يستطيع الأميركيون اختيار رئيس البلاد ذات النفوذ الأقوى عالميا برسالة بريدية، وهي الممارسة التي يتزايد الاعتماد عليها في الولايات المتحدة، بالرغم من التشكيك بنزاهة الخطوة من قبل الرئيس السابق والمرشح الحالي دونالد ترامب.
وقبل أكثر من شهر على موعد الاقتراع في الانتخابات، بدأ الناخبون الأميركيون بـ"تصويت مبكر" في الاقتراع الرئاسي المقرر في 5 نوفمبر/تشرين الثاني.
ففي 20 سبتمبر أيلول، بدأ التصويت المبكر في ولايات عدة من ضمن 47 ولاية تقدم فرص تصويت شخصية مبكرة، وفق المؤتمر الوطني للهيئات التشريعية للولايات.
ويشمل التصويت المبكر، الاقتراع الشخصي المبكر أو من خلال بطاقات الاقتراع عبر البريد.
ويمكن لكل ولاية أميركية تكييف طريقة إدلاء سكانها بأصواتهم، فبعضهم يقترعون عبر آلات التصويت، وجزء يتوجه إلى مراكز الاقتراع. بعضهم يصوت حضوريا وآخرون عن بعد، قبل أسابيع من موعد الاقتراع.
ما هو التصويت بالبريد؟
يمكن للأميركيين الاقتراع في الانتخابات من خلال بطاقات اقتراع ترسل عبر البريد، وهي وسيلة متاحة في جميع الولايات.
وتختلف كيفية طلب واستلام وإعادة بطاقات الاقتراع المرسلة بالبريد اختلافًا كبيرًا في جميع أنحاء البلاد، وفق لجنة الولايات المتحدة للمساعدة الانتخابية.
أنواع التصويت بالبريد
- التصويت الغيابي بدون عذر: هنا يمكن طلب بطاقة اقتراع عبر البريد لأي سبب من الأسباب.
- التصويت الغيابي بعذر: وهنا لا يجوز التصويت بالبريد إلا للناخبين الذين لديهم عذر مقبول يمنعهم من التصويت الشخصي.
- مزيج من التصويت عبر البريد والتصويت الشخصي المبكر: يملأ الناخب بطاقة اقتراع عبر البريد شخصيًا في مكتب الانتخابات، وفق أسوشيتد برس.
وتشير وكالة أسوشيتد برس إلى عدم وجود فرق حقيقي بين طريقتي التصويت الغيابي والبريدي، فكلاهما يحتوي على ممارسة ملء بطاقات الاقتراع التي ترسل إلى الناخبين عبر البريد وإعادتها إما بهذه الطريقة أو في صناديق الإسقاط أو في أماكن أخرى مخصصة.
وتطلب بعض الولايات من الناخبين تقديم سبب لطلب بطاقة اقتراع بالبريد أو توقيع شاهد أو وثائق أخرى قبل إصدار بطاقة اقتراع، ثم يعالج مكتب الانتخابات الطلب ويرسل بطاقة الاقتراع بالبريد إلى الناخب.
وتسمح ولايات للناخبين بتتبع حالة أوراق الاقتراع الخاصة بهم عبر الإنترنت.
وتسمح 31 ولاية لشخص آخر غير الناخب بإعادة ورقة الاقتراع بعد تعبئتها نيابة عن ناخب آخر، وتحدد العديد من الولايات المتعاملين مع تلك البطاقات بأحد أفراد الأسرة، وينتقد الجمهوريون ذلك.
وتقدم 28 ولاية تصويتًا غيابيًا بدون عذر، وترسل ثماني ولايات وواشنطن العاصمة تلقائيًا بطاقات الاقتراع إلى جميع الناخبين المسجلين، وفق المؤتمر الوطني للهيئات التشريعية للولايات.
إجمالاً، تقدم 47 ولاية فرص تصويت شخصية مبكرة، ولا توفر ولايات ألاباما وميسيسيبي ونيو هامبشاير التصويت الشخصي المبكر ولا التصويت الغيابي بدون عذر.
وتحتسب كل الأصوات في السباق الرئاسي الأميركي، وتفرزها بعض الولايات فور دخولها، والبعض الآخر مثل ميشيغان وبنسلفانيا تمنع فرز بطاقات الاقتراع عبر البريد قبل يوم الانتخابات.
تاريخ التصويت بالبريد
قال بول جرونكه أستاذ العلوم السياسية في كلية ريد في الولايات المتحدة، في حديث مع بي بي سي، إن التصويت بالبريد استخدم لأكثر من قرن في البلاد، واستعمل للمرة الأولى مع الجنود خلال الحرب الأهلية الأميركية.
"في الحرب الأهلية جربت الولايات المتحدة لأول مرة التصويت الغيابي على نطاق واسع خلال الانتخابات الرئاسية 1864 التي هزم فيها أبراهام لينكولن المرشح جورج ماكليلان، وصوت الجنود في المعسكرات والمستشفيات الميدانية، تحت إشراف كتبة أو مسؤولي الدولة"، بحسب مجلة تايم.
وبحسب المؤتمر الوطني للهيئات التشريعية للولايات، فإن القوانين التي سنها الكونغرس خلال الحرب العالمية الثانية لدعم التصويت للجنود في الخارج لا تزال سارية حتى الآن.
وحتى أواخر السبعينيات، كان التصويت البريدي يتطلب عذرا، ويستخدمه في المقام الأول العسكريون، والأميركيون في الخارج، والطلاب الموجدون بعيدا عن منازلهم، بحسب جرونكه الذي يدير مركز معلومات التصويت المبكر في الكلية.
وقال جرونكه إن ولايات عمدت لتغيير قوانينها للسماح بالتصويت بالبريد بدون عذر مطلوب في أواخر السبعينيات، مما أطلق العصر الحديث للتصويت عبر البريد.
في 1974 أصبحت واشنطن أول ولاية في البلاد تسمح لأي ناخب بطلب بطاقة اقتراع عبر البريد لأي سبب من الأسباب، وفق المؤتمر.
في الثمانينيات، سمحت كاليفورنيا للناخبين بطلب الاقتراع الغيابي لمجرد أنهم يفضلون التصويت بهذه الطريقة.
وفي عام 2000، أصبحت ولاية أوريغون أول ولاية تجري تصويتًا كاملاً عن طريق البريد، بحسب جرونكه.
وتتغير نسبة الاعتماد على التصويت البريدي تاريخيا، ففي انتخابات عام 1972، ذهب قرابة 95٪ من الناخبين إلى مراكز الاقتراع واقترعوا شخصيا، وفق أسوشيتد برس.
وتوجه قرابة 90% من المقترعين في انتخابات 1996 إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم.
وارتفعت نسبة الأشخاص الذين يصوتون قبل يوم الانتخابات إلى قرابة 70٪ في انتخابات 2020 التي تجاوز فيها عدد الأصوات البريدية تلك المدلى بها في يوم الانتخابات، ولأول مرة على الإطلاق.
وأدت تلك الزيادة في الانتخابات الأخيرة إلى تباطؤ عمليات العد والتحقق، لتستغرق معظم وسائل الإعلام الأميركية أكثر من أسبوع لإعلان فوز جو بايدن بالرئاسة.
تشكيك ثم تراجع
لطالما انتقد ترامب كل أشكال التصويت المغايرة لتلك المقررة يوم الانتخاب، وحمّل مرارا المسؤولية في هزيمته الانتخابية أمام بايدن في 2020 للاقتراع البريدي.
وقبل انتخابات 2020 ذهب إلى حد منع التمويل لخدمة البريد للحد من قدرتها على معالجة بطاقات الاقتراع البريدية التي ادعى "دون دليل" أنها عرضة للتلاعب، وفق أسوشيتد برس.
وتحدث عن تضمنه "احتيالا كبيرا وعمليات تزوير مكثفة"، وألمح رجل الأعمال السبعيني مرارا بدون أدلة إلى أن الديمقراطيين استخدموا التصويت بالبريد لحشو الصناديق خلال الانتخابات الماضية التي لم يعترف حتى الآن بنتيجتها.
وقال ترامب في 2022 "نحن مضحكة للعالم في ما يتعلق بالانتخابات".
على سبيل المثال لم يجد تحقيق أجرته جورجيا في مزاعم بطاقات الاقتراع المزورة أي دليل يدعم هذه الادعاءات.
وقال جرونكه إن النظام البريدي عادل للغاية ويوفر الوصول لأي شخص يواجه صعوبة في الوصول لصناديق الاقتراع في يوم الانتخابات، مؤكدا أنه يتمتع بالشفافية مثل التصويت الحضوري.
وبرغم انتقاداته المتكررة، أدلى ترامب نفسه بصوته في فلوريدا بالبريد خلال الانتخابات التمهيدية الجمهورية في 2020.
وتخلى ترامب عن حملته ضد وسيلة الاقتراع، مدركا أن معارضتها قد تكلفه ثمنا باهظا في سعيه للعودة إلى البيت الأبيض، وأعلن إطلاق مبادرة لتشجيع التصويت عبر البريد، بدون أن يأتي على ذكر تصريحاته الماضية.
وقال راي بريشيا من معهد "ألباني لوو سكول" للقانون لفرانس برس إن التغيير الأخير في موقف ترامب "ناجم على الأرجح عن إدراك أن الثني عن وسائل التصويت هذه كلفه على الأرجح أصواتا" في الانتخابات الماضية.
وقال ترامب في بيان "يجب أن يفوز الجمهوريون وسنستخدم كل الأدوات المناسبة لهزيمة الديمقراطيين لأنهم يدمرون بلادنا"، متعهدا بـ"حماية الوصول إلى صناديق الاقتراع".
في انتخابات 2020 التي نظمت وسط انتشار فيروس كورونا فضل الناخبون التصويت بالبريد، ولقيت الوسيلة تأييدا كبيرا بين الديمقراطيين بحسب معهد "بيو" للأبحاث، لكن 32% من الجمهوريين اختاروها أيضا.
وقال جرونكه في حديثه مع بي بي سي: "تاريخيًا، اتجه الناخبون الذين أدلوا بأصواتهم عبر البريد إلى الجمهوريين لأن هؤلاء الناخبين يميلون لأن يكونوا أكبر سنًا وأفضل تعليمًا ودخلًا أعلى، وهذا النوع يتجه نحو الجمهوري".
ورأى جرونكه أن أحداث التصويت عبر البريد في 2020، منحت ترامب "ذريعة ما لزرع عدم الثقة ونشر المعلومات المضللة كجزء من استراتيجية لتقويض الثقة في الديمقراطية".
التعليقات