إيلاف من أنقرة: في لقاء غير تقليدي مع شباب مدينة غازي عنتاب، اختار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أسلوب التفاخر حين وصف نفسه ونظيره الروسي فلاديمير بوتين بأنهما "الزعيمان الأكثر خبرة في العالم".

منوهاً بسنواتهما الطويلة في الحكم، قال أردوغان في اللقاء الذي نقلت قناة "TRT" التركية مقتطفات منه إنه "في ما يتعلق بالزعماء في العالم، لم يتبق سوى أنا والسيد بوتين المحترم، لي 22 عاما (في الحياة السياسية)، وللسيد بوتين نفس العدد من السنوات".

تصريحات أردوغان التي ينصب فيها نفسه وبوتين في قمة هرم الخبرة السياسية تأتي في وقت يشهد العالم تحولات جيوسياسية متسارعة، بينما يرى مراقبون أن مثل هذه العبارات قد تحمل رسالة مبطنة حول تمسكهما بالسلطة، في عالم تسقط فيه الزعامات التي اعتقد البعض أنها متجذرة ولن تزول.

وعد بالتغيير... ولكن
أردوغان أضاف جرعة من الإثارة على حديثه حين أشار إلى أن "الشهرين أو الثلاثة أشهر القادمة ستكون مهمة للغاية لتركيا والعالم"، لكنه ترك التصريح في نطاق الغموض، دون الإفصاح عن طبيعة "الخطوات اللازمة" التي تحدث عنها.

ترامب في الحسبة
وفي سياق حديثه، عبر أردوغان عن تطلعه لتغيير السلطة في الولايات المتحدة تحت قيادة الرئيس المنتخب دونالد ترامب، لأن العالم يتغير والشهران أو الثلاثة أشهر الآتية بالغة الأهمية، حسب تعبيره.

غازي عنتاب على خط النار
زيارة أردوغان لمدينة غازي عنتاب الحدودية تأتي في ظل أحداث دراماتيكية على الساحة السورية. ففي يوم زيارته، تمكنت قوات المعارضة السورية من السيطرة على العاصمة دمشق بعد معارك طاحنة، مما ضاعف الضغط على تركيا، التي تقف على خط النار مباشرة.

غازي عنتاب، التي أصبحت نقطة تجمع للنازحين وللاجئين السوريين، تعكس بوضوح عمق التحديات التي تواجهها تركيا في ظل تصاعد العنف على حدودها الجنوبية.

وتمتلك تركيا الكثير من خيوط اللعبة في سوريا في ظل تفاهمها مع روسيا من جانب، ومع الولايات المتحدة من جانب آخر، فضلاً عن سيطرتها وتوجيهها للجماعات المعارضة التي أطاحت ببشار الأسد.

مكاسب تركيا في سوريا.. "بلا حدود"
وفقاً لتحليل الصحافة العالمية، وعلى رأسها "بوليتيكو" و "جيروزاليم بوست" فإن الفائز الأول الواضح في سوريا هو تركيا، الذي أصبح الآن مسيطراً في المنطقة على إيران وروسيا.

ومن وجهة نظر أردوغان فإن تركيا الآن في الوضع الذي ينبغي لها أن تتمتع به: القوة الإسلامية العظمى في الشرق الأوسط، التي تحقق رؤيته الإمبريالية العثمانية الجديدة المتمثلة في استعادة تركيا لزعامة العالم الإسلامي التي خسرتها على مدى مئات السنين.

والسؤال هو: هل سيظل جهاديو هيئة تحرير الشام موالين لأردوغان مع مرور الوقت؟ وقد تنهار تحالفات المتمردين السوريين.

هيئة تحرير الشام هي جماعة سلفية، فرع من تنظيم القاعدة. وكانت المجموعة الأساسية التي دعمها أردوغان هي الجيش الوطني السوري، وهو جماعة متمردة قد تكون أكثر اعتدالاً وأضعف من هيئة تحرير الشام.

هل سيلتهم أقوى جهاديي هيئة تحرير الشام حليفهم المؤقت الجيش الوطني السوري؟ وستعمل تركيا مع أي شخص يسمح لها بالاستيلاء على شمال سوريا، وتطهير تلك المنطقة أخلاقيا من الأكراد السوريين، وإعادة ثلاثة ملايين لاجئ سوري إلى سوريا ممن لجأوا إلى تركيا خلال الحرب الأهلية.

الأكراد السوريون، الذين ساعدوا الولايات المتحدة على هزيمة داعش ويسجنون عشرات الآلاف من المتعاطفين مع داعش، هم الآن في حالة هجوم من أراضيهم في شمال غرب سوريا جنوبا، ويستولون على مدينة دير الزور السنية الحاسمة.

قامت تركيا بتطهير عرقي للأكراد قبل بضع سنوات في شمال شرق سوريا، ومن المرجح أن تحول انتباهها إلى الأكراد في الشمال الغربي، الذين تعتبرهم أعداء لدودين، وجزء من جماعة حزب العمال الكردستاني المسلحة. وتعتبر الولايات المتحدة قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد حلفاء ضد تنظيم داعش. إن الحرب الكردية التركية هي الحذاء التالي الذي سيتطلب من إدارة ترامب التدخل.

وماذا عن أبناء عمومة هيئة تحرير الشام الجهاديين الأيديولوجيين، داعش (داعش)؟ فهل هذه فرصة لهم للظهور وإحداث الفوضى في سوريا والعراق والشرق الأوسط مرة أخرى كما فعلوا قبل عقد من الزمن؟