الفاتيكان: أشاد البابا فرنسيس السبت بسلفه بنديكتوس السادس عشر الذي فاجأ تنحيه العالم بأسره عام 2013، لافتاً الى "نبله الكبير" بعد ساعات من وفاته في الفاتيكان عن 95 عاماً.

وقال البابا الأرجنتيني خلال مراسم أقيمت في كاتدرائية القديس بطرس في روما "نستذكر شخصه النبيل واللطيف. ونشعر بامتنان كبير في قلوبنا" مشيراً إلى "تضحياته التي قدمها من أجل صالح الكنيسة".

وفي وقت سابق، قال مدير دار الصحافة التابعة للكرسي الرسولي ماتيو بروني في بيان "بكثير من الألم أعلمكم أن البابا الفخري بنديكتوس السادس عشر فارق الحياة اليوم عند الساعة التاسعة والدقيقة الرابعة والثلاثين، في دير والدة الكنيسة في الفاتيكان".

وكانت صحّة البابا بنديكتوس السادس عشر هشة منذ سنوات. وقد تدهورت في الأيام الماضية لكن الفاتيكان أعلن الجمعة أن وضعه "مستقر" وأنه شارك في قداس من غرفته الخميس.

وأعلن بروني أيضاً أن البابا فرنسيس سيترأس جنازة البابا الفخري الخميس 5 كانون الثاني/يناير في ساحة القديس بطرس في الفاتيكان عند الساعة 9,30 بالتوقيت المحلي (8,30 ت غ). وأكد أن جثمان البابا الراحل سيسجى في كاتدرائية القديس بطرس اعتباراً من الاثنين، على أن يدفن في أحد سراديبها.

ردود فعل دولية

وتوالت ردود الفعل على وفاة البابا الفخري، واعتبر المستشار الألماني أولاف شولتس أن العالم يخسر "شخصية بارزة" في الكنيسة الكاثوليكية مع وفاة البابا بنديكتوس.

وأشاد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بـ"التزامه اللاعنف والسلام".

وقال الرئيس الاميركي جو بايدن، وهو الكاثوليكي الثاني الذي يتولى منصب رئيس الولايات المتحدة، في بيان إن البابا الراحل "سيُذكر على أنه لاهوتي بارز، مع تفان طيلة حياته للكنيسة، مسترشدا بمبادئه وإيمانه".

وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبطريرك الكنيسة الأرثوذكسية الروسية كيريل السبت إن البابا الراحل كان "مدافعاً عن القيم المسيحية التقليدية".

كما أشاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بجهود بنديكتوس السادس عشر في سبيل "عالم أكثر أخوة".

وعبر رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك عن "حزنه" لوفاة البابا الفخري فيما أعلنت الكنيسة الأنغليكانية أنها تصلي على نية البابا الراحل.

وأشاد الزعيم الروحي للكنيسة الانغليكانية رئيس أساقفة كانتربري جاستن ويلبي السبت بذكرى البابا الفخري واصفا إياه بأنه "احد أعظم علماء الدين في عصره".

وأشادت رئيسة الوزراء الايطالية جورجيا ميلوني بالبابا الفخري واصفة إياه بأنه "عملاق الإيمان والمنطق".

وأشاد الرئيس البولندي اندريه دودا بذكرى البابا الراحل قائلا إنه كان "مساعدا مقربا من القديس البابا يوحنا بولس الثاني".

كما أشاد مجمع أساقفة فرنسا بذكرى البابا السابق معبرا عن "حزنه" لوفاته وذكر بأنه كان "رجل دين عظيما" وحبرا أعظم "أراد خدمة وحدة الكنيسة".

وقال الفاتيكاني الإيطالي ماركو بوليتي في مقابلة مع وكالة فرانس برس السبت، إن بنديكتوس السادس عشر "كان مهما بصفته لاهوتيا لكنه لم يكن يملك الشخصية المعنوية اللازمة للبابا".

وتابع "إن جزءاً من ماضي الكنيسة يختفي معه. كان المحافظون يشنّون، ملوّحين برايته، حرباً أهلية ضد فرنسيس منذ عشر سنوات. (بوفاته) فقدوا رمزاً حياً، لم يعد بإمكانهم القول (هذا هو البابا الحقيقي وهذا هو المزيف)".

حدث غير مسبوق

وترؤس البابا فرنسيس جنازة البابا الـ265، حدث غير مسبوق في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية الذي يعود الى ألفي عام وسيحضره عشرات آلاف الأشخاص بينهم رؤساء دول.

تضع وفاة البابا الفخري حدا لتعايش غير معتاد بين رجلين يرتديان اللباس الأبيض البابوي: الألماني يوزف راتسينغر عالم اللاهوت الذي لا يشعر بالراحة للتفاعل مع الحشود، والأرجنتيني خورخي برغوليو اليسوعي الذي يسجل مواقف قاطعة وأراد إعادة الفقراء والمهاجرين الى قلب رسالة الكنيسة.

بعد ثماني سنوات من البابوية شهدت أزمات متعددة، طاردت هذا اللاهوتي الألماني في بداية عام 2022 فضيحة تحرّش رجال دين جنسيا بالأطفال. واتهم في تقرير صحافي في ألمانيا بإساءة إدارة العنف الجنسي عندما كان رئيس أساقفة ميونيخ، فكسر صمته ليطلب "الصفح" لكنه أكد أنه لم يتستر مطلقًا على الإساءة للأطفال.

وأكد في كتاب نُشر عام 2016 أن اعتزاله الذي أعلنه في 11 شباط/فبراير 2013 كان قرارًا شخصيًا نسبه إلى تراجع قدراته وليس بسبب الفضائح.

ببادرته غير المسبوقة منذ 700 عام، مهد البابا المعتزل الطريق لخلفائه ليحذوا حذوه عندما تتراجع قواهم. والبابا فرنسيس البالغ 86 عاما والذي يعاني آلاما في الركبة، ترك هذا الاحتمال "مفتوحاً".

صلاة خاصة

وكان البابا فرنسيس أعلن الأربعاء أن سلفه "مريض بشكل خطير" وأنه يصلي من أجله وقد توجه لزيارته في الدير الواقع في حدائق الفاتيكان.

وأكد الفاتيكان لاحقا أن صحة البابا السابق ساءت "بسبب التقدم في السن" فيما قال مصدر في الفاتيكان لوكالة فرانس برس إن صحّته بدأت تتدهور "قبل نحو ثلاثة أيام". وقال إن صحّة البابا الفخري "تدهورت قبل نحو ثلاثة أيام. وظائفه الحيوية تتلاشى بما في ذلك قلبه".

بعد ظهر الجمعة نظم الفاتيكان قداساً في كاتدرائية في روما للصلاة من أجل البابا المستقيل.

في الأشهر الأخيرة بدا بنديكتوس السادس عشر أكثر ضعفاً من ذي قبل وتنقل مراراً بواسطة كرسي متحرك، لكنه لم يتوقف عن استقبال الزوار. وآخر صور موزعة له تعود لتلقيه زيارة في الأول من كانون الأول/ديسمبر وقد بدا نحيلا وضعيفا.

ولد يوزيف راتسينغر في العام 1927 ودرّس اللاهوت مدى 25 عاماً في ألمانيا قبل أن يعيّن رئيساً لأساقفة ميونيخ.

ثم أصبح رئيس مجمع العقيدة والإيمان في روما حتى انتخابه في العام 2005 خلفاً للبابا يوحنا بولس الثاني.

نهج محافظ

خلال حبريته اعتمد نهجاً محافظاً في مسائل عدة خصوصاً الإجهاض والمثلية الجنسية والموت الرحيم.

أثارت تصريحاته مراراً الجدل، لا سيما حول الإسلام واستخدام الواقي الذكري للحماية من فيروسات نقص المناعة البشرية، إضافة الى إلغائه في العام 2009 مرسوم حرمان أربعة أساقفة أصدره البابا يوحنا بولس الثاني.

في العام 2012 سرّب مساعده الشخصي وثائق سرية للفاتيكان في ما أطلقت عليه تسمية "فاتيليكس"، وقد بيّنت الوثائق فساداً في إدارة الكرسي الرسولي وشؤونه المالية.

ويعود آخر تسجيل فيديو بثّه الفاتيكان لبنديكتوس السادس عشر إلى آب/أغسطس وبدا فيه نحيلاً ومزوداً جهازاً للسمع وغير قادر على الكلام.