إيلاف من أصيلة : أجمع مشاركون، مساء الاثنين، بمدينة أصيلة المغربية،خلال ندوة دراسية بعنوان:"25 سنة.. نضال وتنمية"، على النقلة النوعية التي شهدها المغرب،على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، خلال ربع قرن من حكم الملك محمد السادس.وشددوا على أن العمل الذي تم ساعد على تسويق صورة حية وصادقة لمغرب يخطو بأمان وعزيمة وتفاؤل نحو المستقبل.

عبد اللطيف وهبي وزير العدل

وتميزت هذه الندوة، التي نظمتها "مؤسسة منتدى أصيلة"، بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لتولي الملك محمد السادس مقاليد الحكم ، بمشاركة كل من عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، و نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، والسفيرة والوزيرة السابقة نزهة الشقروني، والدكتور سعيد بنسعيدالعلوي، الكاتب والروائي والأستاذ الجامعي، والدكتور محمد زيدوح، عضو مجلس المستشارين ( الغرفة الثانية في البرلمان)،وحاتم البطيوي،الكاتب الصحفي المغربي،فضلا عن محمد بن عيسى،وزير الخارجية والتعاون سابقا، وأمين عام "مؤسسة منتدى أصيلة".

عهد جديد

انطلق الوزير وهبي من بدايات عهد الملك محمد السادس، والسؤال الذي طرحه كثيرون، وقتها، بخصوص الكيفية التي سيدير بها الملك الشاب دفة الحكم في بلاده.

وتطرق وهبي، في هذا السياق، إلى "المفهوم الجديد للسلطة" الذي طرح وقتها، وقال إنه جاء ليعطي إشارة إلى طبيعة العلاقة التي من المفترض أن تجمع بين السلطة والمواطن، بعيدا عن منطق الهيمنة، على أساس الصلح بين الإدارة المواطن.

وتحدث وهبي، في سياق هذه الاستعادة لما ميز بداية عهد الملك محمد السادس، بما اعتبرها خطوة كبيرة، تتعلق ب"الإنصاف والمصالحة"، وما أثارته من نقاش وأسئلة، بخصوص مدى تخيل إمكانية أن يتحمل نظام قائم مسؤولية ملف من هذا النوع. وقال وهبي إنه كانت هناك إرادة للذهاب في هذا الملف إلى النهاية والتصالح مع الماضي وأخطائه.

وبجانب كل هذا، يضيف وهبي، جاءت مجموعة من المشاريع الكبرى، على غرار ميناء طنجة المتوسطي ، والطريق السيار، والتي خلقت نوعا من الزخم الاقتصادي. وهي مشاريع، قال عنها إنها أصبحت اليوم تثبت وجودها ونجاعتها.

وعاد وهبي إلى 2007 وما تلاها، حين طرح، في سياق التوجه الاقتصادي الإصلاحي، سؤال حول تعديل الدستور، بما يفتح الباب أمام تطورات سياسية توازي التطورات الجارية على المستوى الاقتصادي، ويضمن رحابة في العمل السياسي؛ ليبدأ التفكير في الموضوع، ويفتح نقاش، يضيف وهبي، عن حدود الدستور، ثم جاءت أحداث 2011، وجاءت معها تلك "الموجة المحافظة" التي "هزت الأنظمة العربية وغيرت أنظمة بأخرى، وخرجنا منها بمكتسبات مع دستور 2011".

وقال وهبي إن الكل تخوف وقتها كان حول علاقة السياسي بالاقتصادي، مشيرا إلى أنه كلما تحكم الاقتصاد في السياسة كلما كان هناك نوع من العقلانية في العملية السياسية، وكلما تحكم الشارع في السياسة أصبحت هناك انحرافات. ورأى أن "دستور 2011 جاء بما له وبما عليه"، مشددا على أنه "لم تكن هناك مواجهة بين الشارع والنظام، قبل أن نجد أنفسنا أمام خطابين: خطاب يثمن ما جاء به الدستور، وخطاب الخوف والفزع". ورأى أن خطاب الخوف أصبح يتحكم في العملية السياسية.

وانتقل وهبي، في هذا السياق المتحول، للحديث عن النقاش الذي جرى بخصوص العملية السياسية، وما يضمن استمرار المؤسسات، متوقفا عند علاقة تغيير القوانين بالمصالح والمواقع.وشدد على أن هذه العلاقة تجعل من الضروري عدم التوقف في وسط الطريق، خصوصا فيما يتعلق بمواضيع حيوية، من قبيل العدالة، وحقوق الناس، والمرأة. وأضاف: "أومن بأن نصف قدراتنا وإمكاناتنا، في المغرب، جامدة وغير منتجة لأنه ليس لهذا النصف الحقوق والإنصاف، الشيء الذي يتطلب تغيير النصوص التي تنظم العلاقة بين الرجل والمرأة، ووضعية المرأة في العمل".

وخلص وهبي إلى أن الملك محمد السادس "فتح الباب بقوة"، و"أعطانا الفرصة لتقرير مصيرنا". ليتساءل: "فهل نحن في مستوى هذا التحدي؟"، قبل أن يضيف: "وحده المستقبل يمكنه أن يجيب".

تذكروا أين كنا

من جهته ، قال بنعبد الله إن المغرب شهد في ربع قرن من حكم الملك محمد السادس تحولات أساسية. وأضاف: "خلال ربع قرن تحول وجه المغرب". وشدد على أن هذا "لا يعني أننا بلغنا الكمال". وأضاف: "من يقارن المغرب في 1999 ومغرب 2024، لا يمكن إلا أن يؤكد بأن موقع المغرب عالميا، وقاريا، ومتوسطيا وفي علاقة بالاتحاد الأوروبي، صار بارزا، كما صارت للمغرب أدوار على كل هذه المستويات.

جانب من الندوة

وأضاف بنعبد الله أنه "لا يمكن لأحد أن ينكر" الموقع البارز الذي أصبح للمغرب، مشيرا إلى أنه تكفي الإشارة إلى عدد من الملفات، آخرها رئاسته لمجلس حقوق الإنسان، فضلا عن قضية الماء وقضية البيئة واحتضانه لمؤتمر الأمم المتحدة حول المناخ (كوب 22) في 2016.

وشدد بنعبد الله على أن هذا الأمر "يجعلنا نعتز بهذه المكانة التي أصبحت للمغرب". واستدرك قائلا : "عندما تحتل مكانة من هذا النوع تصبح الإكراهات والضغوطات والتحديات المطروحة عليك أكبر. كما يصبح الطموح أقوى. وبالتالي، من الضروري أن نكون في الموعد مع المعايير العامة الدولية المعمول بها على كافة المستويات. ومن هذه المنطلقات، نقول إننا عرفنا ربع قرن من الإصلاحات على كل المستويات، شملت الرجوع بقوة إلى قارتنا الإفريقية، كما استطاع المغرب بقيادة صاحب الجلالة أن تكون لنا هذه القوة اليوم في الساحة الإفريقية، كما كانت هناك خطوة جبارة جريئة تمثلت في الرجوع إلى الاتحاد الإفريقي، ومن خلاله تحول موازين القوى في التعامل مع قضيتنا، وتكريس أكبر لاقتراح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب في 2007، ليحصد المغرب مكتسبات، إما من خلال اعترافات عدد من الدول بمغربية الصحراء أو من خلال اعتبار الحكم الذاتي الحل الوحيد الممكن لهذه القضية".

نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية يتحدث خلال الندوة

وخاطب بنعبد الله الحضور، في سياق استعراضه لما تحقق من تحولات إيجابية خلال ربع قرن من حكم محمد السادس: "تذكروا أين كنا".

وأضاف بنعبد الله أن "المغرب جاء بمقترح الحكم الذاتي في وقت دخل فيه، بقيادة جلالة الملك، في مجموعة من الإصلاحات"، مشيرا، في هذا الصدد، إلى "الإنصاف والمصالحة"، و"المفهوم الجديد للسلطة"، الذي حمل "مصالحة أخرى للمواطن مع السلطة بكامل تجلياتها".

كما تحدث بنعبد الله عن تغيير في أسلوب الحكامة، وإصلاح مدونة الأسرة، فضلا عن التحولات التي همت المنظومة الحقوقية ومنظومة الحريات والمنظومة السياسية، حتى "صار يقال عنا إننا بلد صاعد في المجال الديمقراطي والحقوقي والسياسي"، يضيف بنعبد الله، الشيء الذي "صار معه مقترح الحكم الذاتي يتسم بمصداقية أقوى".

وبالموازاة مع ذلك، يضيف بنعبد الله،"دخلنا عهدا من الإصلاحات الاقتصادية، بداية من البنى التحتية، والاستراتيجيات التنموية، والمجالات القيمية من قبيل المسألة الدينية بمواجهة عناصر التطرف، فضلا عن التصالح مع مكوناتنا المختلفة، بما فيها الأمازيغية، علاوة على إصلاحات على المستوى الثقافي العام".

كما تحدث بنعبد الله عن المسألة الاجتماعية، التي قال إنها صارت من مكونات الخطاب الرسمي المغربي، وهو "أمر لم يكن حاضرا بقوة فيما قبل"، يقول بنعبد الله، الذي تطرق أيضا إلى المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. كما تطرق إلى النموذج التنموي الجديد، وقال إنه جاء بخطاب نقدي، يعدد النقائص، بشكل شكل "منعطفا جديدا بجيل جديد من الإصلاحات".

وبخصوص دستور 2011، قال إنه "نص رفيع المستوى"، لكنه يحتاج إلى الارتقاء به على مستوى الممارسة، بتقوية منظومة حقوق الإنسان، والحريات، وإعطاء دور أساسي وضروري للمكونات السياسية، من خلال أحزاب قوية.

كما تحدث عن الشق الاقتصادي، وقال إن به "ثغرات"، داعيا إلى ضرورة العمل على إسعاد جميع المغاربة، كما عبر عن ذلك الملك محمد السادس في خطبه؛ الشيء الذي يستدعي إعطاء دفعة جديدة لمسلسل الإصلاح، يشدد بنعبد الله.

مغرب المساواة والكرامة

بدورها ، استعرضت الشقروني مكاسب المرأة المغربية على مدى ربع قرن من حكم الملك محمد السادس، وتحدثت عن دلالات ما أنجز، مشيرة إلى تلاحم بين الملك والشعب، يقوم على مجموعة من القيم، بينها التضامن والاستجابة.

السفيرة والوزيرة السابقة نزهة الشقروني تتحدث خلال الندوة

وقالت الشقروني إن الملك محمد السادس هو رئيس الدولة و أمير المؤمنين. واستحضرت، في هذا السياق، حديثه عن قضية المرأة، ورغبته في تغيير الواقع، عبر مجموعة من الخطوات، بينها إحداث وزارة تعنى بقضايا المرأة.

وتحدثت الشقروني عن قانون الأسرة، وكيف أنه جاء في 2004 تتويجا لمسار وتعامل مع القوى الحية في البلاد بمختلف تلويناتها، بشكل أفرز تدخلا له قيمته من خلال لجنة متعددة التخصصات، جاءت بمجموعة من الأمور، تهم الزواج، وعلاقة المرأة والرجل، وتعدد الزوجات، والمصلحة الفضلى للأطفال،وزواج القاصرات، وقانون منح الجنسية بالنسبة لأبناء المغربية المتزوجة من أجنبي.

كما تحدثت الشقروني عن رفع التحفظات ضد كل أشكال التمييز ضد المرأة، وقانون محاربة العنف ضد النساء، والفصل 19 من الدستور، الذي قالت إنه تجاوز المساواة ليتحدث عن المناصفة.

وتحدثت الشقروني أيضا عن القفزة النوعية التي صارت للمرأة المغربية في مختلف المجالات، مشيرة إلى أن ربع قرن من الحكم شهد دفعا بعجلة النمو، مع سعي إلى تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، على أساس من العدل والمساواة، على كل المستويات.

ودعت الشقروني إلى استلهام الدرس من الملك محمد السادس"من أجل بناء مغرب المساواة والكرامة".

الثقافة ليس ترفا

ركز بنسعيد العلوي على طبيعة التعاطي مع الثقافة في المغرب، على مستوى السلطتين التشريعية والتنفيذية، مشددا على تقصير المجتمع السياسي في ما يخص الثقافة، وعدم التعامل معها بنفس المستوى مقارنة بمجالات أخرى.

وانتقد بنسعيد العلوي طريقة تعاطي السلطة التنفيذية مع الثقافة، واضعا مقارنة مع ما يحدث في الدول المتقدمة، ممثلا باليابان وكوريا وألمانيا حيث تناهز نسبة الثقافة من الناتج المحلي الخام 2 بالمائة، بينما تبلغ في المغرب أقل من نصف بالمائة.

وزاد بنسعيد العلوي منتقدا طريقة تعاطي السلطة التنفيذية للثقافة، حيث قال: "هناك شيء أعجب له كمثقف: هذه الثقافة بما تمثله ألا تستحق أن تخصص لها وزارة قائمة الذات بدل أن تصبح قطاعا تتبع لوزارة مسؤولة عن عدد من الأمور".

سعيد بنسعيد العلوي خلال مداخلته ويبدو إلى جانبه محمد بن عيسى

كما تحدث عن وضعية الثقافة في جهات المملكة، ليتساءل: "كم من جهة تتوفر على مسرح؟ هناك جهات لا تتوفر على مسارح ومكتبات وسائطية".

وختم بنسعيد العلوي بالحديث عن القطاع الخاص، الذي قال عنه إنه "شريك في التنمية"، مشددا على أنه "ما زال يعتبر الثقافة ترفا وعملا للتبرع". وأضاف: "ما يؤلمني هو أن الخطاب الملكي حول الثقافة في مستوى عال، كما أن لها في دستورنا مستوى عال. لذلك، نحن في حاجة إلى مراجعة جماعية للذات. وما دمنا لا نعطي للثقافة المكانة التي تستحقها فلن تكون هناك تنمية حقيقة أو استراتيجية حقيقية".

معارك التنمية الاجتماعية

من جهته ، قال الدكتور زيدوح إن البعد الاجتماعي، كان له حضور قوي في مسار التنمية التي تشهدها المملكة. وانطلق زيدوح من خطاب العرش لعام 1999، الذي أكد على مواصلة مسيرة النماء والتطور لجميع فئات الشعب، ولا سيما الفئات المحرومة التي تحظى بعطف ملكي خاص.

جانب من الجمهور وتبدو النائبة الفرنسية المنتمية لحزب فرنسا الأبية فريدة العمراني في أقصى اليمين

وقال الدكتور زيدوح إن هذا "الخطاب المؤسس" أعقبته قرارات وإصلاحات، مركزا حديثه على جولات الملك وتتبعه للمشاريع في مختلف ربوع المملكة.

كما تحدث زيدوح عن "القرار الحكيم" بإحداث مؤسسة محمد الخامس للتضامن، التي تعمل منذ 1999 من أجل تحقيق الكرامة الإنسانية من خلال العديد من المبادرات.

الدكتور محمد زيدوح

كما تطرق إلى صيانة وحماية مكونات الهوية المغربية من خلال الاهتمام باللغة والثقافة الأمازيغية؛ مشيرا إلى إصلاح الحقل الديني وإعادة هيكلته؛ ومحاربة الفقر والتهميش عبر القضاء على دور الصفيح وضمان السكن اللائق والعيش الكريم للفئات الهشة.

وأشار زيدوح إلى الاهتمام الملكي بحماية وصيانة الأسرة المغربية؛ مع تسليطه الضوء على المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي اعتبرها "ثورة اجتماعية بامتياز"، مستعرضا ما حققته على مستوى محاربة الفقر وتكريس التضامن الاجتماعي.

وبخصوص الورش الجهوي المتقدم، قال زيدوح إن الجهوية المتقدمة ليست مجرد تدبير ترابي، بل هي تجديد لبنيات الدولة وتحديثها في سبيل تنمية مندمجة.

وبعد أن اعتبر ورش الحماية الاجتماعية "ثورة اجتماعية"، أنهى زيدوح بالحديث عن تنمية الأقاليم الجنوبية للمملكة، مستحضرا العمل الذي تم ويتم على مستوى البنيات التحية، وتحلية المياه،والطاقات المتجددة، الشيء الذي حول المنطقة إلى منطقة جذب للسياح.

وخلص زيدوح إلى أن الإنجازات التي تحققت في عهد محمد السادس تجسد رؤية إنسانية تقود المغرب على درب التقدم والإدماج الشامل، وتعكس قدرة الدولة ومؤسساتها وقواها الفاعلة على رفع كل التحديات، وأضاف: "لقد كسبنا تحديات كثيرة وربحنا معارك كثيرة، وننتظر كسب معارك أخرى تهم التنمية الاجتماعية ودمقرطة البلاد، وهو أمر ممكن بتلاحم العرش والشعب".

نموذج للقيادة الحداثية

بدوره ركز البطيوي كلمته على الفترة ما بين التاسع مارس 2011، تاريخ الخطاب الذي وجّهه الملك محمد السادس إلى شعبه إبان اندلاع حركة 20 فبراير، في سياق ما اصطلح عليه "الربيع العربي"، والاحتفال باليوبيل الفضي لتولّيه مقاليد الحكم، مشيرا إلى أن مياها كثيرة جرت، خلالها، تحت جسر المشهد السياسي والدبلوماسي المغربي.

وقال البطيوي إن الخطاب الملكي جاء "مفعماً بالدلالات والإشارات، زاخراً بالتجاوبات الملكية مع مطالب الحركة الاحتجاجية ورغبتها في الإصلاح، واضعاً خريطة طريق واضحة المعالم لملكية محمد السادس".

وشدد البطيوي على أن الملك محمد السادس "لم يخاطب شعبه بتعالٍ وتحدٍ مثلما فعل آخرون، بل تجاوب بسرعة فائقة مع مطالبه الإصلاحية، ولم يواجهه بغلظة وفظاظة، بل اتخذ قراراً يقضي بصياغة أول دستور وفق مقاربة تشاركية تروم ترسيخ الملكية البرلمانية والخيار الديموقراطي، وتلى ذلك تنظيم انتخابات تشريعية حملت الإسلاميين للمرّة الأولى إلى رئاسة الحكومة".

وأضاف البطيوي أنه "لئن استغرب كثيرون القرار الجريء لجلالة الملك، وارتابوا من تعيين زعيم حزب "العدالة والتنمية" ذي المرجعية الإسلامية رئيساً للحكومة، الذي عُدّ سابقة في العالم العربي، فإن جلالة الملك بجرأته المعهودة قَبل نتائج صناديق الاقتراع، ولم يتراجع عن المسار الديموقراطي، ولم يعتقل الإسلاميين، ولم يجعل منهم ضحايا يتقوقعون في خيمة المظلومية. لقد حكموا عشر سنوات، مشكّلين تجربة فريدة من نوعها، بعدما جاؤوا إلى الحكومة بواسطة صناديق اقتراع يوم 7 أكتوبر 2011، وغادروها جراء تراجع نتائجهم في اقتراع سبتمبر 2021، وها هم اليوم يتموقعون في صفوف المعارضة البرلمانية، على أمل أن تعود بهم تلك الصناديق يوماً ما إلى صدارة المسؤولية الحكومية".

وأشار البطيوي إلى أن احتجاجات عام 2011 لم تكن التحدّي الوحيد الذي واجهه الملك محمد السادس منذ تولّيه مقاليد الحكم في صيف عام 1999، بل "وجد في سبيله تحدّيات ورهانات داخلية عدة، تتمثل في التنمية واستقطاب الاستثمار وتغيير وجه البلاد في مجال البنى التحتية، وخلق دولة العدالة الاجتماعية".

وقال البطيوي إن ما أنجزه الملك محمد السادس في ربع قرن "فاق كل التوقعات"، حيث "ارتفعت الاستثمارات الخارجية الوافدة من الشرق والغرب، أي من دول الخليج العربية وأوروبا وأميركا والصين وغيرها من الدول، حتى أصبح المغرب رائداً في تصدير السيارات، ومن الدول الواعدة في صناعة الطيران، وهذا على سبيل المثال لا الحصر".

وعلى المستوى الخارجي، يضيف البطيوي، عمل الملك محمد السادس على "تثبيت وحدة تراب المغرب والذود عن مغربية الصحراء في المحافل والمنظمات الدولية، وواجه التحدّيات المتعلقة بنزاع الصحراء من منظور كونه نزاعاً استراتيجياً محضاً، وإن الأمر لا يتعلق بالصحراء في حدّ ذاتها ما دام الأمر مغربياً محسوماً على أرض الواقع".

وقال البطيوي إن الملك محمد السادس استطاع باقتدار أن يجعل المغرب يتموقع استراتيجياً من دون توفره على موارد الطاقة من بترول وغاز باستثناء الفوسفات؛ مشيرا إلى أن "هذا التوجّه الاستراتيجي رفع الستار عن عدد من الأمور التي كان يتمّ التعامل معها وكأنها مجرد شيء عادي".

وتطرق البطيوي إلى الخطاب الذي وجّهه الملك محمد السادس إلى الأمّة المغربية بمناسبة الذكرى الـ 69 لانطلاق ثورة الملك والشعب في عام 1953، والذي أعلن فيه بوضوح أن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، مشدّداً على أنه أيضاً هو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات؛ حيث خلص الملك محمد السادس ،يضيف البطيوي، إلى القول: "ننتظر من بعض الدول، من شركاء المغرب التقليديين والجدد، التي تتبنّى مواقف غير واضحة بخصوص الصحراء، أن توضح مواقفها، وتراجع مضمونها، بشكل لا يقبل التأويل".

وقال البطيوي إن المبادرات التي قام بها الملك محمد السادس "لا تُعدّ ولا تُحصى"، آخرها المبادرة الأطلسية الاستراتيجية التي "أبهرت أفريقيا والمنطقة المتوسطية". وهي مبادرة جرى إطلاقها في مراكش في ديسمبر 2023 خلال اجتماع وزاري شارك فيه ممثلون عن مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد، وتروم تسهيل وصول دول الساحل إلى المحيطالأطلسي؛ وكشفت عن "مدى الصدقية التي يتحلّى بها المغرب في أفريقيا، جراء انخراطه في الكثير من القرارات السياسية والاقتصادية التي اتخذها الملك محمد السادس بينها العمل الكبير غير المرئي الذي قام به المكتب الشريف للفوسفات ، والمتمثل في إجراء دراسة لتربة العديد من الدول الأفريقية من أجل إعداد الأسمدة الملائمة لكل تربة. هذا من دون نسيان أن جلالة الملك فتح باب الهجرة إلى بلده أمام الأفارقة".

وقال البطيوي إن الملك محمد السادس "ببعد نظره وصبره ومثابرته وجرأته، يشكّل نموذجاً للقيادة الحداثية في عالم اليوم، ويجسّد الجيل الجديد من القادة الذين يوجّهون هاماتهم نحو المستقبل".

حزم واقتحام

تحت عنوان: "محمد السادس ربع قرن من ديبلوماسية الحزم وتنويع الشراكات"، اعتبر بن عيسى أن الدبلوماسية المغربية تعيش، منذ تولي الملك محمد السادس عرش المملكة، "نفسا مجددا، ووتيرة متواصلة في حركيتها وأسلوب عملها. كما أن هذا النفس امتد إلى منهجها الجديد الذي حدده لبلوغ الأهداف المرسومة لها".

وشدد بن عيسى على أنه إذا جاز له أن يلخص هذه الرؤى الملكية الثاقبة في نظراتها للقضايا الاستراتيجية، فإنه سيقول بكل أمانة إن الملك محمد السادس قد "صنع لعهده هندسة جديدة للسياسة الخارجية المغربية"، حيث "أرسى بطريقته وأسلوبه مبدأ دبلوماسية الحزم والواقعية، بكل ما يعنيه من حزم ثابت في الدفاع عن مصالح المغرب، وحقوقه وصورته، وفي المقدمة قضية وحدته الترابية، مع تشبث جلالته بنهج الحكمة والواقعية في تدبير كل الملفات المطروحة على المغرب في الواجهة الدبلوماسية".

ورأى بن عيسى أن "معالم الحزم الملكي في الذود عن حمى المغرب، قد برزت في خطب جلالة الملك، وفيما صدر عنه من مراسلات إلى العديد من الجهات الخارجية، قبل أن يتحول هذا الحزم إلى مواقف في الميدان".

وأوضح بن عيسى أن بإمكان المراقب المهتم بالشأن المغربي أن يلمس أن ذلك الحزم في المواقف الصارمة التي اتخذها الملك محمد السادس ، في بعض فترات التوتر والاحتكاك، التي عرفتها علاقات المغرب مع دول وزانة بخصوص قضية الصحراء، كما هو الشأن بالنسبة لألمانيا وإسبانيا وفرنسا، وقبل ذلك مع الولايات المتحدة نفسها.

وتحدث بن عيسى عن "مبدأ مهم في رؤى" الملك محمد السادس للسياسة الخارجية، قال إنه "يمكن وصفه ب"سياسة الاقتحام"، التي بفضلها حقق المغرب انتشارا وتمددا ديبلوماسيا غير مسبوق في الساحة الدولية"، تجلى في "إعادة صياغة قواعد الحضور المغربي على المستوى الإفريقي". وهنا، يضيف بن عيسى، فتح الملك محمد السادس "ورشا ضخما وواسعا، لتعميق صلات المغرب مع ثلثي القارة الإفريقية، من خلال زيارات رسمية متعددة قام بها إلى هذه البلدان، وتجت بتوقيع العديد من اتفاقيات التعاون الثنائي في شتى المجالات التي للمغرب فيها خبرة وتجربة وريادة، على أساس قاعدة الربح والفائدة المشتركة".

وتطرق بن عيسى، في هذا السياق، إلى عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، بعد عقود طويلة من غيابه الاختياري عن هذا التجمع الإفريقي، وهي عودة قال عنها إن المغرب حاصر بها "مناورات خصوم وحدته الترابية داخل هذه الهيئة القارية"، و"أصبح يساهم بفعالية وريادة في توجيه عملها، وتركيز اهتمامها، نحو القضايا الحيوية المتصلة بالتنمية، والأمن والسلام".

وتحدث بن عيسى ايضا عن تعزيز التعاون مع قطبي السياسة الدولية، ممثلين بالصين الشعبية وروسيا الفيدرالية، مع تقوية التعاون مع دولتين وازنتين في آسيا، هما الهند واليابان.

وكان من ثمرات هذا العهد الدبلوماسي الجديد، يضيف بن عيسى، توفير فرض هائلة من مستويات التشاور السياسي، والتبادل التجاري، والتعاون الاقتصادي في أوسع مجالاته مع هذه البلدان ومع غيرها، مما "عزز من حجم ومنسوب الثقة بين المغرب والشركاء الدوليين".

ورأى بن عيسى أن هذا "التمدد الديبلوماسي المغربي" أدى إلى "ارتفاع ملحوظ ومنتظم في حجم الاستثمارات الأجنبية في المغرب، بحكم الجاذبية التي أصبحت تتمتع بها المملكة" في عهد الملك محمد السادس، الذي "بفضل رؤيته بعيدة المدى، اتسعت مجالات الحضور المغربي الاقتصادي والأمني في أفريقيا، وأصبحت له مكانة متميزة ومؤثرة، خصوصا في غرب إفريقيا، ومنطقة الساحل"؛ كما "تقوى موقع المملكة أيضا في المؤسسات الإقليمية والدولية، كالاتحاد الإفريقي، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، الذي حظي المغرب برئاسته بعد تنافس حاد مع جنوب إفريقيا".

وتحدث بن عيسى عن قضية الصحراء المغربية، التي قال عنها إنها عرفت في عهد الملك محمد السادس، "تطورا إيجابيا في الأمم المتحدة، وانضمت دول كثيرة في إفريقيا وآسيا وأوروبا وأميركا الشمالية وأميركا اللاتينية، إلى الاعتراف بحق المغرب في صحرائه، ومؤازرة عرضه المتمثل في منح هذه الأقاليم، حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية".

ولأن المغرب "ظل مؤمنا بانتمائه للأسرة العربية والإسلامية"، فقد عملت الدبلوماسية المغربية، تنفيذا لرؤية الملك محمد السادس وتوجيهاته، على "تقوية علاقات المغرب مع الدول العربية والإسلامية الشقيقة، مع المبادرة إلى التضامن معها في كل الظروف والأحوال".

وارتباطا بالشأن العربي، استحضر بن عيسى "مواقف المغرب الثابتة من القضية الفلسطينية"، حيث بقيت الدبلوماسية المغربية، ملتزمة بالدفاع عنها في كل المحافل الدولية، كما ظلت متشبثة بدعم عروبة القدس وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. وتحدث بن عيسى، في هذا الصدد، عن "العمل الإنساني المتميز وشبه اليومي"، الذي تقوم به "وكالة بيت مال القدس"، انطلاقا من مقرها في الرباط، في عدد من المجالات.

وعلى مستوى آخر من مستويات تجدد حضوره الخارجي، يضيف بن عيسى، فتح المغرب سفارات وقنصليات جديدة في مختلف أنحاء العالم، وخاصة في إفريقيا وأميركا اللاتينية ودول آسيا الإسلامية.

كما أشار بن عيسى، وهو يعدد أوجه الإشعاع المغربي الخارجي المتزايد، إلى ما أولاه الملك محمد السادس من "كبير العناية" بالمغاربة المقيمين في المهجر، منذ توليه عرش المملكة، حيث عملت الديبلوماسية المغربية على تقريب المؤسسات القنصلية، من هذه الفئة العزيزة من المغاربة المقيمين خارج أرض الوطن".

واستحضر بن عيسى، في ختام كلمته، جوهر الخلاصات والتوصيفات التي تردد صداها في كتابات المحللين السياسيين بكبريات الصحف العالمية، وفي مراكز الأبحاث والدراسات، وهي أن المغرب قد تمكن - بفضل رؤية الملك محمد السادس وقيادته ومبادراته الدبلوماسية الدؤوبة، والتي "جزء كبير منها يتم في الظل" - من "أن يفتح بوابات جديدة على العالم، ويجعل من الجاذبية لصورة المغرب حافزا قويا لدى ملايين السياح الذين يتزايد توافدهم على المملكة كل سنة حيث يلمسون أجواء الأمن والسكينة، والاستقرار والنماء، ويقفون على مختلف مظاهر الحداثة والأصالة والتجديد. مملكة تصنع تطورها العمراني، ونهضتها الاقتصادية والمجتمعية، وتشيد مشاريع عملاقة في قطاعات الطرق والموانئ والمطارات والسكك الحديدية والقطارات فائقة السرعة، وصناعة السيارات وقطع غيار الطائرات، والطاقات المتجددة، وصناعة الأدوية، والمنشآت العمرانية، والمنتجعات السياحية المبهرة".

وخلص بن عيسى إلى أن العمل،الذي تم في عهد محمد السادس ، ساعد الديبلوماسية المغربية على "تسويق صورة حية وصادقة ، لمغرب يخطو بأمان وعزيمة وتفاؤل نحو المستقبل، مغرب حباه الله بملك ارتقى بأوضاع بلده وشعبه، ولم يترك مجالا إلا وغرس فيه نبتة التجديد والتحديث والإنماء".