اليسار الإسرائيلي يخسر اثنان من رموزه واليمين يستعيد نجل زعيمه
إستقامة بيغن الإبن في مواجهة إستقامة ليفني

نضال وتد- تل أبيب: عندما قررت تسيبي ليفني، أن تكون نزاهتها واستقامتها، حجر الرحى لمعركتها الانتخابية، كانت تعتقد أن أيا من منافيسها، سواء داخل كديما، أم خارجها في اليمين واليسار سيتمكن من تحدي هذه الاستقامة أو طرح بديل لها أو خصم ينازعها على اللقب. لكن من شأن إعلان بينيامين بيغن، نجل زعيم اليمين الإسرائيلي التاريخي ورئيس حكومة الليكود التي أبرمته معاهدة السلام مع مصر، عن عزمه العودة إلى السياسة والتنافس على مقعد في لائحة الليكود أن يقلب الصورة رأسا على عقب، ويتحدى استقامة ليفني العامة ونظافة كفيها باستقامة سياسة كسب رصيدها خلال عمله السياسي، عن جدارة دون أن يسرق مقعده من حزبه السابق أو أن يغير مواقفه السياسية بعد الانتخابات.

ويشكل إعلان بيغن الإبن نقطة تسجل لصالح زعيم الليكود بينيامين نتنياهو في سعيه لتوحيد اليمين الإسرائيلي، المناهض لأوسلو، تحت رايته من جهة، وتحديا لا يمكن تجاهله بالنسبة لتسيبي ليفني من جهة أخرى، في وقت خسر فيه اليسار الإسرائيلي التقليد، المؤيد لأوسلو، اثنين من رموزه التاريخيين وهما يوسي بيلين الذي أعلن الأسبوع الماضي عن اعتزاله السياسية، بعد أن كان القوة المحركة لكثير من التحولات السياسية الإسرائيلية، وعلى رأسها إقناع كل من بيرس ورابين، بإطلاق مفاوضات أوسلو مع منظمة التحرير وفك المفاوضات مع الفلسطينيين من quot;إسارquot; الوفد الفلسطيني الأردني المشتركquot; ومن quot;إسارquot; الموقف العربي المشترك في مؤتمر مدريد. أما الرمز الثاني فهو عضو الكنيست ران كوهين، زعيم حركة ميرتس سابقا، وأحد أوائل المنادين بالتفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية إبان الانتفاضة الأولى.

وفي الوقت الذي داهمت فيه هذه الاستقالات معسكر اليسار الإسرائيلي، فإن اليمين، وتحديدا الليكود، رحب بقرار بيغن الإبن بالعودة إلى السياسة ومن بوابة الليكود على وجه التحديد. فقد اعتبر رئيس كتلة الليكود في الكنيست، عضو الكنيست غدعون ساعر أن عودة بيغن إلى صفوف الحزب هي دفعة قوية إلى الأمام وزيادة نوعية في القوى البشرية للحزب.

ووفقا للصحافة الإسرائيلية، فإن قرار بيغن جاء بعد لقاءات متكررة مع زعيم الليكود نتنياهو، علما بأن بيغن كان انسحب من حكومة الليكود عام 1997 واستقال من منصب وزير العلوم، احتجاجا على إقرار نتنياهو ومصادقته على اتفاقية الخليل. واعتبر بيغن هذا الموقف خروجا عن الخطوط العريضة للحزب ولفكر حركة حيروت التاريخية ونقضا لفكر ارض إسرائيل الكاملة. وكان بيغن الوحيد بين أعضاء الليكود الذي عارض ورفض بشدة لقاءات نتنياهو بالئيس الفلسطيني ياسر عرفات.

استقامة ونزاهة ومواقف يمينية متصلبة

عُرف بيغن الإبن خلال خوضه المعترك السياسي في إسرائيل، بتمسكه بمواقف حركة حيروت التاريخية وشعاراتها التاريخية ( للأردن ضفتين، هذه لنا وهذه لنا أيضا)، ورفضه لأي تسوية إقليمية مع الفلسطينيين، بل اعتاد خلال حكومة بيرس ورابين، وفيما بعد إبان حكومة نتنياهو التي كان وزيرا فيها، على استعراض ما اعتبره بشكل مثابر خروقات الفلسطينيين لإعلان المبادئ في أوسلو، وبعد توقيع اتفاق الخليل انسحب من الليكود وشكل حزبا جديدا، اسماه حيروت الاتحاد القومي. لكن بيغن الذي خاض الانتخابات العامة للكنيست عام 1998، مرشحا نفسه لرئاسة الحكومة اضطر إلى التراجع عن الانتخابات لرئاسة الحكومة، واكتفي بقيادة الحزب الجديد الذي لم يحصل سوى على أربعة مقاعد في الكنيست. شعر بيغن بخيبة أمل كبيرة من اليمين الإسرائيلي بعد أن كان يتوقع أن يحصل حزبه على عدد كبير من المقاعد، فما كان منه إلا الاستقالة من الكنيست واعتزال السياسة ليعود إلى عمله في المعهد الإسرائيلي الجيولوجي.

لكن بيغن أبقى بصماته في الكنيست وحظي بإقرار خصومه كافة بنزاهته المفرطة ونظافة كفيه لدرجة أطلق عليه لقب مستر كليين. من هنا تشكل عودة بيغن للسياسة الإسرائيلية مصدرا quot;لألم رأس quot; كبير عند تسيبي ليفني التي كانت بنت ولا تزال على رصيدها النظيف والخالي من شبهات وتهم الفساد، إضافة إلى ذلك فإن بيغن الإبن المعروف بحدة لسنه وذكائه المتوقد من شأنه أن يكون طوق النجاة وطريق نتنياهو للفوز واستعادة ثقة الناخب اليميني المتطرف. فمع وجود بيغن الإبن في لائحة الليكود، فإن ذلك سيعيد لليكود أصوات كثيرة فرت إلى أحزاب أكثر يمينة، مثل حزب يسرائيل بيتنا الذي يقوده ليبرمان، أو حزب المفدال الاتحاد القومي.

نتنياهو ماض في طريق استعادة الأمراء واصطياد النجوم

لكن عودة بيغن الإبن ليست الحدث أو السيناريو الوحيد الذي يمكن له أن يضرب تسيبي ليفني بنفس السلاح، غذ يجري نتنياهو، وفق ما ذكرا مصادر حزبية مختلفة اتصالات مكثفة مع quot;أميرquot; آخر من أمراء الليكود، يتمتع هو الآخر برصيد وسمعة قوامها الاستقامة والنزاهة، وهو وزير العدل السابق، دان مريدور، نجل أحد مؤسسي حيروت التاريخيين إلياهو مريدور، وشقيق رئيس الوكالة اليهودية العالمية سالي مريدور. وكان مريدور الذي أشغل منصب وزير العدل إبان حكومة نتنياهو الأولى انسحب هو الآخر في العام 1998 من الليكود واستقال من الحكومة ليشكل مع وزير الأمن السابق، إيتسيك مردخاي، والوزير روني ميلو، والجنرال أمنون ليفكين شاحك حزب المركز، الذي خاض الانتخابات وفاز بأربعة مقاعد ولكن سرعان ما اندثر واختفى من الحلبة السياسية. اعتزل مريدور المعترك السياسي وإن كان عاد لليكود في حكومة شارون الأولى. وفي الانتخابات الأخيرة أعلن عن تأييده لكديما، أملا في تعيينه في منصب رفيع، لكن أولمرت تجاهله بعد الانتخابات. ويعتبر مريدور، وهو محامي في مهنته، من أكثر المختصين بالقضايا الإستراتيجية في إسرائيل، وفي حال تمكن نتنياهو من إقناعه بالعودة لليكود فإن ذلك سيضاعف من قوة الليكود ويشكل ضربة أخرى لحزب كديما ومرشحته تسيبي ليفني.

ورطة اليسار الإسرائيلي والأحزاب العربية

ومقابل الحركة النشطة في معسكر اليمين الإسرائيلي، فإن اليسار في إسرائيل وتحديدا حزب العمل بزعامة براك، وميرتس بزعامة حاييم أورون، يعاني من أثر صدمة الاستطلاعات العامة من جهة، واعتزال كل من بيلين وران كوهين المعترك السياسي من جهة أخرى. ففيما اضطر زعيم حزب العمل، إيهود براك إلى الإعلان عن قرار إجراء انتخابات تمهيدية لاختيار مرشحي الحزب، بعد أن وجهت له انتقادات شديدة من قبل خصومه وفي مقدمتهم الوزير عامي أيلون والنائبة يولي تمير، فإن أقطاب ميرتس اكتفوا بالإعراب عن أسفهم لاعتزال اثنين من رموز اليسار وهما بيلين وكوهين، الأمر الذي من شأنه أن يضر بالتأييد الذي سيحصل عليه اليسار التقليدي في الانتخابات العامة في العاشر من شباط.

ويحاول براك في المرحلة الراهنة تمييز نفسه عن ليفني وطروحاتها، عبر التشديد على آفاق التسوية مع سوريا، فيما أعلنت ليفني في اليام الماضية عن رأيها بضرورة تكثيف الضغوط على سوريا، كما بدأ براك، أيضا في توظيف قضية الجندي افسرائيلي غلعاد شاليط، حيث صرح السبت بأن على الحكومة الانتقالية في إسرائيل أن لا تتوقف عن مساعيها للإفراج عن شاليط.

دعوة لتوحيد الأحزاب العربية

في غضون ذلك تواصل الأحزاب العربية الممثلة في الكنيست، وهي القائمة العربية الموحدة ( تتشكل عمليا من ثلاثة أحزاب هي الحزب الديمقراطي العربي، وهو أقدم مركبات القائمة، والحركة الإسلامية بقيادة إبراهيم صرصور، والحركة العربية للتغيير بقيادة د. أحمد الطيبي، ولها أربعة أعضاء رسميا انشق عنها عضو الكنيست عباس زكور))، والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة ( وهي مكونة من الجبهة والحزب الشيوعي الإسرائيلي ولها ثلاثة أعضاء) والتجمع الوطني الديمقراطي، والذي يرأس قائمته اليوم د. جمال زحالقة)، دعواتها الأولية لتوحيد الصفوف وتشكيل قائمة مشتركة، على الأقل خلال المعركة الانتخابية. وكان رئيس الحركة العربية للتغيير ،د. أحمد الطيبي قال في لقاء مع قناة الكنيست الأسبوع الماضي إن قائمته هي الأكبر من بين القوائم العربية، وهي على استعداد للتحالف مع كل من يرغب بالانضمام إليها.

في المقابل أصدر التجمع الوطني الديموقراطي، نهاية الأسبوع الماضي بيانا صحافيا دعا فيه هو الآخر الأحزاب العربية في إسرائيل على تشكيل قائمة تحالفية مع الحفاظ على مميزات كل حزب وحزب فيها، مصرحا في الوقت ذاته أن الدعوة هي للتحالف بين التيارات الرئيسية الثلاثة في الوسط العربي وهي التيار الإسلامي (الذي تمثله الحركة الإسلامية بقيادة إبراهيم صرصور، وهو ما يستثني من الدعوة كلا من الحزب الديموقراطي العربي والحركة العربية للتغيير ، وأعلنت الحركة الإسلامية على لسان إبراهيم صرصور رفضها فك التحالف القائم بينها، والتأكيد على أن القائمة العربية هي وحدة واحدة) والتيار الماركسي الشيوعي ممثلا بالجبهة والحزب الشيوعي، والتيار القومي، والمقصود فيه حزب التجمع الوطني نفسه.

إلى ذلك فإن التقديرات السائدة حاليا في الوسط العربي تشير إلى أن الإعلان عن الحزب الجديد، بقيادة عباس زكور لن يتمخض بالضرورة عن قيام قائمة جديدة، لا سيما وأن كلا من الوزير مجادلة وزميله شقيب شنان من حزب العمل لم يقرا ، حاليا، بأنهما سينضمان للحزب الجديد، إذ أعلن مجادلة أنه سيعلن قراره الاثنين بعد التشاور مع اللواء العربي في حزب العمل. وقالت مصادر حزبية إنه من المحتمل أن يتم التوصل إلى اتفاق مع عباس زكور يتمثل بإدراجه على لائحة أحد القوائم العربية وتحديدا القائمة الموحدة، منعا لتبديد أصوات عربية وحرقها، خصوصا وأن نسبة الحسم المطلوبة في الانتخابات، تلزم الحزب المرشح بالحصول على ما لا يقل عن 65000 صوتا على الإقل تبعا لنسبة التصويت العامة، وخصوصا نسبة التصويت في الوسط العربي، حيث تخشى الأحزاب العربية من إحجام الجمهور العربي عن المشاركة في الانتخابات بنسبة عالية، مما قد يهدد بعض الأحزاب بعدم اجتياز نسبة الحسم.