نصر المجالي من لندن: لو لم ينشر في صحافة الكويت الصادرة اليوم الثلاثاء 18 ـ 10 ـ 2005 سوى مقال شيخ الكتاب محمد مساعد الصالح في صحيفة القبس تحت عنوان (خوش كلام) مختصرا الكثير مما يقال راهنا ولأيام تأتي، فإنه عبر عن الحال بمجمله بأقل عدد من الكلمات، ولا أكثر من خوش كلام في استحقاقات الكويت المقبلة في غضون أيام، حيث هي على مشارف الحسم لأزمة دستورية متعلقة ببيت الحكم. وخوش كلام أيضا أن أربعاء الكويت الكبير غدا حيث يعود ولي العهد الشيخ سعد العبد الله الصباح إيذانا ببدء مسيرة التغيير في هرم السلطة، يتزامن مع أربعاء كبير في الجار الشمالي العراق مع مواجهة الديكتاتور السابق صدام حسين لعدالة الشعب، وهي عدالة كويتية أيضا بعد أن كان نهشها بغتة في العام 1990 متجاوزا كل أعراف الجيرة والأخوة والقرابة وأبناء العمومة والتاريخ المشترك وكل القيم بالتالي.
فالأربعاءان كبيران سواء بسواء. وعشية عودة الشيخ سعد بعد رحلة العلاج في لندن، فإن الكويت مهدت للمرحلة الآتية بافتتاح دورة برلمانها بنطق أميري ألقاه ولأول مرة رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الأحمد الذي تعهد مسؤولية الحكم في السنوات الأربع الماضية نتيجة مرض كبيري البلاد الأخ غير الشقيق الأمير جابر الأحمد وابن العم الشيخ سعد. ويتهيأ الشيخ صباح لحمل مسؤولية أخرى في قابل الأيام وهي ولاية العهد جنبا إلى جنب مع رئاسة الحكومة، كما أكدت التقارير الواردة من الكويت، وهو قرار سيتم بعد اجتماع لمجلس عائلة آل الصباح التي أسست دولة الكويت قبل 250 عاما، وكانت معلومات قالت أن المجلس سيلتئم ليل الثاني والعشرين من الشهر الحالي ليبت في القرار.
على أن تقارير ثانية ذكرت على هذا الصعيد، أن مشاورات تجري في الكواليس لتخريج صيغة تكليف الشيخ صباح بمهام ولاية العهد مقابل ترتيبات متوازية تضمن للفرع الآخر من أسرة آل الصباح وهو فرع السالم من الحصول على امتيازات وظيفية سامية في صنع القرار الكويتي الأعلى، حيث فرع الجابر يحتل العديد من هذه المناصب.
وكان الفرعان الكبيران الأحمد والسالم ظلا منذ وفاة الشيخ (العود) عبد الله السالم يتبادلان المواقع سواء لجهة الإمارة أو لولاية العهد، وأي ترتيب لصالح الشيخ صباح سيحرم آل السالم من الموقع الثاني في القرار بعد إخلائه من جانب الشيخ سعد بالتنحي، وهو إجراء لا بد أن يكون له ثمن كبير.
يشار إلى أنه في الوقت الراهن يحتل فرع الأحمد فضلا عن سدة الإمارة، منصب رئاسة الحكومة ومناصب وزارية سيادية أخرى، بينما لا يحتل فرع السالم سوى منصب رئاسة الحرس الوطني الذي يقوم به كبير عائلة الصباح الشيخ سالم العلي السالم الصباح ووزارة الخارجية الذي يقوم به الشيخ محمد صباح السالم الصباح، وظل الشيخ سالم العلي منذ العام الماضي يفجر القنبلة تلو القنبلة حول ضرورة إجراء ترتيبات في داخل أسرة الحكم، وكانت آخرها قنبلته في تصريحاته لصحيفة (القبس) التي دعا فيها إلى تشكيل قيادة جماعية تساعد الامير في أعباء الحكم.
ولم تكد تمر أربع وعشرين ساعة، حتى استدعى أمير البلاد الشيخ جابر إلى ديوانه رئيس مجلس الأمة جاسم الخرافي بحضور الشيخ صباح الأحمد وعدد من أفراد الأسرة الكبار، وأبلغه رسالة مفادها أن "ثقته برئيس الحكومة لا حدود لها"، وطلب الأمير لرئيس السلطة التشريعية ضرورة إطلاع ممثلي الشعب على مضمون الرسالة التي حسمت كل أمر. وهو حسم كان فيه معنى الانتصار الواضح لفرع الأحمد. ثم بعد ذلك بدات ردات الفعل وارتفعت بورصة التكهنات التي سرعان ما جاءت والأسئلة "كيف ومتى ومن؟"، ولكن اتضح للجميع من بعد تكليف الشيخ صباح أمس بافتتاح دورة البرلمان وإلقائه خطاب الأمير، أنه هو رجل المرحلة المقبلة بلا منازع.
خوش كلام
وإذ كتاب الصحف الكويتية كافة ذهبوا في إجازة "محشومة واحتراما لقرار أهل القرار موالين الصمت على اعتبار أنه أبلغ من الكلام " فإن محمد مساعد الصالح الذي كان واحد من الذين ردوا على كلام الشيخ سالم العلي بالعودة إلى مواد الدستور الكويتي في مسألة توارث السلطة وجد مناسبة افتتاح دورة البرلمان فرصة لتمرير اقصر رسالة إعلامية تحمل الكثير في طياتها، فهو قال "خوش كلام .. كلام ممثل صاحب السمو الامير الشيخ صباح الاحمد في افتتاح مجلس الامة.. وخوش كلام.. كلام رئيس مجلس الامة السيد جاسم الخرافي في افتتاح مجلس الامة. .. والله من وراء القصد، ولم يتوقف عند ذلك فقال في آخر العمود: "كان حديث رئيس مجلس الامة موجها الى الأخوات والإخوة، علما بأنه لا يوجد اخوات الا الدكتورة الوزيرة معصومة المبارك، والـباقي إخوان مسلمون."
وإليه، فإن خطابي الأمير الذي ألقاه نيابة عنه رئيس حكومته، وخطاب السلطة التشريعية جاسم الخرافي، يشير إلى حال من التهدئة والعمل سوية بين السلطتين في مستقبل الأيام بعيدا عن المناكفة والمشاكسة تحت قبة البرلمان، وخاصة في الشهور الأولى للعهد الجديد. ولقد استهل الأمير كلمته بدعوة واضحة وصريحة إلى حب الكويت بـ "الأعمال والأفعال التي تؤدي الى نتائج ملموسة يراها المواطن على ارض الواقع، لا بالكلمات والاقوال التي لا يجني منها المواطن شيئا".
لا أحزاب سياسية
وهو شدد على "محبة الوطن ترجمة لأعمالنا وجهودكم ونتائج ملموسة يراها المواطن على ارض الواقع ويتعايش معها"، واضاف "أحبوا الكويت بالأعمال والأفعال وليس بالكلمات والأقوال"، وهذا الأمر دعا رئيس مجلس الأمة جاسم الخرافي، للرد محذرا من طغيان "التشدد والانفعال على الموضوعية والاعتدال ومن خطورة سيادة مفردات المجموعة على لغة الجماعة، وتراجع روح الفريق امام تنافس الفرق، وتحول العمل الوطني الى نزاع على القيم بدل ان يكون تنافساً على قيمة واحدة هي مصلحة الكويت"، ودعا الخرافي في شكل لافت للمرة الأولى تحت قبة مجلس الأمة، الى "تقنين وتنظيم الاحزاب الموجودة في الممارسة".
لكن الشيخ صباح الاحمد رد من خارج قاعة مجلس الأمة على مطالب الخرافي الحزبية بقوله "لا يوجد اي تفكير في شأن الاحزاب السياسية" مشدداً على ضرورة ان "نتمسك بما جاء في الدستور الكويتي"، يذكر أن الدستور لا يجيز قيام أحزاب سياسية.
لكنه الخطاب الأميري شدد من جانبه على اهمية الوحدة الوطنية، مستغرباً السجالات المسيئة اليها، عبر مزاعم فرز طائفي وقبلي وفئوي بغيض، مؤكدا ان الفتنة "لن تقوى على الكويتيين"، لافتاً الى ان من الخطأ الظن "أننا خارج ارتدادات ما يجري في المنطقة من تطورات وتغيرات".
يذكر ان الكويت حالها حال دول الجوار الخليجي تعاني يين حين وآخر من هزات طائفية، حيث وجود نسبة من المواطنين ينتمون إلى طائفة الشيعة، وفي الغالب فإن الكويت ومملكة البحرين من أكثر المتأثرين بهذا التصادم الطائفي الذي يصل أحيانا إلى درجة الفتنة الشعبية، ولا غرابة في ذلك حيث الموقع الجغرافي القريب من إيران التي ظلت على الدوام تهدد بتصدير ثورتها الإسلامية وولاية الفقيه إلى دول الجوار عاملا محركا لكثيرين.
وفي الكويت التي تضم ما نسبته 20 بالمئة من سكانها من الشيعة، جرت مصادمات عديدة، الأمر الذي ظل يشكل هاجسا للسلطات التي تخشى على الوحدة الوطنية من الانهيار، ولعل آخر اعتداء على مسجد محمد بن ابي بكر في منطقة الجهراء كان مثالا على ذلك، حيث سارعت السلطات لتطويق الحادث وبسرعة متناهية، على أن زعامات دينية شيعية لم تكن مقتنعة بتلك الإجراءات.
كما أن المسألة الطائفية كانت تشكل عبئا على الدوام في المسائل الوظيفية، وخصوصا الوزارية منها، حيث أحس الشيعة بالضيم حالهم حال بعض ابناء القبائل كالعوازم مثلا لاستثنائهم من المناصب الوزارية، وخاصة بعد استقالة وزير الإعلام السابق محمد أبو الحسن وهو كان الشيعي في الوزارة، وهو كان تعرض لضغوط كثيرة من جانب سلفيين في مجلس الأمة منذ تعيينه في منصبه في يوليو (تموز) 2003 ، حتى استقالته، لكن الشيخ صباح قدّر له دوره الدبلوماسي حين مثل الكويت لعشرين عاما لدى الأمم المتحدة، وخاصة في فترة الغزو العراقي. وهو كافأه بتعيينه مستشارا في مكتبه.
صباح يعترف
صباح الاحمد محييًا السلطتين التشريعية و التنفيذية |
وبالمقابل استنكر ما سماه "السجالات المسيئة الى الوحدة الوطنية، عبر مزاعم فرز طائفي وقبلي وفئوي بغيض، برغم ما تنطوي عليه من ذرائع واهية قد تجعلها مطية فتن تهدد أمن وسلامة وتعايش مجتمعنا، ولعمري فنحن كلنا كويتيون ووطننا لا يتحمل مثل هذه الفتن، ولا يقبلها، وكلنا يعلم ان الفتنة التي لم تجد طريقها لأبناء هذه الديرة الطيبة حتى في احلك الأيام، فإنها لن تقوى عليهم ابداً بإذن الله ".
واكد أن "خلاصنا لن يكون الا بوحدتنا الوطنية (,,,) واذا كانت الوحدة الوطنية مستقر الأمان والطمأنينة في نفوسنا، فهي عينها صمام الأمن والسكينة في بلدنا، فالأمن نعمة لا يستقيم العيش بدونها، وكلنا مسؤول، افراداً ومؤسسات وهيئات مجتمعية، في مواجهة محاولات النيل من أمن الوطن واستقراره، ونبذ الفئة الضالة التي انحرفت عن كل الشرائع والنواميس الدينية والقيم والمبادئ الانسانية، مستهدفة قتل وترويع الأبرياء ونشر الرعب وتعكير صفو الحياة في البلاد".
وواضح أن الكويت في استحقاقاتها المقبلة عازمة على تجاوز مرحلة التأزيم بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وهو ما نبه إليه خطابا الأمير ورئيس مجلس الأمة، حيث الخطاب الأميري دعا الى "التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية"، ورأى الشيخ صباح ان "الاختلاف سمة ايجابية، ويبقى مصدر اثراء للعمل البرلماني ما لم يتحول الى صراع، وليس في الانتقاد ما يضير ما دام بناء ومحكوماً بأدبيات السلوك البرلماني"، وقال "اننا نتفق جميعاً على ان استخدام الأدوات الرقابية حق دستوري مكفول، وانها من أهم مقومات ودعائم الحكم لديموقراطي، طالما يتم توظيفها في خدمة القضايا الحيوية والمصالح الوطنية. وواقع الأمر ان المشكلة ليست في ادوات الرقابة بحد ذاتها، بل بأسلوب ممارستها على نحو يفضي ـ في كثير من الاحيان ـ الى حالة من التوتر والتأزيم بين السلطتين التشريعية والتنفيذية".
كويت الغد
وانتظارا للمرحلة المقبلة وهي حاسمة تحمل معها تحولات كبيرة على الساحة الكويتية، فإن أهل الحكم ممثلين برئيس الوزراء الذي سيحمل ولاية العهد أيضا، نبه إلى "ما تشهده المنطقة كلها من تطورات وتغيرات وتداعيات يصعب التكهن بوجهتها وحدود آثارها» قال ان جميعنا يدرك تماماً أننا لسنا بمعزل عما يدور حولنا، فما نقوله يسمع، وما نفعله تحت المجهر، وكل ما نقوله ونفعله محسوب لنا وعلينا، ويخطئ من يظن بأننا خارج نطاق الارتدادات القريبة والبعيدة، أمنياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وأننا غير معنيين بها وغير ذات اثر فينا، وهذا واقع لا يحتاج الى شرح واجتهاد وتحليل, وينبغي ان نعترف بأننا امام تلك المتغيرات الدولية نتحرك وفق نطاق محدود، وقدرتنا على التأثير في هذه المتغيرات ايضاً محدودة، بما يجدر معه ازاء ذلك، ان نتحسس مواطئ أقدامنا، ونحسب خطواتنا ونترجم وعينا بمخاطر هذه المرحلة ومحاذيرها، نتحاشى سلبياتها، ونجنب بلادنا شرورها، ونحقق أكبر استفادة ممكنة، مما قد يكون لها من ايجابيات".
ويبدو أن القيادة الكويتية تدرك أن التاريخ لن يغفر لها إذا فرطت هي الشعب الكويتي "في ما نملكه ونستطيعه، وما حبانا الله تعالى به من قدر وقدرة، وانغمسنا في ترف العيش ولم نحسن التعامل مع القضايا المصيرية، ولن نتمكن من توصيل الأمانة الى اجيالنا القادمة بما نتمناه لها من خير ورفعة"، حسب وا ورد في النطق الأميري الذي يعد دستور المرحلة المقبلة.
دعوة الخرافي
الخرافي يلقي كلم الامة |
وأخيرا، فإن ما يؤرق الكويتيون هو الإصلاح، وعبر الخرافي عن ذلك بالقول "الاصلاح الحقيقي ليس رؤية فقط وانما ايضاً مبادرة وقرار وتنفيذ ولا بد ان يكون شامل النطاق، عميق المضمون، فعال المعالجة، ينطلق من إرادة سياسية حاسمة ويحقق اهدافه بأداء تنفيذي يكون الالتزام والجدية اساسه، والتنسيق والتضامن وسيلته، والشفافية والمساءلة ضمانته،، والإصلاح لا يتواصل، بل والنظام الديموقراطي لا يستقيم دون نظام قضائي مستقل، يحترمه الجميع، وخضع لأحكامه الجميع, واذا ما زج بالقضاء في دهاليز السياسة ومتاهاتها، او اقحم في كواليس المصالح وضغوطاتها، فإن النظام الديموقراطي، بل والمجتمع برمته، تهتز ثوابته ويفقد قدرته على ضبط حركته وتماسكه، وتصبح العدالة ضحية، والديموقراطية فوضى".
إقرا ايضا الكويت بين جيلين .. فلا صراع ولا صِدام مرض الكبيرين طال .. فحوصر آل الصباح |
التعليقات