توجه إلى مسقط رأسه بعد غياب 27 عاماً
جعجع عاد إلى بيروت في عيد ميلاده

صورة من بعيد للفيلا التي
سيسكن فيها جعجع في الارز

إيلي الحاج من بيروت : وصل قائد "تيار القوات اللبنانية" سمير جعجع بسرية مطلقة منذ قليل إلى مطار رفيق الحريري في بيروت آتياً من باريسعبر روما حيث قابل البطريرك الماروني نصرالله صفير الموجود في الفاتيكان وبحث معه في "عقدة" رئاسة الجمهورية، بعدما تأكد أن الرئيس إميل لحود متشبث بالبقاء في القصر الرئاسي في بعبدا ، وإن أصبح شبه معزول فيه دولياً وداخليا. وتوجه جعجع فورا من المطار في مواكب مموهة برفقة النائب القواتي جورج عدوان إلى مسقط رأسه بشري في شمال لبنان التي لم يزرها منذ عام 1978، تاريخ أول الصدامات بين القوات السورية ورجال حزب الكتائب الذين كانوا بقيادته في الشمال. وهو كان طالب أنصاره بعدم إعداد استقبالات شعبية له وإقامة احتفالات ، ولكن يصعب أن يمتثلوا كلياً باعتبار أن 27 عاماً مضى على انتظارهم عودته. وكانت زوجته النائبة ستريدا سبقته بنحو أسبوعين لتشرف على تحضيرات إقامتهما في فيلا في منطقة الأرز ، أعلى منطقة سكنية مأهولة في لبنان على ارتفاع نحو 2000 متر عن سطح البحر.

ويصادف اليوم عيد ميلاد قائد "تيار القوات" البالغ من العمر 53 عاما أمضى 11 عاماً منها في السجن. وقد امتلأت طرق قضاء بشري المؤدية إلى منطقة الأرز التاريخية بصوره ولافتات الترحيب بعودته وشعارات منها: "سلاماً على من يحب السلام".

وكان جعجع قال في حديث الى قناة "العربية" امس ردا على سؤال عن عودته الى لبنان: "لن تتأخر عودتي. اما بالنسبة الى الخوف على حياتي، فنحن منذ 30 سنة نعيش في هذه الوضعية، والاخطار اليوم اقل منها في المراحل السابقة. وامل "في ضوء الترتيبات التي بدأت تتخذها الحكومة اليوم وفي ضوء الترتيبات التي سنتخذها نحن، ان نبقى في منأى عن الاخطار بارادة ربنا". وسئل كيف كانت علاقته بالرئيس رفيق الحريري، فأجاب: "لم التقه عام 1991 فقط، بل بدأت التقيه منذ 1989 و1990، وآخر مرة اجتمعنا كانت عام 1994 قبل شهر او شهرين من توقيفي. وتقرير ميليس صدر عن اغتيال الرئيس الحريري، ويا للاسف تضمن مؤشرات تدل على دور للنظام السوري وللنظام الامني الذي كان سائدا قبل هذه المرحلة. وهذا مؤسف جدا لكنه واقع".

وهل محاكمة المتهمين باغتيال الحريري هي محاكمة للجهة نفسها التي ساهمت في سجنه، قال: "ما لفتني في تقرير ميليس انه يلقي اضواء كاشفة وقوية على طبيعة المرحلة السابقة كلها، من هذا المنطلق لم يلق الضوء فقط على من كانوا سبب سجني، انما على اكثرية الشعب اللبناني الذي كان مسجونا طوال 30 سنة. التقرير القى الضوء في الدرجة الاولى على ان الوجود السوري في لبنان كان وجود احتلال، وعلى النظام البوليسي الذي اقامه النظام السوري في لبنان، كما اضاء على مجموعة اشارات الى الجهة التي اغتالت الرئيس الحريري، ولو انه على المستوى القانوني في حاجة الى متابعة. وقد ركز على جزء من الحياة السياسية اللبنانية وعلى الفساد والاهدار اللذين رتبا على الدولة والشعب اللبناني ديونا بلغت 30 او 40 مليار دولار. ان التقرير الذي قدمه ميليس تخطت تداعياته مجرد تسمية الجهة التي لها علاقة باغتيال الرئيس الحريري لتشمل كل المرحلة السابقة من تاريخ لبنان، وهذا الامر مهم جدا بالنسبة الينا نحن اللبنانيين".

وسئل هل يعتبر ان ما ورد في التقرير كاف لادانة رئيس الجمهورية اميل لحود، اجاب: "في المفهوم القانوني لا، اما في المفهوم السياسي فاصبح موقف الرئيس لحود حرجا جدا جدا. على سبيل المثال، اتذكر ويل براندت الذي اتهمت سكرتيرته الخاصة خلال السبعينات بأنها تعمل لمصلحة احدهم دون علمه، وكانت تتجسس عليه وفضح امرها، فقدم استقالته لأنه اعتبر نفسه مسؤولا. والرئيس ريتشارد نيكسون رغم اثبات كل التحقيقات ان ليس له علاقة بفضيحة ووتر غيت قدم استقالته. اذاً المسؤولية القانونية على الرئيس لحود غير قائمة اليوم، وعلينا انتظار المحاكمة. اما من الناحية السياسية فالوضع مختلف تماما". ورأى ان "التقرير وحده ليس كافيا انما العناصر الواردة فيه مهمة جدا وتدل في شكل واضح على جهات معينة ارتكبت عملية الاغتيال. واللافت انه لو كان هذا الاغتيال هو الاول في لبنان، لكنا مضطرين الى ان ننتظر. ولكن بما ان اغتيال الرئيس الحريري جاء بعد 30 عاماً من الممارسات السورية في لبنان فلا يمكننا الا ان نقول ان النظام السوري هو وراء هذا الاغتيال. من كمال جنبلاط الى بشير الجميل الى المفتي حسن خالد الى رينه معوض، هؤلاء اغتيلوا جميعاً لاسباب واحدة واهداف واحدة. اتهامنا السياسي لا يرتكز فقط على ما ورد في تقرير ميليس. فالتقرير يعزز اقتناعنا الذي تولّد من 30 سنة، والذي كنا نناضل على اساسه".

"سورية لا تعترف باستقلالنا"

جعجع وزوجته ستريدا خلال مؤتمر صحافي عقده يوم الافراج عنه

وقال رداً على سؤال عن علاقته بسورية: "في الاساس ليس عندي نظرة مسبقة الى سورية انما هذه النظرة بدأت تتشكل تباعاً،وذلك في ضوء الممارسات السورية في لبنان. ومن النقاط الرئيسة التي لفتتني في تقرير ميليس ما ذكره لجهة ان الوجود السوري في لبنان كان احتلالياً، ويا للاسف كنا خلال نضالنا نحاول اقناع الافرقاء في لبنان بأن الوجود السوري احتلال، ولم يكن احد يتجاوب مع طرحنا، الى ان مرت الاعوام وتأكدوا من حقيقة هذا الوجود وتوصلنا اليوم الى التحدث عنه بالنظرة نفسها. لو قدر للجميع ان يفهموا مغزى هذا الوجود منذ اللحظة الاولى لكنا وفرنا مشاكل كثيرة ولكان الرئيس الحريري اليوم معنا وكذلك الرئيس معوض والكثيرون من القادة اللبنانيين. ليس لدينا اي موقف مسبق من سورية ولكن لا نسمح بأي شكل من الاشكال لسورية ولا لغيرها ان يحتل بلدنا مهما يكن الثمن غالياً. لبنان دولة مستقلة، ولكن يا للاسف حتى هذه اللحظة سورية لا تعترف باستقلاله. هل هناك بلدان او دولتان في العالم لا يتبادلان التمثيل الدبلوماسي الا سورية ولبنان والدول التي هي في حالة عداء في ما بينها؟ نحن لا عداء بيننا وبين سورية ولكن اذا كانت سورية عندها عدائية تجاهنا فماذا تريدنا ان نفعل؟ بالحد الادنى ندافع عن انفسنا، وهذا ما كنا نفعله في السابق. وبمجرد الدفاع عن انفسنا اخذوا موقفاً عدائياً ضدنا. حتى بعد انتهاء الحرب حاولت كثيراً وبخلاف ما يظنه البعض، واستقبلت العديد من المسؤولين السوريين وتحدثت معهم، ولكن من اللحظة الاولى تبين لي ان هناك تناقضاً بيننا 180 درجة. لا نسمح لاحد بأن يأخذ منا بلدنا ولا حريتنا، وهذا ما كان يفعله النظام السوري في لبنان. اتمنى ان نتخطى هذا الامر ولكن حتى الآن لا ارى الموضوع سهلاً. بالامس كانت هناك محاولة لاغتيال مي شدياق، والرئيس السنيورة طرح موضوع ترسيم الحدود فقوبل بكيل من الاتهامات والشتائم، هذه الامور لم تعد مسموحة".

سئل عن "العبارة الملتبسة" التي استخدمها في التعليق على انتحار غازي كنعان بقوله "يا رب ارحم" فأجاب: "ليست ملتبسة اطلاقاً، عندما يموت شخص معين، لا نستطيع الا ان نطلب له الرحمة، ومن كل قلبي، نحن نتصرف تبعاً لاقتناعاتنا من دون حقد او بغض او ضغينة، الموقف واضح ولا يتغير. لا نقبل بأن يحتل بلدنا احد، لا السوري ولا غيره، ولا نقبل بأحد ان يفرض علينا شيء". سئل: تقول انك اجريت محادثات مع السوريين قبل دخولك السجن، غازي كنعان كان يومها ممسكاً بالملف اللبناني، هل اجتمعت به؟

اجاب: "التقيت غازي كنعان مرتين، وتحدثت معه مرتين خلال مناسبات اخرى منذ دخول الشرعية المناطق التي كانت تسمى شرقية، ايقنت ان هدف السوريين الفعلي هو غير الذي يعلنونه تجاه لبنان، منذ لحظة دخولهم قتلوا لنا قياديين سياسيين من دون اي سبب، واكملوا مشروعهم تباعاً. نعم، التقيت العميد كنعان، وفي احدى المرات تناولنا الغداء معاً، وايقنت ان نظرتهم الى لبنان لا يمكن ان تتطابق مع وجودنا الحر. وبالرغم من ذلك لم افعل شيئاً، انتظرت لأرى كيف ستتطور الامور والاوضاع وما اذا كان بالامكان فعل شيء افضل.

وعندما مات باسل الاسد رحمه الله قررت ان اقوم بواجب التعزية، صعدت الى القرداحة بغض النظر عن الموقف السياسي، وعزيت وفي طريق العودة رافقني العميد كنعان الى السيارة فقلت له: "لئلا يكون هناك اي لغط، نحنا جئنا اليوم بواجب اجتماعي وعلى المستوى الشخصي، وهذا لا علاقة له بالسياسة". وآسف ان هذا الكلام اتخذ ذريعة لحل حزب القوات اللبنانية وارسالي الى السجن. هذا الوضع كان غير مقبول".

الحريري وجنبلاط عون

وعما اذا كان خيار "القوات" السياسي حالياً التحالف مع النائبين سعد الحريري ووليد جنبلاط، يلقى شعبية في الشارع المسيحي مقارنة بخيار آخر للعماد ميشال عون قال: "هدفنا نحن والعماد عون واحد ليكن ذلك واضحاً للجميع ومن الاساس، وكل منا لديه طريق للوصول الى هذا الهدف. احياناً نقترب من طريقة العماد عون واحياناً يقترب هو من طريقتنا. ومنذ شهر تقريباً كان هناك موفد منه للتفاهم مع النائب سعد الحريري. وفهمت من مصادر عديدة ان الجنرال لديه قنوات اتصال عديدة بكل الافرقاء، وهذا طبيعي. فحن في مجتمع تعددي ليبرالي، ولا خلاف حول الاهداف اطلاقاً".
سئل: شكلت الغطاء المسيحي لاتفاق الطائف، ورئيسا جمهورية بعد الطائف لم يقوما بجهود للافراج عنك، كيف تفسر ذلك؟

اجاب: "هذه قصة كبيرة، وقتها البطريرك (الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير ) ومجموعة من النواب ونحن، كان عندنا اقتناع باتفاق الطائف، بينما لا احد من الاخرين الموقعين على اتفاق الطائف اقتنع به، ولا احد كان صادقاً حياله. لا احد يريد اتفاق الطائف، منذ اول لحظة. قبلوا بالطائف فقط حتى ينزعوا سلاح القوات اللبنانية والحزب الشيوعي والحزب التقدمي الاشتراكي. كان هذا هو الهدف في ذهن النظام السوري، وعندما حصل ذلك وسلمت القوات اللبنانية سلاحها، تركوا كل شيء، واتفاق الطائف ايضاً وضعوه جانباً واكملوا الحرب على لبنان ولكن بأساليب اخرى، اهمها ازاحة كل من لا يشاركهم في النظرة الى لبنان. من هنا نفوا الجنرال عون، وحلوا القوات اللبنانية، وهمشوا الحزب الشيوعي كليا وصار قسم كبير منه في حركة اليسار الديمقراطي، وبعد هذه التجربة صار يجب ان اعد للعشرة قبل ان اصدق احداً من قادة المنطقة وهذا شيء مؤسف".

سئل: من يختار رئيس الجمهورية اليوم في لبنان؟، ومن هو مرشح سمير جعجع؟ ومتى سيكون سمير جعجع نفسه مرشحاً لهذا المنصب؟أجاب:"انا ليس لدي اي مرشح في الوقت الحاضر لرئاسة الجمهورية، لدي مواصفات عامة طرحتها، وانا أضم صوتي في الوقت الحاضر الى ما قاله الجنرال عون والرئيس امين الجميل. يجب ان نتشاور معاً ونتفاهم على اسم يرضي الجميع".

لمحة تاريخية

يذكر أن خروج القوات السورية من لبنان في نيسان/ابريل الماضي بعد اغتيال الحريري سهّل اصدار قانون العفو عن جعجع في اطار السعي لتحقيق المصالحة الوطنية. وبعد إطلاقه في تموز/يوليو غادر على الفور بيروت الى باريس لأسباب طبية.

وكان جعجع قد اعتقل في 21 نيسان/ابريل 1994 بعد اتهامه بالتورط في تفجير كنيسة شمال بيروت أدى الى سقوط 11 قتيلاً. ورغم أنه خرج بريئا من هذه التهمة، فإن ملفات اخرى فتحت في حقه وصدرت عليه أحكام عدة بالسجن المؤبد.