محمد عيادي
كان بإمكان الرئيس المصري حسني مبارك أن يشق صف الشباب المصريين والمحتجين المطالبين برحيله، ويكسب أنصارا لفكرة بقائه لغاية إكمال ولايته الحالية بعدما ألقى خطابه مساء الثلاثاء الماضي، وأعلن أنه كان لا laquo;ينتويraquo; الترشح مرة أخرى، وضرب على الوتر الحساس عند المصريين بتذكيرهم بدوره في معركة أكتوبر، وأنه مصري ويريد أن يموت على أرض مصر، وبالفعل بدأ بعض المحتجين بالانصراف من ميدان التحرير بعدما تعاطفوا معه، بل إن هناك من المصريين والمصريات من غير المحسوبين على الحزب الوطني من تأثر حسب شهادات عديدة لدرجة البكاء، وقالوا لا بأس لم تبق إلا أشهر ويغادر.
كان بإمكان الرئيس أن يستمر لغاية الانتخابات الرئاسية القادمة بدعم غربي على أساس أن المدة المتبقية في الولاية الرئاسية الحالية ستكون فترة انتقالية وما إلى ذلك من الكلام.
كان بإمكانه كذلك أن يجهض انتفاضة المصريين وينجح في إحداث شرخ وانقسام داخل المحتجين بخطابه المذكور، لكن ذلك لم ينجح، ليس فقط لأن المحتجين من الشباب الواعي المنحدر من كل أطياف المجتمع المصري الثقافية والسياسية والاجتماعية والفئات العمرية، وليس لأن هناك مؤامرة أجنبية ضد البلد كما تقول الحكومة المصرية، وليس لأن هناك خلافا داخل مؤسسة الجيش في طريقة التعامل مع الاحتجاجات الشعبية، وخلافا داخل النخبة إذا صح التعبير، وداخل مجتمع الفنانين والرياضيين والمثقفين وغيرهم بين من يؤيد استمرار مبارك لبضع أشهر بقيت، وبين من يطالب برحيله.
لقد فشل الرئيس المصري في خطته لأن حزبه والمقربين منه من رجال المال والسلطة لم يتريثوا وينتظروا ردة فعل المحتجين على الخطاب، واختاروا بعد ساعات قليلة من الخطاب طريق العنف لفض تلك الاحتجاجات وإخلاء ميدان التحرير وسط القاهرة، واحتقروا ذكاء المحتجين في عدد من المحافظات المصرية، فجندوا من يسميهم المصريون بـ laquo;البلطجيةraquo; وأمدوهم بالمال للهجوم على المحتجين، وثبت من خلال تصريحات بثت على قنوات فضائية متعددة تورط عناصر أمنية في ذلك الهجوم الذي استهدف المتظاهرين بميدان التحرير.
ولم يكن أحد يتصور بما فيهم الأكثر تشاؤما وحقدا على النظام المصري، أن تدخل على المحتجين قافلة مهاجمين على الجمال والخيول والبغال حاملين سيوفا وعصيا وقطعا حديدية وأحجارا، ويعتدوا على شباب ونساء وشيوخ وأطفال عزل، ويرموهم بزجاجات المولوتوف.
كثيرون لم يصدقوا ذلك المشهد، واعتقدوه مقطعا من فيلم تاريخي عن القرون الوسطى أو عن معركة داحس والغبراء، لكن الصدمة كانت كبيرة لأن المشهد حقيقي وفي ميدان التحرير وفي القرن الحادي والعشرين، وهو المشهد المؤلم الذي اتهم متحدثون باسم كل الأطياف السياسية والشبابية والفكرية الحزب الوطني الحاكم بالوقوف وراء إخراجه، الأمر الذي جعل من بكى تأثرا بخطاب الرئيس مبارك -كما قيل- والشباب الذي غادر ميدان التحرير يعودون إليه وهم أكثر إصرارا من قبل وقد فقدوا الثقة بذلك الخطاب وما ورد فيه من وعود، بل جعل أناسا مترددين يخرجون للتضامن مع المحتجين غضبا مما لحقهم من أذى من البلطجية، وهو ما اتضح بجلاء في الحجم الكبير لمظاهرات مليونية أمس سواء في القاهرة (أكثر من مليونين) التي وصفها كثيرون أمس بأنها تحولت إلى محج مهيب، أو الإسكندرية أو غيرها حيث شاهد العالم مظهرا حضاريا رائعا مؤثرا، شبابا مسيحيين أقباطا يحرسون المسلمين وهم يصلون.
كما أن ذلك المشهد المؤلم (الهجوم على المحتجين بالخيول والجمال و..) بالإضافة إلى ما ورد في خطاب نائب الرئيس عمر سليمان أحرج الغرب أمام الشعب المصري، فدفعه لتغيير نبرة خطابه مع النظام المصري في اتجاه التشدد، وجعل واشنطن على سبيل المثال في شخص نائب الرئيس أوباما جو بايدن يحمل الحكومة المصرية مسؤولية المس بأمن المحتجين، بعدما طالبتها وزيرة الخارجية هيلاري بتحمل مسؤولية أمن الصحافيين الأجانب والإفراج عن المعتقلين منهم، فيما تحدثت صحيفة laquo;نيويورك تايمزraquo; عن مناقشة إدارة أوباما مع مسؤولين مصريين اقتراحا يقضي باستقالة الرئيس حسني مبارك على الفور، وتسليمه السلطة لحكومة مؤقتة برئاسة عمر سليمان، وهذا ما يفسر عدم الهجوم على المتظاهرين في ميدان التحرير أمس.
باختصار لقد خسر الرئيس المصري رهانه من حيث كان يعتقد أنه سيربحه، ذلك أنه بغض النظر عما ستؤول إليه الأمور في مصر -هل سيتم تفويض كامل صلاحياته لنائبه المعين مؤخرا، ويبقى رئيسا رمزيا لغاية نهاية ولايته أو غيره من الخيارات التي سيرضاها المصريون ويقبلوا بها- فإن ما هو مؤكد أن الشعب المصري لن ينسى ذلك المشهد الذي يهاجم فيه أبناء من وطنهم مدفوعين بالجهل أو الفقر -أو أيا كان الدافع- إخوانهم ويسفر عن مقتل 10 بميدان التحرير وإصابة 1500 على الأقل فيها إصابات بليغة بميدان التحرير، ولن ينسى تلك السيارة التابعة للشرطة وهي تدهس في العباد وكأنهم لا شيء.
التعليقات