الكفير (لبنان): قبل نحو سنتين، جالت صورة فراس حمدان ملقى أرضاً بعدما اخترقت حبة خردق قلبه خلال قمع القوى الأمنية اللبنانية لتظاهرة في محيط البرلمان طالبت برحيل الطبقة السياسية، وسائل الإعلام والإنترنت، وأثارت تنديدا واسعا. اليوم، يدخل الشاب مقر هذا البرلمان نائباً.

وفاز حمدان والياس جرادة في الانتخابات النيابية في دائرة الجنوب الثالثة، أحد معاقل حزب الله الذي لم ينجح أحد في خرق لوائحه مع حلفائه في هذه المنطقة منذ دخوله البرلمان عام 1992. وهما نائبان منتخبان من إجمالي 13 على الأقل انبثقوا عن التظاهرات الاحتجاجية التي شهدها لبنان بدءاً من 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019 ضد الطبقة السياسية.

من منزل عائلته في قرية الكفير المحاطة بأشجار الزيتون والصنوبر، يقول حمدان (35 عاماً)، وهو محام وناشط سياسي شارك في التظاهرات وتولّى الدفاع عن موقوفين خلالها "لكلّ من شارك في التظاهرات وفي الاشتباك مع السلطة السياسية ولكل من تعرّض للقمع الأمني منذ سنوات، أقول لهم إن أحد الضحايا بات اليوم موجوداً داخل البرلمان ليرفع صوت الموجودين خارجه ويطالب بحقوقهم".

وأصيب حمدان خلال تظاهرة غاضبة بعد أيام من انفجار مرفأ بيروت المروع في الرابع من آب /أغسطس 2020. ولم يتمكّن الأطباء خلال عملية جراحية أجريت له من استئصال كريات الخردق التي استقرت في قلبه.

وأفاد أطباء عاينوا عشرات الجرحى آنذاك عن إصابات بالغة عن قرب. واتهمت منظمات حقوقية قوى الأمن ومجهولين بلباس مدني بإطلاق كرات معدنية ورصاص مطاطي بهدف "إلحاق الأذى" بالمحتجين.

في باحة المنزل، يتجمّع أصدقاء فراس الذي تبدو معالم الإرهاق واضحة على وجهه. يتولى أحدهم الإجابة على هاتفه الذي لا يتوقّف عن الرنين. ويذكّره صديق آخر بموعد مقابلة صحافية عبر الإنترنت. ويسأله قريب عما إذا تمكّن من النوم بعد احتفالات فوزه.

تلقّى فراس حمدان تعليمه في مدينة صيدا في جنوب لبنان، لينتقل بعدها إلى بيروت حيث درس في كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية في الجامعة اللبنانية، ونال شهادة الماجستير في القانون الخاص.

في 2019، نزل مع آلاف اللبنانيين الى الشارع ليطالب بسقوط "المنظومة السياسية" كما يقول، المتهمة بالفساد والعجز والتسبب بدخول البلاد في ازمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة أفقرت اللبنانيين وشلت البلاد.

ويقول "قراري بالترشح الى النيابة هو نتيجة مسار تراكمي بدأ منذ مشاركتي في اليوم الأول من التظاهرات ضد السلطة، مرورا بمتابعتي ملفات الموقوفين من المتظاهرين كمحام، ومن ثم إصابتي" التي لم يتحرك القضاء حولها بعد.

ويتابع "خضنا معركة بوجه تحالف المصارف والسلطة السياسية، كنا ندرك صعوبة المعركة ومدى عدم تكافؤ الفرص، لكننا خضناها بوصفها معركة استعادة حقوق الناس ولإبراز أن ثمة رأي آخر معارض موجود في الجنوب ولكسر الهيمنة السياسية المفروضة عليه، ونجحنا في ذلك".

بعد النجاح، يتحدث عن ضرورة "إعادة بناء دولة فيها قانون ومؤسسات تعيد ثقة الناس بهذا البلد، لناحية أنه بلد يمكننا أن نعيش فيه، ليس مشاريع موت أو مشاريع سفر".

وهاجر الآلاف من لبنان منذ بداية الأزمة، لا سيما من الشباب الباحثين عن مستقبل.

ويروي حمدان الذي ينتمي الى الطائفة الدرزية لفرانس برس "كنت صريحا للغاية مع الناس" خلال الحملة الانتخابية. "قلت لهم أنا لا آتي لأبني جدارا أو لأزفت طريقا. نريد بناء دولة لا يكون فيها الجدار والطريق والمستشفى والتعليم والكهرباء والماء وضمان الشيخوخة منة مني أو من أحد".

قرب النائب الجديد، يبدو والده اسماعيل حمدان، العميد المتقاعد من الجيش، فخورا ومتأثرا. ويقول لفرانس برس "على المسؤولين أن يفهموا أن التغيير قد بدأ".

على بعد كيلومترات عدة في بلدة إبل السقي، تنهمك عائلة النائب الثاني الجديد في المنطقة طبيب العيون الياس جرادة (55 عاما) باستقبال المهنئين في منزلها المزنرّ بالزهور والأشجار. أما هو فغائب لارتباطه بعمليات جراحية محددة مسبقاً.

ويتحدث الضيوف عن صفات الطبيب المتواضع، خريج جامعة هارفرد في الولايات المتحدة. ويقول ابراهيم رزق (78 عاماً)، وهو مدرّس متقاعد بينما يحتسي القهوة، أن من انتخبوا جرادة وزملاءه من المعارضين الجدد، هم "كمن تمسّك بخشبة لننجو من الغرق".

ويُعرف عن جرادة قربه من الناس وحبّه للأرض الذي ترجمه بمزرعة أنشأها قبل سنوات تنتج أنواعا غنية من الفواكه والخضار ويربي فيها السمك ومختلف أنواع الطيور. ويقضي غالبية وقته متنقلاً بين عياداته في لبنان والإمارات.

خلال وقت مستقطع بين جدول أعمال مزدحم بعمليات ومعاينات في مستشفى متخصّص بطب العيون في بيروت، التقت فرانس برس النائب الجديد الذي يقول "كثر سألوني +أنت طبيب مشهور وآدمي، ماذا تفعل؟+ كما لو أن العمل السياسي ليس للناس المحترفين والآوادم".

ويقول إنه يريد "كسر هذه الصورة النمطية" في بلد يقوم على التوارث السياسي والمحاصصة الطائفية والزبائنية.

ويضيف بينما تزيّن ابتسامة وجهه "يجب أن يكسب المسؤولون لقمة عيشهم من عرق جبينهم".

ويأمل جرادة، وهو أب لابنتين، أن يساهم في تهيئة جيل الشباب لتحمّل المسؤولية و"بثّ الحماس فيهم بعدما بلغوا مرحلة اليأس".

ويضيف "نحن حركة ديناميكية، نحن ثورة ونهج، نقول لكل إنسان +تحرّر+".

ويدرك النائبان الجديدان أن مهمتهما صعبة للغاية.

ويقول حمدان "لسنا من بيوت سياسية ولا أصحاب ثروات، بل نحن أشخاص عاديون نعمل ونعيش بكرامتنا"، مضيفا أنه يطمح أن يتمكن مع المرشحين المستقلين الآخرين من تكريس "أداء" سياسي جديد يقوم على "المحاسبة".

ويقول جرادة "قد لا نشكّل خشبة خلاص، لكننا سنخلق شعلة أمل من أجل المستقبل.. لنصل الى لبنان الذي نحلم به".