واشنطن :قامت أولى المنظمات الدولية غير الحكومية من أجل مهام الكنيسة، حيث تخصصت في تمدين شعوب الدول غير الأوروبية. وكانت الجهات الممولة لهذه المنظمات وكيفية تأثير هذا التمويل على عملها في غاية الوضوح حينذاك. أما الآن ورغم زيادة عدد تلك المنظمات ومعاهد البحث الدولية، واتساع مجالاتها وتعدد مشروعاتها، إضافة إلى نمو مواردها المالية، وزيادة تأثيرها أيضًا، فإن مصادر التمويل أصبحت أقل وضوحًا وأكثر أهمية من ذي قبل.
وتحصل هذه المنظمات على التمويل اللازم من عدد كبير من المصادر، لكن في معظم الأحيان يوجه إليها النقد لإمكانية السماح لمصادر التمويل بالتأثير على عملها. فالمنظمات الدولية غير الحكومية ومعاهد البحث على وجه الخصوص غالبًا ما يكون لديها ميزانية تشغيل تتوقف على الاستثمارات المالية والتبرعات. وعليها أن توازن بين الحاجة إلى التمويل، والحاجة إلى الحفاظ على استقلالية مشاريعها من تأثير المتبرعين المحتمل سواءً كان هذا التأثير ملحوظًا أو فعليًا.

الاستثمارات المالية

تتلقى بعض المنظمات الدولية غير الحكومية منحًا كبيرة توفر لها التمويل اللازم من خلال الاستثمارات، فعلى سبيل المثال، بلغ دخل مؤسسة هيريتاج، وهي معهد بحثي محافظ، ما يزيد عن 10 مليون دولار من استثمارات بمبلغ 98 مليون دولار في العام 2005، وما يزيد عن 13 مليون دولار من استثمارات بلغت 119 مليون دولار في العام 2006. وحسب ما جاء في التقرير السنوي للعام 2006 الخاص بمعهد بروكينجز، وهو معهد بحثي محايد من الجهة الرسمية والأيديولوجية لكن يُنظر إليه إلى حد كبير على أنه ذو نزعة ليبرالية، تبلغ الأموال الممنوحة للمعهد 253 مليون دولار، توفر حوالي 25% من ميزانيته السنوية التي تبلغ 50 مليون دولار.

التبرعات

في الوقت الذي تستخدم فيه بعض المنظمات حصصًا من مخصصاتها لنفقات التشغيل، فإن المنظمات الدولية غير الحكومية ومعاهد البحث تحصل على معظم التمويل الذي تستخدمه على مدار العام من التبرعات. فعلى سبيل المثال، تلقت مؤسسة هيريتاج 96% من ميزانيتها لعام 2006 من المساهمات، ووجهت 14% من نفقات نفس العام لجمع الأموال لتلقى مزيدًا من المساهمات في المستقبل. وقد تستخدم التبرعات غير المحددة في العمليات العامة، مما يعني أنه بإمكان المنظمات الدولية غير الحكومية تخصيص الأموال لأي مشروع ترغب فيه، أو في تكاليف التشغيل العامة، كالمواد المكتبية، وإيجار المكاتب أو الكهرباء، لكن هذه التبرعات تكون في أغلب الأحيان مقيدة، سواءً بشكل جزئي أو كلي، فيما يخص تمويل مشروعات معينة يرغب المتبرعين في دعمها.

ويمكن الحصول على هذه التبرعات من أفراد، أو مؤسسات، أو اتحادات، أو الحكومة. وحسب ما جاء في quot;دليل التمويل الناجح للمنظمات الدولية غير الحكوميةquot;، الذي يصدره مكتب المعلومات الأوسطي للبيئة والثقافة والتنمية المحتملة، فإنه من الأهمية بمكان لهذه المنظمات الحفاظ على quot;تنويع الموارد الماليةquot; من أجل الحصول على تمويل لمشروعاتها، مع الحفاظ على استقلالها من ضغوط الأشخاص أو المنظمات التي تتولى تمويلها.

تبرعات الأفراد والمؤسسات

بشكل عام، يُنظر لتبرعات الأفراد والمؤسسات على أنها أقل احتمالاً في التأثير على أبحاث أو مشروعات المنظمات الدولية غير الحكومية من تمويل الاتحادات أو الحكومة. فقيمة مساهمات الأفراد تكون في أغلب الأحيان أقل من المؤسسات، إلا أن المتبرعين الأفراد في العموم لا يتوقعون الكثير من المتابعة للمشروعات التي يقومون بتمويلها، أما المؤسسات فتستطيع توفير جزء كبير من التمويل لهذه المنظمات، إلا أنها تتوقع الحصول على تقارير مكثفة حول المشروعات الممولة بأموالها، فالمؤسسات غالبًا ما تمول نفس المشروعات غير الهادفة للربح لعدة سنوات، موفرة جانبًا كبيرًا من الاستقرار المالي للمنظمات. فعلى سبيل المثال، كانت مؤسسة فورد، ومؤسسة روكفيلير من أوائل المتبرعين لمعهد بروكينجز، واستمرتا في تمويل المنظمة تسعين عامًا لاحقة. إلا أن تمويل الأفراد والمؤسسات قد يكون أيضًا قليل التأثير على عمل المنظمات الدولية غير الحكومية، فحيث إن التمويل المقيد قد يعني أن بعض المشروعات تتلقى تمويلاً أكثر من مشروعات أخرى، فإن الحاجة إلى تنويع مصادر التمويل تصبح أشد وأكثر إلحاحًا.

تمويل الاتحادات

يمكن أن يوفر تمويل الاتحادات أيضًا حصة لا بأس بها من التبرعات الممنوحة للمنظمات الدولية غير الحكومية. ففي العام 2006 حصل معهد بروكينجز على تبرع بلغ 100.000 دولار أو يزيد من شركاتATamp;T, Allstate, DaimlerChrysler, ExxonMobil Reliance Industries, State Farm, and Visa. وفي مقابل تلك المساهمات دعي متبرعو الاتحادات للمشاركة في أحداث، ونقاشات مع أساتذة المعهد. وفي نفس العام أيضًا حصلت مؤسسة هيريتاج على نفس المبلغ تقريبًا من Pfizer Inc., PhRMA, and the United Parcel Service. كما تلقت مبلغ 50.000 دولار أو يزيد من Altria Group Inc., the Boeing Company, and ExxonMobil. ولتوجيه الشكر إليهم على هذه التبرعات السخية توفر المؤسسة للمتبرعين أحدث المعلومات عن الأعمال، وأهم القضايا، كما تدعوهم للمشاركة في استقصاءات الرأي، وحضور أهم الأحداث على مدار العام، (ويتوقف عدد الأحداث التي يدعى إليها المتبرع على حجم التبرع الذي يقدمه).

وهناك العديد من الفوائد المحتملة التي تعود على الاتحاد من تمويل مشاريع المنظمات الدولية غير الحكومية. فأبحاث المشروعات التي تمولها الاتحادات يمكن أن تكون وسيلة لزيادة المعلومات العامة حول القضايا التي تؤثر على الاتحاد، كما يمكن لهذه الشراكات أيضًا أن تزيد معلومات كبار العاملين بها حول نفس القضايا. كذلك فإن مشاريع المنظمات التي تركز على التنمية بشكل أكبر يمكنها أيضًا منح الاتحادات فرصة لتطوير علاقاتها العامة بالتأثير بشكل إيجابي على المجتمعات التي تعمل بها.


ورغم ذلك فإن تبرعات الاتحادات تُعد أكثر المناطق التي تحذرها المنظمات كي تحقق التوازن بين حاجتها للتمويل، واستقلاليتها. فمثلاً، إذا عرضت شركة بترول على معهد بحثي قدرًا كبيرًا من التبرعات لإجراء بحث حول أهمية الذرة كمصدر بديل لطاقة السيارات، فإنه على أقل تقدير سيكون الاتحاد الممول موضع شبهة، حتى إن لم يتأثر البحث بمصدر التمويل. لذا تقيد بعض المنظمات التمويل الممنوح من الاتحادات للمشاريع التي لا ترتبط بشكل مباشر بعمل الشركة، حتى تتجنب التأثير المتجاوز للحد.

التمويل الحكومي

يُعد التمويل الحكومي أصعب أنواع التمويلات التي تتلقاها المنظمات الدولية غير الحكومية وأكثرها تحديدًا. فحتى تتلقى المنظمات تمويلاً للمشروعات، عليها أن تقدم مقترحًا للتمويل لمشروع معين بناءً على طلب الوكالة الحكومية. ويجب أن يشتمل المقترح على وصف لكيفية دعم المشروع لمصالح المنظمة، وأغراض وأهداف المشروع وكيفية قياسها، وخطط التقييم، (وغالبًا ما يكون تقييمًا مستقلاً)، لنجاح المشروع، إلى جانب الخطط المستقبلية للمشروع وكيفية تمويل المنظمة لهذه الخطط، وميزانية مفصلة للمشروع. كما يتوقع أن تقدم المنظمات أيضًا معلومات عامة حول النجاح والمصداقية في المقترح كي تحصل على التمويل الحكومي.

ووفقًا لمكتب المعلومات الأوسطي للبيئة والثقافة والتنمية المحتملة quot;فإنه لا يُقبل سوى20% فقط من المقترحات التي تقدمها المنظماتquot;. كذلك فإن الوكالات الحكومية غالبًا ما تعارض تمويل مشاريع بأكملها، وتتوقع أن تنجح المنظمات في العثور على مصادر تمويل إضافية لدعم المشروعات. وبمجرد حصول المنظمات على التمويل اللازم للمشروعات، يُنتظر منها أن تحافظ على إمداد الوكالة الحكومية بأحدث المعلومات حول التقدم الذي تحرزه، ربما بتقديم تقرير مفصل كل ستة أشهر حول الأنشطة والأمور المالية.

ويُعد الحصول على تمويل حكومي أسهل بكثير بالنسبة للمنظمات الدولية التي نشأت بصورة جيدة. فعلى سبيل المثال، في نوفمبر 2005 منحت المفوضية الأوروبية مبلغ 3.5 مليون يورو، أي ما يعادل 4.4 مليون دولار، للمنظمة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر لعملها في الاستجابة للكوارث العالمية. كما أن هناك عددًا قليلاً من معاهد البحث التي تحصل على تمويل حكومي، كمؤسسة راند، التي نشأت خصيصًا لتوفير معلومات للقوات المسلحة الأمريكية.
وقد تشعر بعض المنظمات الدولية غير الحكومية ومعاهد البحث بأن قبولها للتمويل الحكومي يتعارض مع نجاح مشاريعها، بسبب صورة هذه العلاقة في الخارج. فمثلاً، لا يقبل معهد الأمن القومي تمويلاً من أي حكومة أمريكية أو غير أمريكية، لذا تظل مشاريعه مستقلة بشكل تام عن الضغوط الحكومية. ومثل التمويل الذي تمنحه الاتحادات فإن التمويل الحكومي يمثل أهمية كبيرة جدًا للحفاظ على صحة الوضع المالي للمنظمات، بشرط أن يتوازن مع quot;الحاجة إلى الحفاظ على استقلاليتها من أي تأثير خارجيquot;.