طهران: دخلت ايران عام 2007 وفي جعبتها مجموعة عقوبات فرضها عليها مجلس الامن الدولي في أوخر 2006 لعدم انصياعها لمتطلباته بوقف انشطة تخصيب اليوارنيوم.
ومع نهاية عام 2007 تضاعفت هذه العقوبات سواء تلك التي فرضها مجلس الامن في قرار ثان في مارس/ آذار لنفس الاسباب أو تلك التي فرضتها الولايات المتحدة منفردة واستهدفت الدولة الايرانية و مؤسسة الحرس الثوري.
وبذلك بدا ان الاجماع الدولي على وضع قيود على تطور ايران النووي تبلور في صورة قرارات عكست روحا جديدة في الاسرة الدولية حيال ما استشعرته تلك المجموعة الدولية من ان البرنامج الذي يوصف عادة بانه quot; مثير للجدل quot; ماض في طريقه كقطار quot; بلا كوابحquot; كما وصفه مرة الرئيس الايراني احمدي نجاد.
وبالطبع لم تكن الكوابح هي تلك الخطوات التي اتخذها مجلس الامن منذ احالة الملف النووي اليه في اوائل عام 2006 لكنها كانت بمثابة علامات اشارية على الطريق بأن يهدئ القطار من سرعته والا.
فالقرار الذي حمل رقم 1747 والصادر عن مجلس الامن في 24 مارس 2007 صدر باجماع الآراء، وكانت تلك اشارة هامة، وذهب خطوة ابعد من القرار الاول رقم 1737 الذي صدر في ديسمبر / كانون الاول عام 2006.
فقد فرض القرار الجديد حظراً علي بيع وشراء الأسلحة من ايران مما قد يعني فرض حصار علي التسلح الايراني اضافة الى تجميد ارصدة العديد من الاشخاص المنخرطين في البرامج النووية والصاروخية الايرانية.
مفاوضات بلا طائل
وقد مثلت تلك العقوبات من جهة ثانية لحظات المرارة والفشل التي منيت بها جولات طويلة وماراثونية من المفاوضات بين ايران من جهة وكل من الوكالة الدولية للطاقة الذرية ورئيسها محمد البرادعي والاتحاد الاوروبي ممثلا بخافير سولانا المنسق الاعلى للسياسة الخارجية بخلاف المفاوضات مع الروس حول المقترحات الروسية بتخصيب اليورانيوم الايراني على اراضيها.
كل هذه المفاوضات لم تؤد الى نتيجة مرضية، ان ادت الى اي نتيجة على الاطلاق، لتبرهن على الذكاء الشديد للدبلوماسية الايرانية في ادارة معركة التفاوض مع العالم الخارجي والامم المتحدة في الوقت الذي مضى فيه قطار البرنامج الايراني ليقطع اشواطا مهمة.
ويكفي ان نعرف الزيادة المطردة لاجهزة الطرد المركزي الايراني والتي تقوم بعمليات التخصيب حتى ندرك كيف نجحت ايران في الحفاظ على ايقاع نمو لبرنامجها النووي خلال 2007 يتجاوز بمراحل ايقاع التفاوض.
فقد امتلكت إيران عند بدء المفاوضات مع الترويكا الأوروبية 164 جهازاً للطرد المركزي، وعند نهاية 2004 كان لدى إيران 500 جهاز تعمل بأقصى طاقتها، ، وفي عام 2007 تشغّل إيران ثلاثة آلاف جهاز بأقصى طاقتها، وتطمح الى تركيب اكثر من 50 الف جهاز في المستقبل المنظور.
ومن الواضح ان ايران راكمت خبرات تفاوضية منذ ان فرض الملف النووي الايراني نفسه كأحد الملفات الساخنة على الساحة الدولية في عام 2003 بعد ان اتضح ان طهران تدير انشطة نووية سرية بعيدا عن اعين الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وبذلك يكون عام 2007 بامتياز عام آخر في المفاوضات التي ادارها فريق التفاوض الايراني بحنكة تحت قيادة علي لاريجاني قبل ان يسلم المسؤولية الى خلفه سعيد جليلي تلك المفاوضات التي تبدو وكأنها مفتوحة دون نهاية وشيكة في الافق.
حافة الهاوية
تراوحت المواقف الايرانية بين المرونة والتشدد دون ان تصل ابدا الى نقطة اللاعودة رغم التصريحات النارية والمواقف المتشددة لاحمدي نجاد والتي وصفها البعض بانها تمثل سياسة حافة الهاوية.
وفي الحقيقة،كما الجانب الايراني، فقد حرص الطرف الرئيسي الثاني في لعبة شد الحبل النووية وهو الولايات المتحدة الاميركية بدوره على عدم الوصول الى نقطة اللاعودة رغم انها لوحت كثيرا باستخدام الخيار العسكري.
فلا ايران انسحبت من معاهدة حظر الانتشار النووي، وهو ما هددت به كثيرا، ولا الولايات المتحدة شنت ضدها عملا عسكريا.
ويتفق محللون على ان استراتيجة ايران التفاوضية هي استثمار المفاوضات الدولية لكسب الوقت وتحصيل أكبر قدر من المكاسب التقنية، على خلفية التناقض في مصالح الأقطاب الدولية
ويلخص كبير المفاوضين الإيرانيين السابق حسن روحاني الى نتيجة العملية التفاوضية حين اشار الى ان quot;ساعتها سيتغير الوضع وسيتعين على العالم الاعتراف لإيران بالقدرة على امتلاك دورة الوقود النووي، فالعالم لم يرغب في امتلاك باكستان القنبلة أو امتلاك البرازيل دورة الوقود النووي، لكنه كان مضطراً للتعامل مع هذه الحقائقquot;.
هذا ما تحاول ايران الوصول اليه قبول الدول الكبرى بالامر الواقع كونها قوة نووية.
شكوك فوق شكوك
مما عزز مراوحة الازمة النووية لايران مكانها ان الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي الهيئة الدولية المنوط بها الاشراف والرقابة على استخدامات الدول للطاقة النووية، لم تحسم الامر بشأن طبيعة البرنامج النووي لايران
وبدا الامر هنا شبيها الى حد بعيد بعملية التفاوض فكلاهما رغم تحقيق بعض التقدم خلال 2007 لم يصلا الى حسم ما.
فها هو مدير الوكالة محمد البرادعي يقول في 5 مارس في اجتماع لمجلس الوكالة في فيينا انه بعد 4 سنوات من مراقبة انشطة ايران النووية فإن الوكالة quot; لا تستطيع ان تقدم التأكيدات المطلوبة بخصوص الطبيعة السلمية للبرنامج النووي الايرانيquot;.
ولم تكن هذه هي المرة الاولى ولا الاخيرة التي يردد فيها مسؤول الوكالة الاول مثل هذه التصريحات التي لا تدين ولا تبرأ ايران فقد عاد البرادعي في 22 من نوفمبر/ تشرين الثاني من نفس العام لينثر شكوك الوكالة الدولية للطاقة الذرية مجددا في طبيعة البرنامج النووي الايراني.
فقد اعلن البرادعي في اجتماع لمجلس حكام الوكالة ان سجل ايران في اخفاء انشطتها النووية يعني ان الامم المتحدة لا تستطيع ان تكون على ثقة حيال انشطة ايران الحالية.
غياب الحسم
لم يشهد عام 2007 مفاجأت او منعطفات هامة في مسار ازمة البرنامج النووي الايراني المعقدة، حيث راوحت الازمة مكانها وواصلت كل الاطراف السعي نفسه الذي بدأته من قبل.
وان كانت الازمة النووية لم تشهد مفاجأت من العيار الثقيل الا انه لم تكد شمس 2007 تميل الى الغروب والا وكشفت الاستخبارات الاميركية عن مفاجأة كان لها وقعها حيث اكدت عن ثقة ان ايران اوقفت برنامجها النووي العسكري عام 2003 ولم تعد اليه منذ ذلك الحين.
وهو التقرير الذي رأى فيه طرفا الازمة كل وما يهوى، ففي الوقت الذي تعلقت به ايران كشهادة براءة لم تغير الادارة الاميركية موقفها حيث رأت فيه واشنطن دليلا على ان ايران كانت تدير برنامجا لتصنيع الاسلحة الذرية في السر وبذلك كذب التقرير دعاوى طهران بسلمية ذلك البرنامج.
ويرى المتتبعون لهذه الازمة ان الادارة الاميركية لم تغير موقفها، وعلى الارجح لن تغيره حتى لو تأكد لها تماما ان ايران اوقفت فعلا برنامجها النووي العسكري، لان القضية لم تعد فيما اذا كانت ايران تستهدف من برنامجها النووي ما هو ابعد من الاستخدامات السلمية.
وانما القضية الآن هي قرار الولايات المتحدة ومن خلفها حلفائها الغربيين بعدم السماح لايران بامتلاك اسرار الطاقة النووية التي يمكن في اي وقت توظف لانتاج اسلحة ذرية حين يصبح المناخ الدولي مواتيا ولان القوى الغربية تراودها الشكوك تجاه رغبة ايران في فرض هيمنتها الاقليمية في منطقة شددية الحيوية تتقاطع فيها المصالح.