كامل الشيرازي من الجزائر : قال أكاديمي جزائري ، إنّ بلاده تراهن على تأسيس مرجعيات تاريخية عميقة لطالما نادى بها مؤرخون وباحثون ومثقفون جزائريون، من خلال تنظيم الملتقى الدولي حول quot;تراث الأمير عبد القادر الجزائري بين الخصوصية والعالميةquot; الذي يصادف الذكرى المئوية الثانية لميلاد الأمير عبد القادر (1807 ndash; 1883) رائد المقاومة ومؤسس الدولة الجزائرية الحديثة.
وأفاد الدكتور بوعلام بلقاسمي، إنّ الموعد المذكور الذي سيُفتتح بعد غد السبت بمدينة وهران الغربية، يتطلع إلى ترسيخ نهج جديد في مناقشة التراث المتجذر لشخصية الأمير عبد القادر، من خلال الغوص في خصوصيته بين المقاومة المحلية وتفتحه على الفكر العالمي والإنساني.

وأورد د/بلقاسمي أنّ التظاهرة العلمية المرتقبة، ستحاول إرساء تقاليد علمية بجدية أكثر بعيدا عن الأساليب المهرجانية، حيث سيشهد المحفل إلقاء 46 محاضرة من طرف باحثين ومؤرخين من 8 بلدان، على أن تتمحور الإشكالية الرئيسية للملتقى حول ما تبقى من تراث الأمير عبد القادر، وكيف للجزائر أن توظف هذا التراث في ثقافتها وسياساتها وفي تعليمها ومنظومتها التربوية.

وسيتناول ملتقى الأمير الذي سيدوم يومين، مواضيع لها علاقة بالفكر العميق للأمير quot;كنموذج إنساني متميزquot; كتب 16 ألف رسالة وترك ورائه العديد من الدواوين الشعرية والنفائس الأدبية، ناهيك عن سجالاته مع أبرز المفكرين الأجانب، وسيتم كذلك إلقاء محاضرات تحتوي على مقاربات تحليلية حول ازدواجية تراث الأمير عبد القادر بين المقاومة وتأسيس الدولة، فضلا عن كتابات الآخرين من المفكرين العالميين حول البعد الإنساني لفكر الأمير وشخصه، بالإضافة إلى إلمامه بمسألة الحداثة وحتمية التجديد وكذا الأبعاد الروحية في تراثه وعن تصوفه وأدبه وسياسته وفكره.

وبالإضافة إلى فعاليات هامة من النخب وكذا إطارات المجتمع المدني الجزائري التي ستشارك في هذه التظاهرة العلمية، ستنظم قيادة الجيش بالتنسيق مع المتحف العسكري المركزي معرضا نوعيا يحتوي على بيانات تاريخية عن مقاومة الأمير عبد القادر للمحتل الفرنسي وصور نادرة حول معاركه الشهيرة مثل معركتي quot;المقطعquot; و خنق النطاحquot; و معاهداته مثل معاهدة quot;تافنةquot; وأوسمته وسيفه ومخطوطاته، فيما سينتظم بالموازاة معرض فني يضم 39 لوحة زيتية حول الأمير بدمشق.
وعاد الأمير عبد القادر هذا العام بقوة في الذكرى المئوية الثانية لميلاده، من خلال المؤلف الفريد quot;ملحمة الحكمةquot; الذي تناول مآثره ومناقب سيرته الذاتية، إذ كان quot;محاربا صوفيا وشاعرا، رجل دولة وحاكما إداريا متصرفا ماليا ومنطقيا رياضيا مفوضا ودبلوماسياquot;.

ويعتبر أ/زكي بوزيد أنّ الاهتمام الذي تستدعيه الخصال والإسهامات المتصلة بالأمير، تثبت أنّ ميدان تأثيره ما زال نشيطا، مشيرا إلى الكمّ الهائل من النتاجات الأدبية والتاريخية التي تؤكد على أنّ مواهب الأمير متعددة، في صورة ما زخرت به أشعاره الخالدة كالقصيدة العنقاء quot;يا سواد العينquot;.

من جهته، يقول الوزير السابق quot;كمال بوشامةquot;، أنّ الأمير سعى إلى تأسيس استقلالية العرب في الجزائر تحت سلطة واحدة، مضيفا أنّ الأمير كان عادلا ويسمي العدل والعلم والشجاعة والاعتدال quot;أم الفضائلquot;، بينما لاحظ القائد الروحي للطريقة العلوية الشيخ quot;خالد بن تونسquot;، أنّ الأمير انتهج تجربة روحية اتكأت على السلوك الصوفي الموروث عن السيرة المحمدية، كما نهل من معين quot;ابن عربيquot; وما خلفه من إرث روحي وثلاثية quot;التعلق فالتخلق ثم التحققquot;.
ويلتقي كل من الدبلوماسي quot;إدريس الجزائريquot; أحد أحفاد الأمير، وأسقف الجزائر السابق quot;هنري تيسييquot; وquot;بوعلام بسايحquot; رئيس المجلس الدستوري، في كون الأمير عبد القادر كان سباقا إلى احترام القانون الدولي الإنساني قبل توثيقه، ما يجعله في مرتبة الرائد للقانون الإنساني ومنشد الحوار بين الديانات، ومفكر في الحداثة، على حد وصف عالم الاجتماع الجزائري quot;عبد القادر جغلولquot;، بينما يشدد quot;محمد بوطالبquot; رئيس مؤسسة الأمير عبد القادر على ضرورة إماطة اللثام عن الكثير من الزوايا التي لا تزال مجهولة وغامضة في شخصية الأمير، وإظهار زيف المغالطات التي تحيط بشخصية هذا البطل quot;السابق لأوانهquot;.

الأمير في سطور
هو الشيخ الأمير عبد القادر بن الأمير محيي الدين بن مصطفى بن محمد بن المختار ولد في مايو/آيار 1807م، بقرية quot;القيطنةquot; بوادي الحمام في ولاية معسكر (أقاصي الغرب الجزائري)، اشتهر والده quot;محيي الدينquot; بوطنيته، واصطحب نجله عبد القادر منذ صباه عام 1241هـ/ 1825م، إلى رحلة طويلة جاب خلالها تونس ثم مصر والحجاز وبلاد الشام والعراق وأخيرا مدينتي برقة وطرابلس، ودرس الأمير الفلسفة من أرسطو طاليس وفيثاغورس إلى رسائل إخوان الصفا، كما انكب على مدارسة علوم الفقه والحديث، وأجاد أسرار ألفية النحو، والمنطق وعلوم القرآن، كما برع في فنون القتال والفروسية، وكتب الشعر منذ شبابه الأول.

وهبّ الأمير عبد القادر منذ احتلال فرنسا للجزائر في يوليو/تموز 1830م، ليذود عن وطنه، وتمّت مبايعته أميرا وأطلق عليه لقب quot;ناصر الدينquot; في 20 نوفمبر 1832، فاضطرت فرنسا إلى عقد اتفاقية هدنة مع الأمير أطلق عليها quot;اتفاقية دي ميشيلquot; سنة 1834م، كما أرغمت أيضا على الاعتراف بدولة الأمير عبد القادر، وبعد أقل من عام نقض الجانب الفرنسي الهدنة، فأعلن الأمير الجهاد وألحق بالجيوش الفرنسية هزائم عديدة في مواقع مختلفة، ما جعل فرنسا تعود ثانية للمطالبة بهدنة سنة 1837م، وبقيت الحرب سجالا إلى غاية العام 1847م، حيث تسبب نفاذ المؤونة والعتاد وتدهور الوضع المعيشي للسكان المحليين في حمل الأمير على التفاوض مع الفرنسيين، وكان إبرام معاهدة استسلام في 23 ديسمبر/كانون الأول 1847م، بيد أنّ فرنسا نقضت ما تعهدت به وزجت الأمير في أحد سجونها، بعدما وعدته في وقت أول بالسماح له بالهجرة إلى الإسكندرية أو عكا رفقة أتباعه.

وبعدما أفرج عنه بأمر من quot;نابليون الثالثquot;، غادر الأمير إلى بلاد الشام عام 1860م، واستطاع هناك أن يطفئ شرارة الفتنة بين المسلمين والمسيحيين، وحال دون الفتك بأكثر من 15 ألف مسيحي استجاروا به، قبل أن يتوفى في بيته العتيق بدمشق منتصف ليلة 24 مايو/آيار 1883 عن عمر يناهز 76 عامًا، حيث دُفن بجوار الشيخ ابن عربي بمنطقة الصالحية، ليُنقل جثمانه إلى مسقط رأسه بالجزائر بعد استقلالها في الخامس يوليو/تموز 1962.