نبيل شرف الدين من القاهرة : نفت اليوم مصادر كنسية في بطريركية الأقباط الأورثوذكس بمصر بشدة أنباء نشرتها إحدى الصحف الإلكترونية التي يهيمن عليها التيار الإسلامي السلفي، و التي تحدثت عن "صفقة" يجري إبرامها بين الكنيسة القبطية و الحكومة، تتجاوز بمقتضاها الكنيسة قيد " الخط الهمايوني " الذي يحول دون بناء الكنائس أو حتى ترميمها إلا بموجب قرار جمهوري، و وفق سلسلة إجراءات معقدة، مقابل تأييد الأقباط للرئيس المصري حسني مبارك في ولاية خامسة، و أكد المصدر الكنسي أن البطريركية لا تبرم صفقات سرية و لا علنية، و أنها تنأى بنفسها كمؤسسة دينية و روحية، عن التورط في الشؤون السياسية عموماً .

و أوضح المصدر ذاته أن ما يجري إعداده الآن هو قانون موحد لبناء دور العبادة، مشيراً إلى أن مشروع القانون هذا ليس جديداً، فهو مطروح منذ مدة طويلة، و لا يعالج مسألة بناء الكنائس فحسب، بل يتعرض لكافة دور العبادة في مصر، إسلامية كانت أو مسيحية أو حتى يهودية، و أضاف أن هناك قانوناً آخر موحداً للأحوال الشخصية لكافة الطوائف المسيحية، استناداً إلى أن العلاقة التي تنشأ في ظل قانون معين يجب أن تظل محكومة بهذا القانون، فالقول إن مجرد تغيير أحد طرفيها مذهبه أو اعتناقه ديانة معينة يجعل الولاية التشريعية عليها لقانون آخر هو قول مؤداه فرض إرادة هذا الشخص على وضع تشريعي متعلق بالنظام العام و منحه سلطة التشريع و السماح له بأن يتحلل بمشيئته المنفردة من التزاماته التي كان قد ارتضاها بما يهدد حقوق الطرف الآخر المكتسبة حين يريد، و ذلك يجافي أبسط قواعد العدالة، لأنه لا يستساغ السماح لشخص بأن يضع إرادته موضع التشريع فيغير القاعدة القانونية التي تحكم علاقته مع الغير و يعدل المركز القانوني المكتسب للطرف الآخر رغم إرادته .

و حسب الأرقام الحكومية الرسمية فإن عدد الأقباط المسيحيين في مصر يبلغ أكثر قليلاً من ستة ملايين، فيما يؤكد الأقباط أنفسهم أن عددهم لا يقل عن عشرة ملايين من أصل 62 مليوناً، يعيش أكثرهم في مناطق الصعيد مثل بني سويف و المنيا و سوهاج و أسيوط .

تمييز و تهميش

و نقلت الصحيفة المذكورة عن الأنبا بسنتي أسقف المعصرة و حلوان قوله " إن مشروع القانون قام بإعداده أستاذ القانون الدكتور نبيل لوقا بباوي ، بعد أن شارك في عدد من اللقاءات التي عقدتها قيادات بالكنيسة مع عدد من المسئولين الكبار بالدولة"، و هو ما نفته الكنيسة جملة و تفصيلاً، قائلة إنه لا علم لها بهذا الأمر، و أن أيّاً من قيادات الكنيسة لم يشارك في صفقات أو لقاءات من هذا النوع، و رفضت الكنيسة ما أسمته " الزج بشؤونها " في أغراض سياسية.

و هنا يذكر أن بناء أماكن العبادة المسيحية مسألة بالغة التعقيد في مصر، إذ أنه و من الناحية القانونية فهناك قانون يعرف باسم " الخط الهمايوني " يرجع للعصر العثماني يخضع بناء الكنائس لإذن خاص من أرفع مستويات الحكومة، و بعد سلسلة معقدة و طويلة من الإجراءات يجري خلالها استطلاع آراء و تقديرات عدة أجهزة أمنية و حزبية و أجهزة الإدارة المحلية و غيرها من الجهات الرسمية في مصر .

و يقول الكاتب القبطي المعروف الدكتور ميلاد حنا أن الغبن الواقع على الأقباط لا يقتصر على مسألة بناء الكنائس فحسب، بل يمتد إلى مشاركتهم في الشأن السياسي و العام، فتمثيلهم داخل مجلسي البرلمان ( الشعب والشورى ) لا يمثل النسبة العددية و لا السياسية للوجود القبطي، و أعرب عن اعتقاده بأن نظام الحكم أخطأ في حق نفسه و ليس في حق الأقباط، و من أجل أن يصلح هذا الأمر فإن ينبغي عليه أن يغير الكثير من المفاهيم، و أضاف في سياق دراسة أعدها سليمان شفيق أن تمثيل الأقباط في مجلس الوزراء محدود، و القبطي الوحيد في وزارة سيادية هو يوسف بطرس غالي، و هو ابن أخ الدكتور بطرس غالي، و هو منتدب من البنك الدولي و صار وزيرا إرضاءً للبنك الدولي و ليس إرضاء للأقباط، و وجود الأقباط في المخابرات العامة صفر، و في مباحث أمن الدولة صفر، و في الـ 12 جامعة سواء من حيث وظيفة رئيس الجامعة أو نوابه، أو العمداء صفر، و الحزب الحاكم لا يذكر، و هكذا فإن الأقباط مستبعدون تماما عن مراكز اتخاذ القرار"، على حد تعبيره في الدراسة المشار إليها.

و يقارن الأقباط بين أحوالهم في أثناء ثورة 1919، و ما آل إليه وضعهم الآن، و يقارنون أيضا بين الشعارات التي رفعتها حركة الضباط عام 1952و التي تحدثت بخطاب سياسي لكافة أبناء الوطن، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو العرقية أو الاجتماعية، و الذي ارتكز على المساواة لجميع أبناء الوطن، و بين مصادراتها للأوقاف القبطية، و الإصرار على وضع خانة الديانة في البطاقة الشخصية، و بداية التفرقة في الوظائف العامة, و احتدم ذلك عقب هزيمة حزيران (يونيو) 1967، و تزداد حدة المقارنة بين التوقعات و الواقع المعاش، إذ ما تذكروا أنهم شاركوا في كافة مراحل النضال الوطني المصري.