باريس: بعد عشرة أيام على أزمة الغواصات مع أستراليا، وقّعت فرنسا اتفاقية لبيع اليونان ثلاث فرقاطات في إطار "شراكة استراتيجية" بين باريس وأثينا في المتوسط تعطي دفعًا للرئيس إيمانويل ماكرون في معركته للترويج للدفاع الأوروبي.

وتأتي مذكرة التفاهم المتعلّقة بشراء الفرقاطات من طراز بيلارا بعد أقل من أسبوعين على إلغاء أستراليا عقدًا لشراء غواصات فرنسية ودخولها في تحالف دفاعي جديد مع بريطانيا والولايات المتحدة.

وقال ماكرون بعد لقائه رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس في قصر الإليزيه إنّ اليونان ستشتري الفرقاطات الثلاث من فرنسا، في إطار "شراكة استراتيجية" أكثر عمقًا بين البلدين للدفاع عن مصالحهما المشتركة في البحر المتوسط.

ويمثّل هذا الإتفاق "خطوة أولى جريئة نحو استقلالية استراتيجية أوروبية" حسبما أكّد ماكرون.

واعتبر قرار أثينا شراء السفن الحربية "مؤشّر ثقة" في صناعة الدفاع الفرنسية في وجه المنافسة وخصوصًا من مجموعة لوكهيد مارتن الأميركية، وفق تقارير صحافية.

ويوجّه الإتفاق كذلك رسالة من باريس بعد خسارتها عقدًا ضخمًا بمليارات اليورو مع أستراليا لتزويدها بغواصات، مع إعلان كانبيرا أنّها ستوقّع عقدًا مع الولايات المتحدة لشراء غوّاصات تعمل بالدفع النووي.

الأمن الأوروبي

وقال ماكرون إنّ الإتفاق "يسهم في الأمن الأوروبي وتعزيز الإستقلالية الإستراتيجية لأوروبا وسيادتها، وبالتالي في السلم والأمن الدوليين".

يؤكّد ماكرون باستمرار أنّ أوروبا تحتاج إلى تطوير قدراتها الدفاعية الخاصة، والتقليل من الإعتماد على الولايات المتحدة، ووصل إلى حدّ التحذير بأنّ حلف شمال الأطلسي يعاني من "موت دماغي".

من جهته قال ميتسوتاكيس "إنّه يوم تاريخي لليونان وفرنسا. قرّرنا تحديث تعاوننا الدفاعي الثنائي".

وأضاف أنّ الإتفاق يتضمّن "دعمًا مشتركًا" و"تحرّكًا مشتركًا على كل المستويات"، إضافة إلى خيار شراء فرقاطة رابعة.

ولم يُكشف عن أي تفاصيل متعلّقة بقيمة العقد لكن يُفترض أن يبدأ تسليم الفرقاطات اعتبارات من 2024.

ولم يتضمّن الإتفاق بيع فرقاطات فرنسية من طراز "غوويند"، بعكس ما كانت أشارت إليه تقارير وسائل إعلام يونانية.

وقالت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي إنّ "بناء فرنسا هذه المعدّات المتطوّرة يسهم في دفاع أوروبي طموح".

الإتفاقية ليست معادية

أكّد ميتسوتاكيس أنّ الإتفاق الفرنسي لن يؤثّر على المحادثات حول اتفاقية للتعاون الدفاعي بين اليونان والولايات المتحدة، رغم التوتر بين الإتحاد الأوروبي وواشنطن الناجمة عن الأزمة مع أستراليا.

وقال إنّ الإتفاقية "ليست معادية" للعلاقات اليونانية الأميركية، لافتًا إلى "وقوف فرنسا إلى جانبنا خلال فترات صعبة في صيف 2020"، في إشارة إلى تحدي تركيا للحقوق اليونانية السيادية في بحر إيجه.

وأضاف ماكرون أنّه لا ينبغي النظر إلى صفقة الفرقاطات على أنّها تهديد لأنقرة، بل وسيلة مشتركة لضمان الأمن في المتوسّط وفي شمال أفريقيا والشرق الأوسط والبلقان.

أثارت اليونان وفرنسا غضب أنقرة في كانون الثاني/يناير عندما وقّعتا على صفقة بقيمة 2,5 مليار يورو (3 مليارات دولار) لشراء 18 طائرة رافال، 12 مستعملة وست جديدة، في إطار برنامج تسلّح في مواجهة تصاعد التوتر مع تركيا المجاورة.

في وقت سابق هذا الشهر فاجأ ميتسوتاكيس العديد من المراقبين بخطط لشراء ست طائرات رافال إضافية، ما يرفع مجموع الطلبية إلى 24 طائرة.

تحرّك من أجل السلام

وقال ماكرون إنّ الإتفاق "ليس موجّهًا ضد أحد" مضيفًا "إنه يسمح بمزيد من التحرّك الفعال والمنسّق من أجل السلام والتعاون والإستقرار في نظام دولي قائم على سيادة القانون والإحترام الكامل للإلتزامات".

وتعهّد ماكرون أيضًا ألّا يؤثّر الإتفاق الأميركي الأسترالي على استراتيجية فرنسا في منطقة المحيطين الهندي والهادي، حيث لا تخفي الصين رغبتها في ممارسة نفوذ عسكري كبير.

وقال ماكرون "لدينا مليون مواطن يعيشون في هذه المنطقة، وأكثر من ثمانية آلاف جندي ينتشرون هناك" في إشارة إلى التواجد الفرنسي في العديد من مناطق ما وراء البحار.

غير أنّه أضاف أنّ "على الأوروبيين التخلّي عن السذاجة" و"استخلاص العبر" من الخيارات الإستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة التي تتركّز على خصومتها مع الصين.

وأكّد في الوقت نفسه أنّ السفير الفرنسي لدى واشنطن، سيعود إلى مقرّه الأربعاء بعدما تم استدعاؤه في أعقاب أزمة الغواصات.