فايز اباد (أفغانستان): في اقليم بدخشان بشمال افغانستان تعطي جام بيجوم وهي مدمنة مخدرات لابنها البالغ من العمر ثلاثة أشهر الأفيون ثلاث مرات لتحافظ على هدوئه.
وتقول quot;أدمن الطفل داخل رحمي. سيموت من كثرة البكاء ان لم أعطه الأفيون. حين أعطيه الافيون يصبح هادئا وينامquot;. كانت نظرة الطفل خاوية وبدت عليه آثار المخدر أثناء اجراء المقابلة.
وأفغانستان هي أكبر دولة منتجة ومصدرة للأفيون في العالم لكن معظم الناس يميلون الى نسيان أنها ايضا مستهلك هائل للمخدرات. وقدرت دراسة مسحية أجريت عام 2005 أن هناك نحو 920 الفا من متعاطي المخدرات في البلاد البالغ عدد سكانها نحو 26 مليون نسمة.
ولطالما تعامل الاشخاص الذين يعيشون في مناطق نائية في أفغانستان بلا مبالاة مع الافيون مستخدمينه كدواء لكل داء بسبب نقص الادوية. وعلى غرار رضيع بيجوم فانهم يعطون الاطفال الافيون حتى تستطيع الأمهات العمل.
غير أن هذا الادمان الذي يمتد على مدار العمر يتسبب في اجهاد هائل يستنزف طاقة الناس اللازمة للعمل ويقوض صحتهم تدريجيا فضلا عن السلامة العامة لأسرهم.
وقال طبيب في بدخشان طلب عدم نشر اسمه quot;الأفيون يخفي أعراض السل مثل الكحة والالم فتتفاقم الحالة. هذه مشكلة لان الشخص المصاب يصبح ناقلا للعدوىquot;. و يقدم هذا الطبيب المساعدة لمدمني المخدرات.
ومضى يقول quot;المدمنون يفعلون أي شيء لاشباع ادمانهم بل انهم يبيعون ممتلكاتهم ويفقدون كل شيءquot;.
نيق باخات (35 عاما) وهي ام لاربعة أطفال يبدو أن حياتها ومصيرها يتمحوران حول ادمانها.
وتقول باخات quot;انه يساعد على تسكين الالم فنحن فقراء للغايةquot;. وتبيع باخات الاعشاب البرية لاشباع ادمانها وتضيف quot;ننفق 200 دولار شهريا على الافيون. لقد بعنا أرضنا لشراء الافيون. الان أصبحنا لا نملك شيئا. ننفق كل دخلنا تقريبا على الافيونquot;.
في الاعوام الاخيرة وضعت الحكومة الافغانية خططا لمساعدة المدمنين في الاقلاع عن ادمان الافيون وازالة حقول الخشخاش.
وترزح الحكومة تحت ضغط من المجتمع الدولي لوقف زراعة الخشخاش. وأفغانستان هي المصدر لمعظم امدادات العالم من الافيون الذي ينتج منه الهيروين.
ويأتي معظم انتاج أفغانستان من الخشخاش من الجنوب وهي المنطقة التي يتمتع فيها مقاتلو طالبان بنفوذ كبير والتي تخضع للسيطرة الجزئية لكابول. وتقول مصادر أمنية ان طالبان تحصل على 10 في المئة من عائدات الخشخاش.
وتقول كريستين اوجوز رئيسة مكتب الامم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة في أفغانستان ان تجارة الافيون في الجنوب مزدهرة نتيجة لتوليفة من ملاك الاراضي من ذوي النفوذ والشبكات الاجرامية المنظمة والمسؤولين الفاسدين فضلا عن ضعف تطبيق القانون والنظام.
وأضافت quot;عليهم (السلطات) أن يركزوا حقا على المعامل لان هذا هو أكثر ما سيجدي نفعا. فهي (المعامل) في الاساس في المناطق الحدودية مع باكستان وبعضها متنقل. انها مثل معمل تقطير بسيط. يمكن حتى أن تحملها شاحنةquot;.
وتبدو مكافحة المخدرات في الشمال في مناطق مثل بدخشان أكثر نجاحا حيث يعمل ضباط مكافحة المخدرات بهمة على ازالة حقول الخشخاش منذ اكثر من عام.
وقال خبير في مكافحة المخدرات طلب عدم نشر اسمه quot;أودع أكثر من 100 مزارع السجن حتى الان هذا العام. انهم يحتجزون ما بين بضعة أيام وأسبوع. يفرج عنهم بعد أن يتعهدوا بعدم زراعة الخشخاش مجددا.quot;
ويستخدم الخبراء الان تكنولوجيا اكثر تقدما مثل التصوير بالأقمار الصناعية للبحث عن حقول الخشخاش.
غير أن هذا النجاح في الحد من الافيون في الشمال ربما لا يدوم طويلا حيث يستطيع المزارعون بسهولة أن يعودوا لزراعة الخشخاش اذ أن عائده مجز أكثر بعشرة أمثال من أي محصول اخر.
وتقول اوجوز ان هذا سيحدث عاجلا وليس أجلا بسبب الشتاء القارس الذي قضى على محصول القمح وأضر بقدرة المزارعين على إعالة أسرهم.
وأضافت quot;الناس يحتاجون الى الغذاء بحق في بدخشان. انه مكان لا يتمتع بأي درجة من الامن الغذائي. اذا لم تستطع اقناع المجتمع المانح بتقديم مزيد من المساعدات لبدخشان وأتحدث عن احتياجات فورية على المدى القصير بالإضافة الى خطط تنموية طويلة المدى فانهم بالتأكيد سيعودون لزراعة الافيونquot;.
وعلى الرغم من انخفاض أسعار الافيون بسبب فرط الانتاج تقول أوجوز ان المزارعين يستطيعون أن يزرعوه ويخزنوه حيث يمكن الاحتفاظ به لما يصل الى 20 عاما دون أن يفسد.
وتزايد ادمان المخدرات في المدن وقد أذكى هذا عودة اللاجئين الافغان وكثير منهم كانوا قد رحلوا قسرا من ايران وباكستان المجاورتين في الأعوام الأخيرة.
وقال محمد رضا من منظمة حماية وأبحاث الصحة في كابول quot;يصابون بصدمة حضارية. اذ يعودون ولا يكون لديهم عمل ويفقدون مصادر رزقهم. لك أن تتخيل حجم الضغطquot;.
وبلغ عدد سكان كابول نصف مليون نسمة عام 2001. ومنذ ذلك الحين ارتفع عدد السكان ليصل الى نحو 4.2 مليون نسمة. ونسبة البطالة 40 في المئة على الاقل.
وأردف رضا قائلا quot;المعلومات المتوافرة عن ادمان المخدرات ضئيلة للغاية. سيذهب اليهم تجار المخدرات ويقولون لهم ان هذا جيد وان الشيء الوحيد الذي يخفف من حدة الالم النفسي هو المخدراتquot; مضيفا أن الهيروين والمهدئات يحظيان باقبال في المدن بشكل خاص.
وهناك أعداد متزايدة من المدمنين الذين يتعاطون ا|لافيون عن طريق الحقن وليس عن طريق التدخين وتقول منظمات أهلية ان العائدين الى أفغانستان هم الذين جلبوا معهم هذه العادة من الخارج. ويتسبب الاستخدام المشترك للابر من قبل عدة أشخاص في مشاكل صحية.
وتوصلت دراسة مسحية أجريت عام 2005 على 464 متعاط للمخدرات في كابول الى أن ثلاثة في المئة منهم مصابون بفيروس (اتش.اي.في) المسبب لمرض نقص المناعة المكتسب (الايدز) فيما يحمل 36.6 في المئة منهم فيروس الالتهاب الكبدي (سي) بينما ستة في المئة منهم حاملون لفيروس الالتهاب الكبدي (ب).
وقال رضا quot;هناك مخاوف من أن يصل فيروس (اتش.اي.في) الى عموم السكان حيث ان لكثير من متعاطي المخدرات زوجات وأطفال فضلا عن ممارسة الجنس دون وقايةquot;.
وتوزع منظمات أهلية ابرا نظيفة وتدير مصحات لمساعدة المدمنين في التخلي عن تلك العادة وتحاول الحكومة اباحة استخدام الميثادون بشكل مشروع للمساعدة في ابعاد المدمنين عن المخدرات القوية.
غير أن الجميع متفقون على أن المستقبل لن يكون الا أكثر صعوبة مع عودة المزيد من اللاجئين.
ويقول طارق سليمان من مركز نجاة في كابول وهو أقدم مركز لإعادة التأهيل لمدمني المخدرات في البلاد quot;ليس لدينا ما يكفي من الموارد والناس لا يدركون أن هذه مشكلة قوميةquot;.