يخزنون المواد الغذائية ويعدّون العدة للرحيل أو البقاء
أهالي جنوب لبنان لا يفكرون إلا بالحرب

ترجمة إيلي الحاج : لا يتحدث اللبنانيون عادة صراحة وبعفوية عن اقتناعاتهم ونظرتهم إلى الأوضاع وإلى مواطنيهم من الطوائف الأخرى أمام صحافيين. لكنهم يسترسلون أمام الأجانب أو الصحافيين الذين يكتبون بلغات أجنبية، وربما لاعتقادهم أن ما يقال لن يصل إلى أحد، يقولون كلاماً مختلفاً عن المألوف.

أتاحت هذه النظرة للصحافية باتريسيا خضر، من جريدة quot;لوريان لوجورquot; الصادرة بالفرنسية في بيروت، أن تجمع مواد لافتة لتحقيق ميداني نشرته الصحيفة اليوم، ركز الضوء على أوضاع سكان جنوب لبنان الذين بات يسكنهم هاجس تجدد الحرب مع إسرائيل. تحقيق يترك للمرء أن يستنتج:

الأهالي في مدينة صور وبلدات تبنين وبنت جبيل ورميش يخشون الأسوأ ويستعدون له بما يتيسر لهم من إحتياطات. كثيرون منهم لا يعرفون إلى أين يلجأون إذا تجددت الهجمات الإسرائيلية، وآخرون في بنت جبيل وتبنين خصوصاً جددوا جوازات سفرهم للإلتحاق بأفراد من عائلاتهم في الخارج. وثمة من استأجروا منازل في بعض المناطق البعيدة عن الجنوب. وفي بعض الأنحاء كما في بلدة رميش المسيحية التي استقبلت آلاف النازحين إليها خلال حرب تموز/ يوليو 2006 بدأ الأهالي يخزنون المواد الغذائية.

في صور المدينة التي عزلتها الغارات الإسرائيلية عن العالم خلال تموز 2006، يقول ثلاثة رجال في الحي الصناعي : quot;ننتظر الإسرائيليين بثبات وعزمquot;. الثلاثة لبنانيون لكن أحدهم يحمل الجنسية السويدية والآخرين وُلدا في برلين ويحملان الجنسية الألمانية. هؤلاء الأوروبيون اللبنانيو الأصل يناصرون الأمين العام لquot;حزب اللهquot; السيد حسن نصرالله، ويظهرون على غرار رفاقهم في صور وجنوب لبنان إعجاباً كبيراً بزعيم quot;التيار الوطني الحرquot; الجنرال ميشال عون.

فوزي المولود في برلين يبرز هويته اللبنانية وصوراً له يحمل فيها رشاش quot;كلاشينكوفquot; ويرتدي ثياباً عسكرية : quot;كنت هنا خلال حرب صيف 2006 ولم أذهب إلى ألمانيا، وإذا تجددت المعارك سأقاتلquot;. لكن نساء الرجال الثلاثة الذين يمارسون تجارة السيارات وأولادهم هم في السويد وألمانيا.

وأبعد قليلاً في الحي الصناعي نفسه في صور يتناول رجال ونساء القهوة. ولا تخفي خديجة التي تغطي رأسها بحجاب عليه رسوم زهور أنها قلقة :quot; لا نعرف إلى أين نذهب إذا وقعت الحرب. في تموز 2006 استقبلونا في بيروت. هل سيستقبلوننا بالترحاب نفسه هذه المرة؟quot;. وتضيف:quot; صراحة، إذا اندلعت الحرب سنخشى التوجه إلى بيروتquot;.
وقالت تيسير: quot; نحن معتادون على الحرب. والمرة الماضية هربنا حتى... طرابلس، لكن أياً من أفراد عائلتي لم يكن في سورياquot;.

تقود الطريق في قضاء صور إلى تبنين، أول بلدة في قضاء بنت جبيل ومسقط رأس رئيس مجلس النواب نبيه بري. سكان هذه البلدة في معظمهم يعيش أفراد من عائلاتهم في الولايات المتحدة الأميركية، وكثيرون منهم جددوا جوازات سفرهم.

تفريغ الجنوب من الشيعة
ويقول علي، الذي يملك عدداً من المتاجر في البلدة: quot; كل الناس هنا خائفون من الحرب، ومن يقل لك العكس يكذب. الحرب أصبحت هاجسنا، لا نفكر إلا فيهاquot;. يقيم علي في البلدة مع زوجته وابنتيه، وله ابنة أخرى تعيش في كندا. ويشدد في قوله : إذا اندلعت الحرب فلن أترك بيتي. أمضيت 34 يوماً في بيروت بين تموز/ يوليو وأب/أغسطس 2006. لا أريد الذل مرة أخرى ولا أن يؤويني حتى لو كانوا أهلي. سأبقى هنا، في بيتيquot;.
أشياء كثيرة تقلق علي، مثل عدم قدرته على تخزين المواد الضرورية بسبب الأزمة الإقتصادية، وعدم وجود ملاجىء في جنوب لبنان:quot;إذا أردنا خوض الحرب فنحتاج إلى ملاجىء تقينا صواريخ الطيران الحربي الإسرائيلي... ولكن لا ملاجىء، يا للأسفquot;.

وفي مطعم فلافل في تبنين يقول أحمد الذي هرب من الحرب المرة الماضية 18 يوماً إنه في المرة المقبلة لن يترك بلدته، ويضيف باقتناع : quot; إسرائيل والحكومة اللبنانية وضعا خطة. يريدان تفريغ المنطقة من سكانها الشيعة. ونحن أقلية في الشرق الأوسط... أما النساء والأطفال فستكون لهم حرية أن يغادروا... وإذا لم يُستقبلوا في وسط بيروت فسنردّ وستكون مواجهة بين الشيعة والسنةquot;.
ويروي أحمد أن كثيرين من جيرانه بدأوا يستأجرون شققاً خارج الجنوب quot;ولكن ليس في الشوف... تعلمين، في بعض البلدات هناك لا يؤجرون الشيعةquot;.

وتخبر سميرة، ذات العينين الخضراوين، ان كثراً من جيرانها تقدموا بطلبات جواز سفر وآخرين استأجروا منازل خارج الجنوب: quot; أهلي يقيمون في بيروت وهربت إلى عندهم في حرب 2006. لن أهرب مرة أخرى ولا أريد أن أشعر بالذل مجدداً. بعضهم يقول إن حزب الله وقف في وجه إسرائيل، ولكن يجب ألا نخدع أنفسنا فقد خسرنا الحرب... أود أن أعرف ماذا أفاد كل هذا الدمار؟quot;.
وتقول أيضاً: quot; القوة الدولية ( اليونيفيل) خائفة. كنا نعتقد أنها تحمينا، ولكن عليكِ أن تري الجنود... كأنهم هم يحتاجون إلى من يحميهم...quot;.

طحين وشموع وماء
أبعد قليلاً تنتصب بنت جبيل، عاصمة القضاء التي دمرها القصف الإسرائيلي في شكل شبه كلي خلال تموز/ يوليو 2006 وهي اليوم ورشة بناء بفضل المساعدات المالية التي قدمتها قطر. في هذه المدينة - رمز مقاومة quot;حزب اللهquot; - أعد كثيرون من الأهالي جوازات سفرهم للرحيل في حال تجدد الهجمات الإسرائيلية، بعضهم للإلتحاق بأنسباء لهم في الولايات المتحدة وبعضهم إلى مصر.
حسن الذي كان جالساً مع مجموعة من أصدقائه أعد منذ ثلاثة أسابيع خمسة جوازات، له ولزوجته وأولاده الثلاثة الذين تراوح أعمارهم من 3 سنوات إلى 13. يقول بتصميم إنه سيغادر لبنان إذا وقعت الحرب: quot; بيتي على طرف المدينة قبالة إسرائيل. قبل سنتين انتقلت إلى سوق الغرب، وهذه المرة لن أبقى في لبنانquot;. وعلى غرار آخرين من أهل بنت جبيل لا يخفي قلقه الشديد، ويتساءل عن المصير الذي يجري إعداده لسكان الجنوب.

وتقول قمر : quot;المرة الماضية تركت بيتي بquot;البابوجquot; ولجأت إلى الشوف. لا أريد أن أترك بيتي مجدداً. أريد العيش بسلامquot;.
إلى جانبها كانت السبعينية فاطمة التي أكملت عنها :quot; بيتي تدمّر ثلاث مرات. في 1978 وفي 1982 و2006. أسكن الآن عند إبني في انتظار إعادة بناء منزلي. أريد البقاء في منزلي مرة نهائية وأخيرة. أريد أن أرتاح. لم أعد أتحمل الحروبquot;. لكن إبنها، نضال، لا يوافقها الرأي، ويندد بحرب تُخاض ضد طائفته في quot;مخطط يرمي إلى تفريغ الجنوب من الشيعةquot;. ويؤكد أن اللبنانيين المنتمين إلى طوائف أخرى ربما لن يستقبلوا الشيعة بالترحاب هذه المرة إذا وقعت حربquot;.
وتقاطعه والدته: quot; أقمت في الشوف سنة 2006 عند الدروز واستقبلونا أفضل استقبال وعاملونا أفضل معاملة. وإذا اضطررنا للرحيل فإن الطوائف الأخرى ستستقبلنا مثل كل مرة. نحن كلنا لبنانيونquot;.

رميش تستعد
تقع رميش بمحاذاة quot;الخط الأزرقquot; الفاصل بين لبنان وإسرائيل. البلدة الحدودية ذات الغالبية المارونية إستقبلت أكثر من 20 ألف نازح من المناطق المجاورة خلال حرب صيف 2006. تضم رميش في أيام الصيف العادية 15 ألفاً من أهلها، وافتقدت في الحرب كل شيء: المواد الأولية الغذائية، كالخبز والمياه، إضافة إلى الشمع طوال 34 يوماً هي مدة الحرب الإسرائيلية على لبنان.
الناس هنا يعيشون مرارة. يقول إيلي : quot; لا نستعد للحرب. أنظري، إسرائيل قبالتنا. نحن معتادون المعركةquot;. ويشير إلى جبل مجاور، مضيفاً بغضب: quot; سنبقى متمسكين بأرضنا. لن نتركها. وسنستقبل أيضاً النازحين من الطوائف الأخرى. سنصمد، وسيتهموننا مهما فعلنا بأننا عملاء لإسرائيلquot;.

أهالي رميش الذين قبضوا أثمان ما باعوا من تبغ منذ أسابيع يشترون بها مواد غذائية للتخزين. وتروي إيفون، والدة ثلاثة صبيان، أن كل عائلة اشترت أقله كيس طحين زنة 50 كيلوغراماً. ويخزن الأهالي ماء الشفة أيضاً، والسكر، والأرز، والحليب، والشمع. quot; المتاجر تفرغ كل مرة بعد ساعات من وصول البضائع من بيروتquot;. صديقات إيفون يؤكدن ما تقول.
ماذا سيفعلون بكل ما خزنوه إن لم تندلع الحرب؟ أهالي رميش يؤكدون أن المؤن لن تذهب إهداراً.