عاد رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون إلى الحياة السياسية بعد غياب أكثر من سبع سنوات، بعد أن عيّنه رئيس الحكومة، على نحو مفاجئ، وزيراً للخارجية خلفا لجيمس كليفرلي.

جاء ذلك في تعديل وزاري تضمّن إقالة وزيرة الداخليّة سويلا برافرمان، بعد اتهامها شرطة لندن بالتحيّز أثناء التعامل مع الاحتجاجات الأخيرة المتعلقة بحرب غزة، وتعيين كليفرلي مكانها.

وكان كاميرون، الذي تولى رئاسة الوزراء عام 2010، استقال من منصبه عام 2016، بعد صدور نتائج استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) - إذ كان من مؤيدي البقاء ضمن الاتحاد.

وشكلت عودة كاميرون إلى الحكومة، التي يتولاها المحافظون، مفاجأة لكثيرين، إذ كان قد ابتعد عن الحياة السياسية بعد استقالته.

وتأتي عودته في وقت بالغ الحساسية على الصعيد السياسي عالميا، في ظل الحرب الراهنة في غزة، وفي وقت يخشى فيه كثيرون من اتساع رقعة القتال إقليميا.

فماذا نعرف عن مواقف كاميرون حيال الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني؟

درس كاميرون الفلسفة والسياسة والاقتصاد في جامعة أكسفورد، وتخرج عام 1988 بمرتبة الشرف الأولى. وفي العام ذاته، بدأ عمله السياسي كباحث في وحدة دراسات حزب المحافظين.

تسببت مواقف كاميرون حيال الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي خلال سنوات عمله كرئيس للوزراء، ببعض الجدل؛ فعلى الرغم من دعمه الدائم لإسرائيل، فإن دعمه كان يتخلله بعض الانتقادات اللاذعة أيضاً.

وكان كاميرون أول سياسي غربي يصف قطاع غزة بأنه "سجن مفتوح عملاق" و"معسكر اعتقال".

وقال كاميرون في مجلس العموم البريطاني في 28 يونيو/حزيران 2010: "الجميع يعلم أننا لن نتمكن من حل مشكلة عملية السلام في الشرق الأوسط، بينما يوجد فعلياً سجن مفتوح عملاق في غزة".

وفي زيارة لتركيا في يوليو/تموز 2010، وصف كاميرون قطاع غزة المحاصر بأنه "معسكر اعتقال"، وقال حينها: "الوضع في غزة يجب أن يتغير. يجب أن تتدفق السلع الإنسانية والأشخاص في كلا الاتجاهين. لا يمكن، ولا يجب السماح لغزة بالبقاء كمعسكر اعتقال".

وجاء ذلك بعد أن هاجمت إسرائيل في 31 مايو/أيار 2010، أسطولاً من القوارب كان يحاول كسر الحصار على غزة وتقديم مواد إغاثة ومساعدات إنسانية، وقتل من جراء الهجوم الإسرائيلي على السفينة الرئيسية فيه، والتي كانت تحمل اسم "مافي مرمرة"، 10 أتراك كانوا على متنها.

وأدان كاميرون هجوم إسرائيل على ذلك الأسطول قائلاً: "الهجوم الإسرائيلي على أسطول غزة غير مقبول على الإطلاق. لقد أبلغت رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأننا نتوقع أن يكون التحقيق الإسرائيلي سريعاً وشفافاً وصارماً. واسمحوا لي أيضاً أن أكون واضحاً بأن الوضع في غزة يجب أن يتغير".

وفي محادثة هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد الحادثة، أصرّ كاميرون على أن بريطانيا لا تزال ملتزمة بأمن إسرائيل، لكنه دعا إلى رد فعل "بناء" على "الانتقادات المشروعة" لأفعالها.

واستدعت تصريحات كاميرون هذه ردود فعل من مسؤولين إسرائيليين، وقال رون بروسور، السفير الإسرائيلي في لندن حينها، "إن سكان غزة هم أسرى منظمة حماس الإرهابية، والوضع في غزة هو نتيجة مباشرة لحكم حماس وأولوياتها".

ديفيد كاميرون والرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال محادثات في بيت لحم عام 2014
Reuters
ديفيد كاميرون والرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال محادثات في بيت لحم عام 2014

وقال إفرايم سنيه، نائب سابق لوزير الدفاع الإسرائيلي: "كاميرون على حق، غزة عبارة عن سجن اعتقال، لكن أولئك الذين يسيطرون على السجن هم حماس. أنا ضد المعايير المزدوجة تماماً لدولة تحارب طالبان ولكنها تتضامن مع إخوانهم حركة حماس".

وأضاف: "من المؤسف للغاية أن رئيس الوزراء البريطاني لا يفهم ذلك، إنه يعكس عدم فهم للمسألة وهي علامة سيئة للغاية. كاميرون لا يفهم أن 1.5 مليون شخص يعيشون في غزة في ظل النظام القمعي لحماس، ومع ذلك فهو يلوم إسرائيل".

وفي مارس/آذار 2014، زار كاميرون إسرائيل للمرة الأولى كرئيس للوزراء، وقال أثناء زيارته إن إيمانه بإسرائيل "غير قابل للكسر" بينما حثّ السياسيين في البلاد على السعي إلى التوصل لاتفاق مع الفلسطينيين لوضع "نهاية لكل الصراعات".

وقال كاميرون خلال الزيارة إنه شعر "بنوع من الارتباط" بإسرائيل بسبب أصوله اليهودية "المحدودة نسبياً".

ودعم ما سماه "الحلول الوسط المطلوبة، بما في ذلك وقف النشاط الاستيطاني وإنهاء التحريض الفلسطيني أيضاً". كما رفض الدعوات التي طالبت بمقاطعة إسرائيل وقال في الكنيست إن "نزع الشرعية عن دولة إسرائيل أمر خاطئ، إنه أمر بغيض. وسنهزمه معاً".

وكان كاميرون في ذلك الوقت يقود وفداً تجارياً بريطانياً مكوناً من 17 شركة، يسعى من خلاله إلى تشجيع الروابط بين قطاعي التكنولوجيا والابتكار في المملكة المتحدة وإسرائيل.

وفي شهر أغسطس/آب 2014، وبعد اندلاع حرب بين إسرائيل وحماس وفصائل فلسطينية أخرى في 8 يوليو/تموز، حذّر كاميرون إسرائيل من أن قتل المدنيين "خاطئ وغير قانوني" بعد مقتل أكثر من 1800 شخص.

وجاءت تعليقات كاميرون بعد أن قالت الأمم المتحدة إن إسرائيل انتهكت القانون الدولي بقصفها لأطفال خارج مدرستهم، حيث قال لبي بي سي إن الأمم المتحدة "على حق في التحدث علناً بهذه الطريقة، لأن القانون الدولي واضح للغاية في أنه لا يجب أن يكون هناك استهداف للمدنيين أو للمدارس، في حال كان هذا ما حدث".

وفي عام 2015، قرر البرلمان البريطاني عدم مناقشة عريضة تطالب باعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عند زيارته بريطانيا بتهمة ارتكابه لجرائم حرب، على الرغم من جمع ما يقرب من 112 ألف توقيع، وهو الأمر الذي يستدعي رداً من قبل كل من الحكومة والبرلمان بحسب القانون البريطاني.

وقالت الحكومة البريطانية برئاسة كاميرون إن اعتقال رئيس دولة زائر أمر غير قانوني بموجب القانون البريطاني والدولي.

وفي عام 2015، قال كاميرون لنتنياهو إن المملكة المتحدة لا تزال تعتقد أن حل الدولتين هو أفضل وسيلة "لتحقيق سلام دائم وتأمين أمن إسرائيل وازدهارها على المدى الطويل"، بعد أن بدا وكأن نتنياهو لا يريد الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

وقال كاميرون للنواب في البرلمان: "علينا الضغط على الجانبين للتأكد من استمرار المحادثات بشأن حل الدولتين. أعتقد أن ذلك يصب في مصلحة ليس فقط الفلسطينيين على المدى الطويل، ولكن أيضاً مصلحة الإسرائيليين، وسياسة بريطانيا في هذا الشأن لن تتغير".

وأضاف: "أنا أؤمن حقاً بحل الدولتين ونحن نعارض بشدة بناء المستوطنات الذي حدث وكنا واضحين جداً بشأن ذلك وسنظل واضحين بشأن ذلك. إنه يجعل حل الدولتين أكثر صعوبة، وهذا بدوره سيجعل إسرائيل أقل استقراراً وليس أكثر استقراراً".

الدمار الحاصل جراء الغارات الجوية الإسرائيلية على مدينة غزة، 09 أكتوبر/تشرين الأول 2023
EPA
الدمار الحاصل جراء الغارات الجوية الإسرائيلية على مدينة غزة

وفي فبراير/شباط 2016، قال كاميرون في مناقشة في البرلمان البريطاني: "أنا معروف بكوني صديق قوي لإسرائيل، لكن يجب أن أقول إنني زرت القدس للمرة الأولى وقمت بجولة في تلك المدينة الرائعة، ورأيت ما حدث مع التطويق الفعال للقدس الشرقية، القدس الشرقية المحتلة، إنه أمر صادم حقاً".

وأضاف: "ما فعلته هذه الحكومة باستمرار وتواصل القيام به هو القول، نعم، نحن نؤيد إسرائيل ولكننا لا ندعم الاستيطان غير القانوني، ولا نريد دعم ما يحدث في القدس الشرقية، ومن المهم جداً أن يتم الحفاظ على هذه المدينة العاصمة كما كانت في الماضي".

ومن غير المعروف كيف سيتعامل كاميرون مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في منصبه السياسي الجديد بعد مرور كل هذه السنوات، إلا أن الموقف الأول الصادر عنه بعد تعيينه وزيراً للخارجية، الاثنين، كان تأكيده خلال اتصاله مع نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن، "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس والحاجة إلى هدنة إنسانية للسماح بمرور آمن للمساعدات إلى غزة" بحسب بيان صادر عن مكتبه.

وكان كاميرون نشر قبل تعيينه في منصبه، وبعد يومين فقط من أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على حسابه الخاص على موقع "إكس"، بياناً مرفقاً بعلم إسرائيل، قال فيه: "إن أفكاري وصلواتي تتوجه إلى شعب إسرائيل في أعقاب الأعمال الإرهابية الدنيئة التي تعرضوا لها خلال عطلة نهاية الأسبوع".

وأضاف: "إنني أتضامن بالكامل مع إسرائيل في هذا الوقت الأكثر تحدياً وأدعم بالكامل رئيس الوزراء وحكومة المملكة المتحدة في دعمهما الثابت لها".

وتواجه المملكة المتحدة تحديات شعبية متعلقة بما يحصل حالياً في غزة، وخرجت يوم السبت الماضي في الحادي عشر من نوفمبر/تشرين الثاني، والذي صادف يوم تكريم ذكرى الجنود البريطانيين الراحلين خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، مئات الآلاف من المتظاهرين المطالبين بوقف إطلاق نار فوري في غزة، في العاصمة البريطانية لندن وقدّرعددهم بين 300 و500 ألف شخص.