خلف خلف من رام الله: يستعرض الخبير الاستراتيجي الإسرائيلي داني باركوفيتش خمس سيناريوهات لحرب قد تشتعل بين كل من سوريا وإٍسرائيل، وذلك في أعقاب اعتراف الرئيس السوري حافظ الاسد بتبادل الرسائل عبر وسطاء بين سوريا وإسرائيل لفحص امكانية استئناف المفاوضات. جاء ذلك الاعتراف خلال خطاب القاه يوم الأحد الماضي في اجتماع لقيادة حزب البعث في دمشق. لكنه في الخطاب ذاته، عاد وأكد أن quot;بلاده ستستمر في المقاومة والممانعة لسياسات أميركا وإسرائيل العدوانية في الشرق الأوسطquot;.

ويطرح السلام بين سوريا وإسرائيل سيناريو تدهور الأوضاع بين الطرفين لمستوى حرب، خاصة أنهما يخضعان لمعضلة أمن على نحو يزيد التوتر بينهماndash; لا يوجد أي طرف يرغب في الحرب، لكن لا يوجد أي طرف في الآن نفسه مطمئناً مما يتصل بنوايا الطرف الآخر. فعندما تحسن إحدى الجهتين استعدادها وتحاول زيادة أمنها، لا تستطيع الأخرى أن تبقى هادئة فتخاف إجراء هجوميا استباقيا.

في هذا الواقع التأليف بين مستوى عال من التشكك المتبادل، وعدم القراءة الصحيحة لإجراءات الطرف الآخر، وتحسين الاستعداد المتبادل وساحة إقليمية قابلة للانفجار، كل ذلك يقتضي الفحص عن إمكانات التدهور إلى حرب بين إسرائيل وسوريا، وهو ما أستعرضه الخبير الاستراتيجي الإسرائيلي داني باركوفيتش، معتبرًا أن السيناريوهات التي قد تفضي لحدوث ذلك خمسة، وهي:

أولاً: تدهور مصدره تشويهات التصور وتفسير خاطئ لإجراءات الطرف الآخر ndash; على حسب هذا السيناريو، تأخذ سوريا وإسرائيل بخطوات مختلفة، وقد تفسر كل واحدة منهما هذه الخطوات على أنها عدوانية، وإن الجهد لتأسيس ميزان ردع متبادل يزيد مخاوف كل طرف من إجراء عدواني بمبادرة من الطرف الآخر. تستكمل سوريا خطوات استعداد وتوثق علاقاتها بإيران، وفي ضمنها العلاقات في المجال العسكري، على أن ذلك جبهتها الداخلية الإستراتيجية.

أما في إسرائيل فيعلن بتدريبات الجيش الإسرائيلي التي تتصل بمواجهة سوريا، إلى جانب إظهار إعلامي عال لإمكانية الحرب مع سوريا والاستعداد لها. في هذه الظروف سيكون مستوى الريبة عاليا جدا إلى حد انه يكفي إجراء شاذ من جهة سوريا لتعتقد إسرائيل أن سوريا متجهة إلى الحرب ولتزن أن توجه إليها ضربة استباقي. وإسرائيل في الأصل تنسب إلى سوريا نوايا عدوانية وميلا إلى إساءة التصرف، وإن مجرد استمرارها في مساعدة حزب الله والمنظمات الفلسطينية لا يسهم في التهدئة. وعايشت إسرائيل وضع مشابه لما ذكر، في صيف 1996 ndash; حينما تحركت الفرقة 14 السورية نحو جبل الشيخ بلا تفسير مرضٍ، وأثار الأمر مخاوف من أن سوريا متجهة إلى عملية خاطفة في جبل الشيخ.

أما السيناريو الثاني، فهو محرك إقليمي، وتوجد في النظام الإقليمي اليوم ثلاثة مراكز انفجار على الأقل تستطيع في ظروف مختلفة أن تؤدي بإسرائيل وسوريا لمسار تصادم مع وجود التشكك المتبادل، وهم السيناريو الفلسطيني، بحيث يؤدي اشتعال بين حماس وإسرائيل إلى نقل التوتر للجبهتين السورية- الإسرائيلية والسيناريو الإيراني، وكذلك حزب الله في لبنان.

وبحسب الخبير الإسرائيلي داني باركوفيتش وهو باحث ضيف في معهد أبحاث الأمن القومي فأن توتر مع إيران، قد يفضي لإجراء عسكري من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل على المنشآت الذرية الإيرانية، وهو ما سيدفع حزب الله إلى عمل رد واسع ضد إسرائيل. فتؤيد سوريا حزب الله وتحول إليه كميات كثيفة من الوسائل القتالية، فتحاول إسرائيل إحباط نقل الوسائل القتالية بالمس بالقوافل التي تحملها داخل سوريا. وفي رد على ذلك تطلق سوريا النار على هضبة الجولان.

وربما أيضا تزداد قوة حزب الله في لبنان، مما يسمح له بتقوية وجوده العسكري جنوبي الليطاني وعلى امتداد الحدود مع إسرائيل. في الوقت نفسه يستمر السلاح السوري والإيراني في التدفق على حزب الله بلا عائق. وهذه الوضعية ستزيد التوتر بين إسرائيل وبين حزب الله وسوريا على نحو يزيد الاحتكاك بين الأطراف، وطاقة التصعيد الكامنة على طول الحدود اللبنانية.

وكما هي حال السيناريو الفلسطيني، تطلب سوريا هنا أيضا أن تثبت لإسرائيل (وللولايات المتحدة) أن لها تأثيرا فيما يجري في لبنان كدافع لمحادثتها. تقوم إسرائيل ndash; في محاولة لردع سوريا عن الاستمرار في تدخلها ndash; بتلميح تحذير داخل سوريا ويفضي الأمر إلى رد سوريا في هضبة الجولان.

وبالإضافة للسيناريوهين أعلاه وتشعباهما، يبين الخبير الإسرائيلي في تقديره الاستراتيجي أن ثالثها قد يحصل نتيجة تحرشات غير مباشرة من سوريا، يستمر خلاله تهريب الوسائل القتالية من سوريا لحزب الله، فتحذر إسرائيل دمشق من ذلك، فتنكر دمشق في رد على ذلك الأمر، وتحذر إسرائيل من أن كل إجراء إسرائيلي موجه إليها سيُرى عدوانا، ويحظى برد أليم. وبعد ذلك تنقل إسرائيل إلى سوريا تلميحات تحذير (مثلا إصابة شاحنات الوسائل القتالية داخل سوريا) وسوريا التي أصبحت قد تلقت غير قليل من تحذيرات كهذه من إسرائيل غير مستعدة لان تتحمل مرة أخرى وترد بإطلاق النار على هضبة الجولان.

أما السيناريو الرابع، فقد يؤدي تحرش مباشر مثل فتح جبهة قتال في هضبة الجولان، على خلفية عدم نجاح سوريا في إقناع إسرائيل لتجديد التفاوض السياسي، تحقق تهديداتها بتحرير الجولان بـ quot;المقاومةquot;، وتنشئ منظمة قتالية شعبية quot;ومستقلةquot;، تأخذ بأنماط عمل حزب الله وتعمل على طول الحدود بين إسرائيل وسوريا ndash; وهي حدود تُعد هادئة على نحو عام ndash; لتفرض على إسرائيل تجديد التفاوض في إعادة الجولان. وبحسب الخبير الإسرائيلي فإن هذه التحرشات من قبل سوريا لا تأتي بتجديد التفاوض فضلا عن أنها تجر ردودا من قبل إسرائيل داخل سوريا، ويفضي الأمر إلى الاشتعال بين الدولتين.

ويضيف الخبير الإسرائيلي كذلك سيناريو خامس، ويتلخص بإمكانية تورط سوريا في دعم منظمات الجهاد العالمي الموجودة على أرضيها لتنفيذ عمليات داخل إسرائيل، ومن جهة إسرائيل تُعد سوريا المسؤولة عن أي عمل مصدره أرضها وترد على نحو يجر ردا مباشرا من سوريا ويكون هذا مصدر التدهور إلى المواجهة.

ولكن الباحث والخبير يشدد في الوقت ذاته، أن الواقع الإقليمي، وبسبب التوتر القائم بين إسرائيل وسوريا فان أكثر السيناريوهات ممكنة، وشروط تحققها قائمة، ما عدا السيناريوهين الأخيرين اللذين احتمالهما أقل، فالمقاومة التي قد تصرفها سوريا من هضبة الجولان مقامرة خطرة على حسب معايير سوريا أيضا، وهو مخالف لتصورها الاستراتيجي؛ فهي تفضل أن يُدار صراعها لإسرائيل بتوسط مفوضين (فلسطينيين أو لبنانيين) لا على أرضها.

وإذا أخذت سوريا بهذا النمط فقد يشهد الأمر بضائقة تبلغ حد اليأس الحقيقي والرغبة في تحريك عملية السلام بأي ثمن. وفي ما يتعلق بسيناريو التحرش من المنطقي أن تظهر أجهزة أمن سوريا تنبها كبيرا لمحاولة كهذه وأن تحاول إحباطها.