ضجت وسائل الإعلام بخبر إقالة "اللاجئ العراقي السابق" النائب البريطاني ناظم الزهاوي من منصب رئاسة حزب المحافظين البريطاني بعد تزايد الضغوط عليه بشأن تسوية ضريبية دفع فيها ملايين الجنيهات مقابل عدم سداده ضرائب مستحقة عليه

وقال رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك إن التحقيق الذي أجري في السجل الضريبي أظهر "انتهاكا خطيرا لقواعد السلوك الوزارية".
وأوضح في رسالته إلى "الزهاوي" أنه اضطر لإقالته التزاماً بتعهداته بأن حكومته "ستتمتع بالنزاهة والكفاءة المهنية والمساءلة على كل المستويات".

وكان الزهاوي_ الذي شغل منصب وزير التعليم ومنصب وزير المالية في حكومة رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون، وأصبح نائباً عن دائرة ستراتفورد أبون أيفون في وسط إنجلترا_ قد قال "ربما كنت أحد أكثر الناس حظا". ذلك، لأن اعتلاء عدة مناصب هامة في الدولة البريطانية لم يكن أمرا قد يتجرأ على الحلم به في طفولته..! فمن هو هذا السياسي البريطاني من أصل عراقي؟
في ما يلي لمحة عن سيرته الذاتية:

ولد الزهاوي في العراق عام 1967، ولكنه أُجبر على الهرب مع والديه إلى بريطانيا حيث نشأ، فنجا بذلك من تجنيده جبراً للمشاركة في الحرب التي دارت مع إيران في ثمانينيات القرن الماضي.
وفي هذا السياق، قال للصحفي البريطاني نِك روبنسون في مقابلة بثّت عبر بودكاست "الفكر السياسي" العام الماضي، "كنت سأجند في الجيش العراقي، وأرسل للقتال في الخطوط الأمامية وربما كنت سأُقتل هناك."

نفوذٌ عائلي

ولقد كانت أسرته ميسورة في العراق، حيث شغل جدّه منصب محافظ البنك المركزي، وكانت الأوراق النقدية العراقية تحمل توقيعه. ولكن عندما تولى صدّام حسين زمام السلطة عام 1979، شعرت أسرة الزهاوي بالتهديد. وعلم والد ناظم بأن السلطات كانت تنوي اعتقاله.

ويحفظ "الزهاوي" بذاكرته "أحداثاً مؤلمة" فهو ليس قادراً على نسيان لحظات القلق التي سيطرت على أفراد أسرته قبيل إقلاع طائرتهم من مطار بغداد. خصوصاً عندما أنزل الجيش أحد المسافرين قسراً من الطائرة، فأجهشت والدته بالبكاء.
وهكذا وصل إلى بريطانيا، حيث نشأ وتابع دراسته في مقاطعة ساسكس الإنجليزية، وتعلّم الفروسية.

واجه ظروفاً صعبة وهو على مشارف الالتحاق بدراسته الجامعية، عندما انهار مشروع والده التجاري. حينذاك فقدت أسرته كل ما تملك عدا سيارة فوكسهول بنية اللون. لكنه "ناظم الشاب" انتفض وقرر استخدام تلك السيارة المتهالكة كسيارة أجرة يقودها من أجل توفير القوت لأسرته. لكن، والدته أصرّت على متابعة دراسته الجامعية، فرهنت مجوهراتها كي لا يقلق ابنها على وضع الأسرة المالي، ويتابع تحصيله العلمي.

التحق بكلية لندن الجامعية، حيث درس الهندسة الكيمياوية. ثم أسس شركة متخصصة ببيع منتجات تتعلق ببرنامج (تيليتابيز) للأطفال - الذي كان رائجًا في ثمانينيات القرن الماضي - وهي الشركة التي استثمر فيها السياسي جيفري آرتشر (اللورد آرتشر الآن) الذي كان من كبار سياسيي حزب المحافظين آنذاك. فوفّر برنامج (تيليتابيز) للأطفال أول فُرَصه في ميدان الأعمال.

أثّر "الزهاوي" بـ"اللورد آرتشر" لحسن تنظيمه والتزامه، فعرّفه على عدد من الشخصيات البارزة في حزب المحافظين. والتقى بفضله بعدد من أبرز زعماء وشخصيات الحزب بينهم رئيسة الحكومة السابقة مارغريت تاتشر آنذاك.

وفي عام 1994، أصبح ناظم عضوا محافظا في مجلس بلدية منطقة واندسوورث جنوبي لندن، وبعد ثلاث سنوات، ترشح لخوض الانتخابات النيابية عن دائرة إيريث وتايمزميد، ولكنه لم ينجح بدخول مجلس العموم آنذاك.

وعندما أطلق اللورد آرتشر حملته الانتخابية لعمودية مدينة لندن، التحق ناظم الزهاوي بفريقه الانتخابي

ولكن "آرتشر" أُجبر على الانسحاب من سباق العمودية، ولذا تعيّن على "الزهاوي" البحث عن عمل آخر. فأطلق بمشاركة عضو سابق آخر في فريق "آرتشر"، هو ستيفان شيكسبير، شركة (يوغوف) المتخصصة في مجال استطلاعات الرأي عبر الإنترنت. وحقق المشروع نجاحا كبيرا. فقد باع أسهمه في الشركة لاحقاً بـ 1.2 مليون من الجنيهات الإسترلينية حسبما ذكرت صحيفة (إيفنينغ ستاندارد) اللندنية.

مقعد برلماني

وبعدما أصبح متمكنا ماليا، اتجه ثانية إلى محاولة الفوز بمقعد برلماني، وحقق حلمه في عام 2010، بفوزه بمقعد برلماني عن دائرة سترتفورد أبون إيفون الإنجليزية الواقعة في مقاطعة واريكشير، وهي دائرة ما برح المحافظون يحتفظون بها منذ أكثر من مئة سنة.

فضيحة

كان مجلس العموم آنذاك ما زال يترنح من أثر فضيحة المصاريف الكبيرة التي كان يطالب بها بعض النواب، وأصبح الزهاوي وبسرعة متورطا في تلك الفضيحة إذ تبين أنه طالب بمصاريف تزويد اسطبلاته الخاصة بالطاقة الكهربائية. لكنه اعتذر لاحقاً وقال: "أشعر بالخزي لذلك الخطأ"، ورد المبالغ التي دفعت له.
نجا "الزهاوي" من هذه الفضيحة، ثم عينته رئيسة الحكومة تيريزا ماي في يناير/كانون الثاني 2018 وزيراً للتعليم ومسؤولا عن الطفولة والشؤون الأسرية.

بعدها تورط في مشكلة أخرى، خلال حضوره حفلا أقيم في نادي "بريزيدينتس" الرجالي. وذلك بعدما كشف أحد مراسلي صحيفة فاينانشال تايمز، الذي حضر الحفل متنكراً، بأن المضيفات تعرضن للتحرش وتم إسماعهن عبارات بذيئة وخادشة للحياء. فنال توبيخاً من قبل "ماي" بسبب حضوره ذلك الحفل.

وزارة التعليم.. والجائحة

أما بوريس جونسون الذي وصفه بأنه "وجه مثير للجدل من الماضي" فنقله من وزارة التعليم إلى وزارة شؤون الأعمال. ثم سلّمه مسؤولية "حملات التلقيح" ضد فيروس كوفيد19. فأشرف طيلة 11 شهرا تقريبا على برنامج نشر وتوزيع لقاحات كورونا، وحقق نجاحاً تجاوزت به بريطانيا الكثير من الدول الأخرى في مجال التلقيح، وتغنّت حكومة جونسون بنجاح برنامجها للتلقيح على أنه أحد أعظم انجازاتها.

بعدها، عُيّن ناظم، وزيرًا للتعليم، وذلك عقب تنحية الوزير السابق غافين ويليامسون الذي خسر شعبيته إثر الفوضى التي اعترت الامتحانات المدرسية أثناء فترة وباء كورونا. فنجح مجدداً بالمهمة الموكلة إليه، وساعد التلاميذ على استكمال دراستهم، بعدما فرضت جائحة كورونا غيابهم القسري عن صفوفهم لعدة شهور.

وروّج أثناء فترة توليه حقيبة التعليم لشهادات التعليم المهني، إذ كان يهدف إلى جعل هذه الشهادات تحظى بنفس الشهرة التي تتمتع بها شهادات الدراسة الثانوية (A-levels)

وحاول تمرير قانون المدارس الذي صاغته حكومة جونسون، ولكنه اضطر إلى التراجع عن بعض بنوده بعد أن تعرّضت مسودة القانون إلى معارضة قوية.

وكان "الزهاوي" ينوي مساعدة المزيد من الأطفال على الاستفادة من البرنامج الوطني للتدريس الخاص. وفي الأسابيع الأخيرة من توليه حقيبة التعليم، كان منهمكا في محاولة ثني المدرسين عن التفكير بالقيام بإضراب، وهي خطوة وصفها بأنها "لا تُغتفَر" خصوصا، وأنها تأتي بعد أشهرٍ قليلة من عودة التلاميذ إلى صفوف الدراسة عقب الوباء.

وكانت حكومة جونسون تعتمد بشكلٍ مستمر على الزهاوي، بوصفه يتمتع بظهورٍ إعلامي قوي، في الدفاع عن رئيسها في وسائل الإعلام المختلفة.

استقالة سوناك

وعندما استقال ريشي سوناك بشكلٍ مفاجئ من منصب وزير المالية في يوليو/تموز عام 2022، كُلِّف الزهاوي بالمنصب. لكن مع تفاقم الأوضاع إثر الأزمة الحكومية التي استمرت لأيام توالت فيها استقالات الوزراء، طالب الزهاوي برحيل بوريس جونسون. فأعلن الأخير استقالته بعد ذلك بساعات.

وعندما حلّت ليز تراس محل رئيسة للوزراء، عينت الزهاوي وزيرا للمساواة. لكنه لم يبق طويلا في ذلك المنصب، مع استقالتها من منصبها سريعاً.

وكان "سوناك" الذي تولى رئاسة الوزراء في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قد عيّن الزهاوي في منصب رئاسة حزب المحافظين، ومنصب وزير بدون حقيبة وزارية، وكان حضور اجتماعات مجلس الوزراء من بين متطلبات وظيفته.

لكن، المفاجأة ظهرت في التقارير الإعلامية التي تناولت سجله الضريبي للمرة الأولى عندما عيّن وزيرا للمالية في يوليو/تموز الماضي.
ومع ظهور المزيد من المعلومات خلال الشهر الجاري، زادت الضغوط عليه وعلى ريشي سوناك، ما دفع الأخير لإقالته.