بعد أن أُخفيت الجوانب الرئيسية المتعلقة بهجوم 7 أكتوبر عن قادة حماس في الخارج، يتنافس هؤلاء حالياً على السلطة في ترتيبات ما بعد الحرب

إيلاف من دبي: مع تقدم الحرب بين حماس وإسرائيل، ظهرت توترات جديدة وقديمة بين قادة الحركة في غزة وأولئك المقيمين في الخارج. ففي داخل القطاع، لا يزال يحيى السنوار هو زعيم حماس بلا منازع ويحتفظ بولاء مجموعة ضيقة من القادة العسكريين المحيطين به. يركز السنوار بشدة على مواصلة القتال، معتقداً أن حماس إذا تحمّلت الضربة العقابية التي توجهها إسرائيل من دون أن يتم تدميرها بالكامل، فإنها قد تتمكن في النهاية من إعلان "النصر الإلهي"، مثلما ادّعى حزب الله في عام 2006.

غير أن قادة حماس في قطر ولبنان وتركيا بدأوا يتطلعون بالفعل إلى اليوم التالي للحرب ويحاولون الاستحواذ على حيز خاص لجماعتهم في أي هيكل سياسي سيحكم غزة، كما يقول إيهود يعاري (زميل ليفر الدولي في معهد واشنطن ومعلق شؤون الشرق الأوسط في القناة 2 التلفزيونية الإسرائيلية) وماثيو ليفيت (زميل فرومر-ويكسلر في المعهد، ومدير برنامج راينهارد للاستخبارات ومكافحة الإرهاب التابع للمعهد)، في مقالة نشرها موقع معهد واشنطن. وبما أن التوترات الناتجة تعكس الخلافات التي تورطت فيها الحركة لسنوات، فإن مقارنة الانشقاقات الماضية والحالية أمر مفيد.

منافسة على السيطرة
يقول يعاري وليفيت: "منذ انقلاب حماس ضد السلطة الفلسطينية برئاسة حركة فتح في غزة عام 2007، لم ينفك قادة الحركة داخل الأراضي الفلسطينية يكتسبون السيطرة والنفوذ بشكل ثابت على حساب قياداتها المتواجدة في الخارج. وبقي القادة الخارجيون، كان مقرهم في دمشق آنذاك، مهيمنين لفترة من الوقت، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أنهم ما زالوا يسيطرون على أموال الحركة ويشرفون على العلاقات مع حزب الله وإيران والجهات الفاعلة الأخرى. مع ذلك، كان قادة حماس على الأرض هم الذين يصدرون القرارات اليومية المتعلقة بإدارة القطاع، وفي نهاية المطاف طوّروا أنظمة الضرائب والابتزاز التي قللت من اعتمادهم على التمويل من الخارج".

يضيفان: "في أغسطس 2008، فاز كادر من أعضاء حماس الشباب، الذين تربطهم صلات مع القادة في كتائب عز الدين القسام، بمقاعد في المكتب السياسي في غزة. وبحلول عام 2009، أصبحت الانقسامات في القيادة والتصريحات المتناقضة واضحة حول قضايا مختلفة، من بينها ما إذا كان ينبغي لحماس أن تستمر في وقف إطلاق النار الذي أنهى صراعها الأخير مع إسرائيل. وفي العام نفسه، أسفرت عملية انتخابية استمرت شهوراً لانتخاب الهيئة القيادية العليا لأسرى حماس داخل السجون الإسرائيلية عن تعيين السنوار رئيساً".

في عام 2010، حاول القائد العام لـحماس، خالد مشعل، تقريب الحركة من الأنظمة العربية السنّية في الشرق الأوسط وجعلها أقل اعتماداً على إيران. مع ذلك، عارض السنوار وإسماعيل هنية، زعيم الحركة في غزة، هذا التحوّل ومنعاه من الحدوث، وبادرا إلى ما سيصبح شراكة مصلحة بين الرجلين. وفي عام 2011، أطلقت إسرائيل سراح السنوار بموجب صفقة لتبادل الأسرى تم خلالها إطلاق سراح الأسير الإسرائيلي جلعاد شاليط، ما مهد الطريق لوصوله إلى السلطة.

وفي فبراير 2017، اختير السنوار رئيساً للمكتب السياسي لـحماس في غزة في انتخابات سرية. بحسب يعاري وليفيت، ساعد هنية ونائبه صالح العاروري السنوار على نقل مركز ثقل الحركة إلى غزة، لكن أسلوب حكم السنوار وشخصيته القاسية أديا إلى مغادرة هنية وغيره من كبار المسؤولين إلى قطر وتركيا، "ما تسبب بشرخ واضح بين القيادات الداخلية والخارجية للحركة. ورغم أن هنية ظل رئيساً للمكتب السياسي، فإن سيطرة السنوار على أرض الواقع منحته قيادة فعلية لما فعلته الحركة في غزة".

توترات هجوم 7 أكتوبر
خدع السنوار القادة الإسرائيليين ودفعهم إلى معاملته كشخص عملي يمنح الأولوية لمشروع حماس السياسي في غزة. لكن خلفية السنوار كانت تحمل دلالات مهمة. يقول يعاري وليفيت: "بدأ السنوار مسيرته كأحد منفذي قرارات حماس، الذين قاموا بالتحقيق مع الفلسطينيين المشتبه في تعاونهم مع إسرائيل وقتلهم. وكما أوضح هجوم 7 أكتوبر، انطوت أولويته الحقيقية على قيادة هجوم ضد إسرائيل كان يأمل في أن يحفز المسلمين في جميع أنحاء المنطقة للانضمام إلى القتال". يضيفان: "يبدو أن هذه الحسابات والتفاصيل المحددة للهجوم شكلت مفاجأة تامة لهنية وباقي القيادات الخارجية". كان هؤلاء على علم بخطط السنوار لتنفيذ هجوم واسع النطاق ضد إسرائيل في مرحلة ما ووافقوا عليها، كما شاركوا في الكثير من المداولات حول هذا الهجوم مع مسؤولين من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني وحزب الله. لكن لم يتم إبلاغهم بحجم الخطة، أو توقيتها الذي يبدو أنه تغيّر مرتين على الأقل.

يقول مؤلفا المقالة: "لم يكن هناك سوى مجموعة أساسية من القادة مسؤولة عن التخطيط المفصل للعملية، شملت السنوار وشقيقه محمد والقائد العسكري الفعلي لـحماس مروان عيسى. وعلى الرغم من أن وحدات حماس أجْرت تدريبات هجومية لعدة أشهر حظيت بتغطية إعلامية واسعة، إلّا أنه لم يتم تزويد قادة كتائبها الإقليمية الخمس وفصائلها الأربعة والعشرين بالخطة المحددة، أي اختراق السياج الحدودي، واقتحام المواقع العسكرية الإسرائيلية، وقتل أكبر عدد ممكن من المدنيين، وأسر الرهائن، وتدمير بلدات إسرائيلية، إلّا قبل ساعات قليلة من العملية. وصدرت أيضاً تعليمات لبعض القادة بإرسال مقاتلين إلى الضفة الغربية والتواصل مع أتباع حماس في الخليل، مع أن ذلك لم يحدث بتاتاً. وطُلب من آخرين الحفاظ على وجودهم داخل إسرائيل لأسابيع إن أمكن. ولم تكن هذه التفاصيل معروفة للقيادة الخارجية، التي تحاول الآن تفادي الهزيمة الكاملة في غزة والحفاظ على دور لـحماس في أي هيكل سياسي ينشأ بعد الحرب".

في أعقاب 7 أكتوبر، أثار نطاق الهجوم ووحشيته انتقادات من القادة الخارجيين ودفع الكثيرين إلى محاولة السيطرة على الأضرار، وأعربوا عن تحفظاتهم بشأن أخذ النساء والأطفال رهائن. في محادثات خاصة مع محاورين عرب وفلسطينيين، أدان بعض قادة حماس بشدة "جنون العظمة" لدى السنوار. إنهم يلومونه على سوء فهم الرسائل الصادرة قبل الحرب من إيران وحزب الله، والتعامل مع تعهدات الدعم الغامضة على أنها التزام حازم بفتح جبهات إضافية ضد إسرائيل وإنقاذ حماس من الدمار. دفعت هذه الضمانات الخاطئة بالسنوار إلى شن هجوم واسع النطاق، وهو على يقين بأنه لن يكون أمام إسرائيل خيار سوى الرد بالمثل. وقد أبلغ قادة حماس في الخارج الدبلوماسيين الأجانب أنه كان ينبغي على السنوار أن يكتفي بعملية إرهابية محدودة جداً لاحتجاز الرهائن وتمهيد الطريق لتبادل الأسرى. وذهب وزير الاتصالات السابق يوسف المنسي إلى إخبار المحققين الإسرائيليين أن السنوار أعاد غزة "200 عام إلى الوراء" ودعا فعلياً إلى إطاحته.

حماس تناقش خطواتها التالية
يقول يعاري وليفيت: "في وقت سابق من هذا الشهر، بدأ هنية والعاروري ونائب آخر، هو خليل الحية، بالاجتماع مع ممثلين عن منظمة التحرير الفلسطينية وفصائل المعارضة في حركة فتح، وكان بين المشاركين شخصيات مثل وزير الخارجية السابق للسلطة الفلسطينية ناصر القدوة، وسمير مشهراوي نائب محمد دحلان في التيار الديمقراطي الإصلاحي. وتمحورت نقاشاتهم حول احتمال دمج حماس في منظمة التحرير الفلسطينية بعد انتهاء الحرب، من بين أفكار أخرى حول ترتيبات ’اليوم التالي‘ في غزة. وعندما وصلت تقارير عن هذه المحادثات إلى السنوار، قال لهنية إنه يعتبر هذا السلوك مشيناً، وطالب بوقف جميع الاتصالات مع منظمة التحرير الفلسطينية وفصائل فتح المنشقة، وعدم إجراء أي مشاورات حول اليوم التالي إلى حين التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار".

تجاهلت القيادة الخارجية توجيهات السنوار. في خطاب متلفز ألقاه هنية في 13 ديسمبر بمناسبة الذكرى السادسة والثلاثين لتأسيس حماس، أشار إلى استعداده للمشاركة في نقاشات حول توحيد القيادة الفلسطينية. على نحو مماثل، عندما أجرى المسؤول الرفيع المستوى موسى أبو مرزوق مقابلة مع موقع "المونيتور" في ديسمبر، ناقش تصوّر حماس لليوم التالي بعد الحرب، وتطرق إلى إمكانية انضمام الحركة إلى منظمة التحرير الفلسطينية، حتى أنه ألمح إلى إمكانية الاعتراف بإسرائيل، وسرعان ما تراجع عن تصريحه حالما اكتسب زخماً على وسائل التواصل الاجتماعي.

نموذج حزب الله
أمر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عضوَي اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية جبريل الرجوب وعزام الأحمد بالبدء في مفاوضات مع هنية وزملائه لصياغة الخطوط العريضة للمصالحة بين الحركتين. وتتمثل العقبات الرئيسية في رفض حماس التزام اتفاقيات أوسلو أو التخلي عن أسلحتها، كما تصر الحركة على إجراء انتخابات عامة في غضون عام. لكن، "ما دام السنوار حيًا، لن ينجح أي اتفاق في الخارج ما لم يوقّع عليه شخصياً"، كما يقول يعاري وليفيت، ويضيفان: "الجدير بالذكر أن مبعوث السنوار الموثوق إلى القيادة الخارجية، غازي حمد، التزم الصمت في الأسابيع القليلة الماضية، على الرغم من إرساله إلى بيروت قبل شهرين من 7 أكتوبر، وعقده مؤتمرات صحفية يومية في الأيام الأولى للحرب. وبالمثل، يتجاهل كبار القادة في كتائب القسام النصائح المقدمة لهم، في حين أصبحت الاتصالات أقل تواتراً بشكل كبير بين مخبأ السنوار السري تحت الأرض وأعضاء المكتب السياسي الخارجي المقيمين في الدوحة وبيروت واسطنبول".

يشار إلى أن السنوار تواصل مع هنية في 21 ديسمبر ليجبره على وقف جهوده للتوسط في صفقة رهائن جديدة في القاهرة، "لأنه لم يتم تلبية الشرط المسبق الذي أعلنه السنوار بوقف إطلاق النار الكامل من جانب إسرائيل"، كما يقول يعاري وليفيت، وترافقت رسالته مع وابل من خمسة وثلاثين صاروخاً أُطلقت باتجاه تل أبيب، وتهديدات مبطنة ضد الرهائن الإسرائيليين المتبقين المحتجزين في غزة.

يختم يعاري وليفيت المقالة بالقول: "يجب تجنب نتيجة واحدة بأي ثمن: نشوء وضع مشابه لنموذج حزب الله، يتولى فيه أعضاء حماس أدواراً تنفيذية وتشريعية في الحكومة الفلسطينية، حتى مع بقاء الحركة كياناً مستقلاً يحتفظ بأسلحته ومصادر تمويله".

المصدر: "معهد واشنطن"