كانت الساعة السابعة والنصف صباحاً أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، عندما تلقى خالد الإفرنجي، مكالمة هاتفية طالما كان يخشاها، حول إسطبلات الخيل التي يملكها.
كان قد مر للتو عبر نقطة تفتيش عسكرية إسرائيلية في الطريق من منزله في القدس الشرقية المحتلة إلى عمله في الضفة الغربية المحتلة، عندما اتصل به أحد موظفيه ليقول له إن الجيش الإسرائيلي "يهدم الإسطبلات".
أمضى خالد السنوات السبع الماضية في بناء نادي فلسطين للفروسية - حيث استثمر كل أمواله وكل وقته وقضى كل ساعة في المشروع.
شُيّد النادي على أرض في الضفة الغربية تقع ضمن الأراضي الفلسطينية، ولكن في منطقة خاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة.
- حقائق لفهم الخلاف حول المستوطنات الإسرئيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة
- الحكومة الإسرائيلية تتجه للمصادقة على بناء آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة في الضفة الغربية
- بي بي سي تحصل على شهادات فلسطينيين ربطهما جنود إسرائيليون على مقدمة سيارة الجيش
عندما وصل خالد، كان المشهد كله دماراً، كان هناك أربعة حفارات تابعة للجيش الإسرائيلي تهدم كل شيء.
يقول خالد إن أول ما أثار قلقه هو أن الخيول كانت لا تزال داخل الإسطبلات. ويُظهر مقطع فيديو شاركه معنا حفاراً يضرب المبنى بينما يمكن رؤية الخيول في الداخل.
عند إطلاق سراح الخيول في النهاية، ركضت خائفة عبر التل. يقول خالد إن أحدها صدمته سيارة.
سأل خالد الجنود، "لماذا تدمرون منزلي؟"، لكنهم تجاهلوه. أخبرهم أنه يجب عليهم شكره على العمل الذي يقوم به مع الأطفال الفلسطينيين، إنني "أخفف من غضبهم، لا توجد أسلحة هنا، إنه مجرد مكان للرياضة".
وأكّد الجيش الإسرائيلي لبي بي سي أن الهدم حدث في 30 يناير/كانون الأول، لكنه ينفي ادعاء خالد بأن الخيول كانت لا تزال في الداخل عندما حدث ذلك، على الرغم من أدلة الفيديو.
وقالوا إن قوات الأمن الإسرائيلية ومسؤولي الإدارة المدنية "أزالوا كلّ المعدات من المجمع وأخرجوا حوالي 20 حصاناً".
وقالوا أيضاً إن هذه المباني بنيت بشكل غير قانوني.
لكن العديد من الفلسطينيين، مثل خالد، يقولون إن الحصول على تصاريح بناء في هذا الجزء من الضفة الغربية أمر مستحيل.
خالد، يمارس رياضة ركوب الخيل منذ 30 عاماً تقريباً، وكان عضوا في فريق فلسطين للفروسية، وشارك في المنافسات المحلية والدولية.
ويقول: "يمكن إيجاد نوع من التواصل مع الخيل، غالباً ما يكون أعمق من الاتصال مع البشر".
في وقت هدمه، كان نادي الفروسية قد بدأ الوصول إلى نقطة كان خالد سعيداً بها. لقد أسس مع وفريقه بانشاء نظاماً للريّ، وكان للعديد من الخيول الثلاثين إسطبلات خاصة بهم.
كما أقاموا ساحتين ومقهى ومراحيض، وكان المركز يعمل بالطاقة الشمسية وبدأ في تحقيق الربح.
وتمارس إحدى المتدربات الأصغر سناً وتدعى شمس، ركوب الخيل منذ أن كانت في السادسة من عمرها وتتدرب مع خالد منذ تسعة أشهر.
وتقول: "هذا المكان هو موطني، عندما أركب الحصان أشعر بالحرية، في اللحظة التي أركب فيها الخيل، يختفي كل التوتر الذي أشعر به".
عندما علمت شمس من والدها بهدم المركز، شعرت بالخوف على الحصان الذي تركبه.
وأكدت، "كنت خائفة عليه، تربطنا علاقة قوية، إنه عالمي كله".
وبُنيت الإسطبلات على تلة مهجورة على بعد بضعة كيلومترات جنوب رام الله، العاصمة الإدارية الفلسطينية للضفة الغربية. وتقع الإسطبلات في مكان معزول، وليست قريبة من أي شيء، مما يعطي إحساسا بأنها أرض لا يملكها أحد.
كجزء من اتفاقيات أوسلو للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين في التسعينيات، تم تقسيم أراضي الضفة الغربية المحتلة إلى ثلاث فئات، منطقة "أ" تحت السيطرة الفلسطينية الكاملة، والمنطقة "ب" تحت السيطرة الفلسطينية الجزئية والمنطقة "ج" تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة.
ويقع نادي خالد للفروسية في حدود المنطقة "ج"، التي تشكل 60 بالمئة من الضفة الغربية.
وكان من المفترض أن تكون هذه الاتفاقية مؤقتة، ولكن بعد ما يقرب من 30 عاماً يبدو أنها عززت الوجود الإسرائيلي.
يواصل الجيش الإسرائيلي العمل في جميع مناطق الضفة الغربية وتوسعت المستوطنات في جميع أنحاء المنطقة، وهو ما يعتبره معظم المجتمع الدولي عقبة أمام السلام وانتهاكا للقانون الدولي.
في يوليو/تموز، كشفت منظمة السلام الآن المناهضة للاستيطان أن إسرائيل وافقت على خطط لبناء 5295 وحدة سكنية جديدة في 12 مستوطنة بالضفة الغربية، بالإضافة إلى الاستيلاء على 5 أميال مربعة من أراضي الضفة الغربية، مما يجعلها واحدة من أكبر عمليات الاستيلاء على الأراضي في 30 عاماً.
وقالت محكمة العدل الدولية إنه يجب على إسرائيل وقف النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية وإنهاء احتلالها "غير القانوني" لتلك المناطق وقطاع غزة في أقرب وقت ممكن.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن المحكمة اتخذت "قراراً خاطئاً".
يقول خالد إن المنطقة "ج" هي المكان الوحيد الذي تتوفر فيه مساحة كافية لبناء شيء مثل ناديه، بعيدا عن المناطق المبنية في المدن.
وعلى الرغم من استئجار الأرض من وزارة الشؤون الدينية الفلسطينية، إلا أنه لم يتمكن من الحصول على تصريح للبناء لأن إسرائيل تسيطر على المنطقة ولا تمنح تصاريح النباء.
وفي تصريح لبي بي سي، وصف ممثل منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية المحتلة، هدم المركز بأنه "عملية إنفاذ للقانون، في مكان يُحظر البناء فيه"، وأن مباني خالد كانت في منطقة "مخصصة كموقع أثري".
ويقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إنه "من المستحيل تقريبا" على الفلسطينيين الحصول على تصاريح بناء، حيث تقول منظمة السلام الآن إنه بين عامي 2009 و2018 سُمح لنسبة 2 في المئة فقط من جميع الطلبات المقدمة بالبناء في المنطقة "ج".
ويعني هذا أنه من المعتاد بناء الفلسطينيين مساكن بدون تصريح من إسرائيل، والعديد من هذه المباني غير المصرح بها معرضة لخطر الهدم الإسرائيلي.
وفي عام 2023، سجلت منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية "بتسيلم"، 554 عملية هدم لمنازل ومنشآت فلسطينية في الضفة الغربية.
وقال شاي بارنز، المتحدث باسم المجموعة: "إن سياسة التخطيط والبناء الإسرائيلية في الضفة الغربية تهدف إلى منع التنمية الفلسطينية وحرمان الفلسطينيين من أراضيهم".
ولم ترد السلطة الإسرائيلية المختصة على هذا الادعاء.
وبعد أيام قليلة من الهدم، أقام أصدقاء خالد في النادي حفلة عيد ميلاد له بين الأنقاض بينما بدأوا في إزالة آثار الهدم. وهناك قرروا إعادة البناء. وسرعان ما دشنوا حملة تبرعات جماعية لجمع الأموال لبناء هياكل مؤقتة جديدة.
وقال خالد عن هذا الموقف، "بدأوا يقولون لي، نريد بناء نادي أفضل، لقد هدموا هذا المكان حتى نتمكن من بناء نادي جديد أكثر جمالا".
يتضمن جزء من برنامج خالد الصيفي المزدحم، إدارة أنشطة للأطفال من الأسر ذات الدخل المنخفض، وكذلك الأطفال الذين يعانون من صعوبات التعلم.
خالد عازم على أن تستمر هذه الأنشطة باستخدام الهياكل والساحات البدائية التي بدأوا في إعادة بنائها.
ولكن بالإضافة إلى ذلك، كان عليه التفكير في حلول جديدة في حالة قيام السلطات الإسرائيلية بهدم المكان مرة أخرى.
واضطرت ريم، التي تدير مقهى النادي، إلى حلول غير معتادة لاستمرار عملها.
فبعد هدم المقهى مع النادي، توصلت إلى خطة لإنشاء مقهى متنقل.
وتقول ريم، التي تبلغ من العمر 30 عاماً: "إنه شيء متحرك يمكن نقله من مكان إلى آخر، مما يقلل من خسائرنا في حالة قيامهم بهدم المكان مرة أخرى".
وبعد عودة حصانها بأمان إلى الإسطبلات، لم تتراجع شمس عن ممارسة رياضتها، ولديها طموحات كبيرة.
تقول: "أريد أن أتنافس في الألعاب الأولمبية من أجل فلسطين".
فيما يواصل خالد تدريب الأطفال الفلسطينيين وهو عازم على البقاء على هذه القطعة من الأرض مهما حدث.
ويقول: "لم يتبق لي شيء لأخسره. إذا دمروها اليوم، فسأبنيها مرة أخرى غداً. وإذا دمروها غداً، فسأبنيها مرة أخرى في اليوم التالي. هذه هي حياتي، ويجب أن أستمر".
التعليقات