شهدت الإمارات تعيينات دستورية جديدة تحمل دلالات عدة، وتؤسس لمرحلة سياسية جديدة، لا تتوقف عند محاولات يائسة لتعكير صفو الدولة واستقرارها ومسيرتها الإنمائية المستمرة.

إيلاف من أبوظبي: عكست حزمة التعيينات الدستورية التي شهدتها دولة الإمارات العربية المتحدة في الأسبوع الماضي دلالات عدة، تؤسس لمرحلة سياسية جديدة في حياة الدولة التي احتفلت في العام الماضي بيوبيل تأسيسها الذهبي، وتستعد من الآن للمئوية الأولى عبر خطط وبرامج تنموية تتحدى فيها نفسها، بعد أن حسمت في الخمسين سنة الماضية المنافسة لصالحها في العديد من مؤشرات التنافسية الإقليمية والدولية.

أول هذه الدلالات أن اتساع إطار وعمق التعيينات، التي شملت معظم مفاصل الهرم القيادي الإماراتي، تعكس ثقة القيادة الإماراتية بنفسها، كما تعكس عمق الإلتفاف الداخلي حولها، سواء ما تعلق منه بالإنسجام بين حكام الإمارات المُشكلة للاتحاد، أو ما تعلق بحجم التأييد الشعبي والميداني الذي تحظى به القيادة.

واضح أن هذه الثقة ليست وليدة اللحظة. فقد استطاعت قيادة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حتى قبل استلامه رسميا مسؤولية رئاسة الدولة منذ قرابة عام، أن يثبت قدرتة على إدارة سفينة الإتحاد وتوجيهها نحو أفق سياسي جديد، يعزز دور الإمارات بما يتناسب مع مكانتها بوصفها رافعة من روافع العمل الإقليمي والعربي.

الشيخ منصور بن زايد آل نهيان

سجل من الثقة

هذه الثقة المتراكمة عبر العديد من القرارات والخطوات السياسية التي اتخذها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان هي التي مهدت للقرارات الدستورية وساهمت في تمريرها بسلاسة فاجأت الجميع، ومنها قرار تعيين نائب ثانٍ لرئيس الدولة هو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، في خطوة غير مسبوقة، حيث بقي هذا المنصب محكوماً بتقليد دستوري يجعله حكرًا على حاكم ثاني أكبر الإمارات المكونة للاتحاد، وهو حاكم إمارة دبي.

تناوب على هذا المنصب منذ تأسيس الدولة في عام 1971 كلاً من المرحوم الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، ونجله الأكبر المرحوم الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم، قبل أن يؤول المنصب إلى حاكم دبي الحالي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.

جاء تعيين الشيخ منصور في المنصب، إلى جانب الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، إجراءً سياسيًا ودستوريًا من خارج صندوق التوقعات التقليدية، ولدوافع عملية.

فخلافًا لمن حاول تعكير دوافع القرار وسلامة حيثيات إصداره، تم هذا التعيين بموافقة من المجلس الأعلى للاتحاد، لتصبح هذه الموافقة بحد ذاتها تعديلًا دستوريًا ضمنيًا، حاله في هذا حال الكثير من القرارات السيادية التي وافق عليها المجلس الأعلى للاتحاد، قبل أن يصدرها رئيس الدولة في مراسيم اتحادية لها قوة الدستور.

من هذه المراسيم، على سبيل المثال لا الحصر، القرار الخاص بآلية تشكيل المجلس التشريعي في الامارات، والمعروف باسم المجلس الوطني الاتحادي الذي صار تشكيله يأخذ صيغة مختلطة بين التعيين والانتخاب.

ولتعيين الشيخ منصور نائبٍاً لرئيس الدولة بُعد عملي، ومن خلاله يستكمل الدور الذي يؤديه الشيخ منصور في الحياة السياسية الإماراتية. فالكل يعرف أن الشيخ منصور، بحكم منصبه نائباً لرئيس مجلس الوزراء وزيراً لديوان الرئاسة ورئيساً للمجلس الوزاري المصغر المسؤول عن القطاع التنموي في البلاد، على صلة مباشرة برئيس الدولة ونائبه، وتهيئته نائبًا لرئيس الدولة هو من الناحية العملية تسكين له على المهام العملية التي كان يؤديها ويقوم بها بالفعل، وليس تعيينًا جديدًا كما هو ظاهر من الناحية الشكلية.

موقعا هزاع وطحنون بن زايد

أما تعيين الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان والشيخ طحنون بن زايد آل نهيان نائبين لحاكم أبوظبي، فيعكس الدور الذي أداه الرجلان في المرحلة الماضية. فالشيخ هزاع الذي تولى مسؤوليات أمنية في فترة حكم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والمرحوم الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وتولى في ما بعد منصب نائب رئيس المجلس التنفيذي، توفرت له خبرة ثمينة تجعل من منصبه نائبًا لحاكم أبو ظبي بمثابة استثمار لتلك الخبرة المتراكمة في استمرار الدفع بتطوير الخدمات وتعزيز المشروعات في أبوظبي.

الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان

ما ينطبق على الشيخ هزاع ينطبق على الشيخ طحنون بن زايد الذي تولى مسؤوليات أمنية كما كانت له صلات واتصالات دولية مهدت لكثير من الخطوات السياسية الإقليمية والدولية التي اتخذتها القيادة الإماراتية.

وخلافًا لما يروج له بعض المغرضين من أن في تعيين الشيخين هزاع وطحنون استبعاد للشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، أكبر أشقاء الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، فالرد على ذلك يأتي بقراءة الدور الذي يؤديه الشيخ حمدان ممثلًا للحاكم في منطقة الظفرة الواقعة على الغرب من مدينة أبو ظبي. ولمن لا يعرف هذه المنطقة، فإنها بيضة القبان في عملية التنمية في أبوظبي، وهي المقر الرئيسي للصناعة النفطية، وفيها محطات توليد الطاقة النووية، كما هي من المناطق التي يعول عليها لإحداث نقلة نوعية في جهود تنويع الإقتصاد المحلي على مستوى إمارة أبوظبي وعلى مستوى الدولة الإتحادية، خصوصًا مع استكمال خطوات إنشاء قطار السكة الحديدة التي ستربط كافة مدن الامارات ابتداء من الحدود السعودية وحتى بحر العرب على شاطئ إمارة الفجيرة. وبهذا المعنى، فإن الشيخ حمدان بن زايد منذور لقيادة واحد من أهم مشروعات التنمية في الامارات، وإحداث نقلة في حياة المنطقة الغربية التي تتجسد من خلالها فكرة التنمية المتوازنة.

ولي عهد جديد

الحلقة الأخيرة في حزمة التعيينات كانت تعيين الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان وليًا لعهد أبوظبي، والذي جاء تحصيل الحاصل بإعتباره النجل الأكبر للحاكم، وهذا تقليد درجت عليه ابوظبي في معظم الأحيان وطوال حكم آل نهيان.

ولي عهد أبو ظبي الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان

وليس التقليد السياسي العنصر الوحيد الذي هيأ الشيخ خالد بن محمد لولاية العهد، لكن الرجل تهيأ لهذا المنصب منذ بعض الوقت، وخضع لفترة إعداد صارمة للمنصب جعلته على تماس مباشر بالقضايا الحياتية للناس.

وجاءت فترة رئاسته للمكتب التنفيذي لأبوظبي، والذي كان يشكل قناة تواصل للحاكم مع دوائر الخدمات في الإمارة، بمثابة مرحلة إعداد للواجبات التي سيتولاها ولي العهد الجديد والذي سيترأس من الآن وصاعدا المجلس التنفيذي لإمارة ابوظبي، وهو بمثابة مجلس وزراء محلي متخصص في شؤون إمارة ابوظبي.

بمواكبة تعيين الشيخ خالد وليًا للعهد في أبوظبي، تم تشكيل مجلس تنفيذي جديد يضم كفاءات تكنوقراطية وادارية تغيب عنه الإعتبارات السياسية التي كانت تجعل من المناصب فيه حصصًا، بل وحتى ترضيات.