إيلاف: ستعتمد السياسة الاقتصادية الاميركية في السنتين القادمتين على الدروس التي اختار أن يتعلمها الفائزون والخاسرون في انتخابات الأسبوع الماضي. هل كان ذلك تصويتاً ضد جورج و. بوش نفسه أو الحرب في العراق أو الإنجيليين المحافظين أو عدم التحلي بالمسؤولية في الاقتصاد؟ أم أنه لم يكن تصويتاً ضد الجمهوريين في أساسه, لكنه جاء في صالح بديل ديمقراطي جديد؟ وأي نوع يمكنه أن يكون هذا البديل؟ هل يفضل الناخبون التفاؤل في السوق والتطلع إلى الأمام أم التشكك فيها وأخذ جانب الحذر؟

طرح الكاتب كليف كروك هذه التساؤلات في صحيفة نيشنال جورنال, ثم أضاف أن أياً من هذه الدروس قد تصبح مسألة أهواء أكثر منها علماً انتخابياً, وقال أن الخبراء منقسمون حول ما إذا كانت الأغلبية الديمقراطية الجديدة أكثر اعتدالاً أو أقل من الأقلية الديمقراطية السابقة.

كما يُتوقع أن يكون الجمهوريون منقسمين حول ما إذا كانت خسارتهم جاءت نتيجة تجاهلهم قاعدتهم الشعبية أم على العكس جاءت نتيجة تركيز اهتمامهم عليها. غالباً ما تعتقد الأحزاب السياسية الخاسرة أن عودتها إلى الالتزام بمبادئها هو السبيل إلى قلب نتيجة الخسارة. (لقد كلفت هذه النظرية حزب العمل في بريطانيا خسارة الانتخابات ثلاث مرات بعد هزيمته الأولى في العام 1979, أمام حزب المحافظين الذي كانت ترأسه مارغريت تاتشر).

يظهر أن الديمقراطيين الجدد مدعومون جيداً بـ quot;التجار المنصفينquot;, وهذا هو التعبير الحالي الألطف عن أنصار حماية الإنتاج الوطني. وذلك, بالإضافة إلى النفور الذي ندركه في الكونغرس الجديد من إعطاء مزيدٍ من الأحقية للبيت الأبيض في عمل أي شيء, يجعل إعطاء الرئيس فرصة لإجراء المفاوضات التجارية أمراً بعيد المنال. ولذلك فإن فرصة نجاح المفاوضات في دورة الدوحة ستكون أبعد مما كانت عليه قبل السابع من نوفمبر (تشرين الثاني).

ينتابنا شعور عميق بالشفقة على حال الولايات المتحدة, وتمر الدول المتقدمة حالياً في مرحلة ارتداد خطيرة (يبدو أن حكوماتها لا تدركها). ولكن لا أحد ينكر أن هذا الوضع يتماشى مع أنغام المزاج السائد في البلاد. فالجميع مهتم بأمر التجارة الحرة, ولكن بناء تحالفٍ من التأييد لأسواق عالمية مفتوحة يعتبر تحدياً سياسياً ضخماً. والحقيقة أن هذه الإدارة لم تكن مجربة يوماً كما هي الآن, فلم تحرز سوى قليلٍ من العلامات في السياسة التجارية. إن موقف الرئيس ضعيف جداً الآن, وإذا ما حاول أن يغير موقفه ويحاول تأييد التجارة الحرة فإنه قد يعيد المسألة عدة خطواتٍ إلى الوراء. وفي كل الأحوال, فإن التوقعات للأسواق المفتوحة نادراً ما كانت سوداء قاتمة.

إحدى الاتفاقيات الجيدة كانت رفع الحد الأدنى للأجور, والديمقراطيون في عجلة من أمرهم لتشريعها, والبيت الأبيض ذكر أنه سيعمل على تطبيقها. ومن وجهة نظري, فإن أفضل ما يمكن قوله عن هذه السياسة مقارنة بالبدائل الأخرى هو أنها قد لا تسبب ضرراً كثيراً. يعلم جميع الاقتصاديين الذين درسوا هذه المسألة أن رفع الحد الأدنى للأجور يُعد طريقة مركزة للتخفيف من الفقر. إن الاحتكام السياسي إلى رفع الحد الأدنى للأجور يستند في معظمه على نظرية أن أصحاب العمل يتحملون التكاليف, وليس الدولة بشكلٍ عام. وهذه النظرية زائفة, لأن أصحاب العمل سيمررون معظم التكاليف عبر المستهلكين. والسؤال المطروح هو لماذا نتبنى سياسة ستعمل على رفع تكاليف التوظيف في حين أن هناك وسائل أخرى لرفع الأجور؟

ومع ذلك, فإن أهم الشؤون الاقتصادية هو السياسة المالية. سيتذكر الاقتصاديون هذه الإدارة باعتبارها البطل الذي ظهر اسمه في حكومة محافظة كبيرة. لم يرفض الرئيس على مدى الست سنوات الماضية إجراءً واحداً من إجراءات الإنفاق, فقد ضعف إنفاق المواطنين على مرأى منه وتم اقتطاع الضرائب أيضاً. والنتيجة عجز ضخم في الميزانية. وبالتطلع إلى المستقبل, نجد أن التزايد السكاني يزداد سوءاً, وذلك يعني استمرار نمو العجز.

أشار الديمقراطيون إلى أنه في عهد كلينتون كان ملف إدارة المال أفضل بكثير منه في الوضع الحالي, وهم محقون في ذلك. ولكن ما الذي ينوون فعله مقابل الفوضى الحالية؟ إن الخط الذي ينتهجه الحزب هو وضع اللوم على عاتق الإدارة بسبب الاستقطاعات الضريبية التي فرضتها.

إن التحدي الاقتصادي العظيم الذي يجابه الكونغرس الأميركي الجديد ليس التجارة, وإنما إعادة التوازن طويل المدى بين الضرائب والإنفاق. وعاجلاً أو آجلاً ينبغي أن تقوم الحكومة بهذه المهمة, سواء بمبادرة منها أو عندما تصر الأسواق المالية على ذلك. ستكون التفاصيل هامة جداً ويمكن ألا يتفق الحزبان عليها, ولكن حل المشكلة سيتطلب مزيجاً من ارتفاعٍ في الضرائب واقتصادٍ في الإنفاق العام. أحدثت الانتخابات تغيراً في السيطرة على الكونغرس, ولكنها لم تقدم أفكاراً جديدةً حول هذا الشأن. هل يرغب الديمقراطيون في مواجهة هذه المسألة أكثر مما واجهها الجمهوريون المبذرون؟ لا يبدو الأمر كذلك.

ترجمة: سامية المصري
الرياض