طويل.

رغم ذلك، يواصلون ترهيب سكان تلك المدن الذين يواجهون في شكل شبه يومي تفجيرات واغتيالات محددة الأهداف.

هناك اقتراحات عدة في هذا الصدد.

أعد الرئيس الأفغاني أشرف غني خطة تشمل اتفاقا سياسيا مع طالبان ووقفا لإطلاق النار وانتخابات رئاسية.

ويؤيد الأميركيون تشكيل حكومة انتقالية تشارك فيها طالبان.

لكن المتمردين رفضوا على الدوام الانتخابات على أنواعها. وفي رأيهم أن افغانستان يجب أن تصير مجددا إمارة يحكمها مجلس ديني، مستعيدين بذلك حقبة حكمهم بين 1996 و2001.

جرت أربعة انتخابات رئاسية منذ 2001 وأيد ملايين الأفغان هذا النظام الديموقراطي التعددي رغم اتهامات عدة بالتزوير.

واليوم، يخشى محللون كثيرون أن تكون المكتسبات الديموقراطية خلال العقدين الأخيرين من دون طائل.

وقال متواني إن "قرار بايدن الانسحاب من افغانستان يضمن عودة طالبان، وقبل ذلك انهيار الحكومة و(اندلاع) حرب أهلية متعددة البعد والقضاء على الديموقراطية".

تبدو النجاحات التي احرزت في الأعوام الأخيرة على صعيد حقوق النساء مهددة.

وكان نظام طالبان حرم النساء غالبية حقوقهن عبر حظر توجه البنات ألى المدارس وصولا ألى رجم النساء المتهمات بالزنى.

ومنذ 2001، ورغم أنهن لا يشكلن سوى اقلية، دخلت بعض النساء سوق العمل وتمكن من أن يصبحن نائبات ووزيرات وصحافيات وحتى قاضيات.

وكررت طالبان أنها ستحترم الحقوق الممنوحة للنساء بموجب الشريعة الإسلامية، لكن موقفها لا يزال ملتبسا.

وقالت مريم صافي مديرة مركز الأبحاث الافغاني دروبس "حين يقولون إنهم سيحمون حقوق النساء، فانما بحسب تفسيرهم للشريعة".

وأضافت "غير أن هذا التفسير لحقوق النساء لن يكون مختلفا عن تجربتنا السابقة مع نظام طالبان".

تعتبر افغانستان أحد البلدان الأشد فقرا في العالم وتعول بالكامل على المساعدة الاجنبية.

صحيح أن البلاد تملك ثروات معدنية قد تكون مفيدة ماليا إذا تم استثمارها، لكن الوضع الأمني حال دون ذلك.

وفي تشرين الثاني/نوفمبر، وعد المانحون الدوليون بمساعدة مالية حتى العام 2024، لكن لا شيء يضمن أنهم لن يبدلوا رأيهم بعد انسحاب القوات الاجنبية.