quot;إيلافquot; على نقطة حدودية بين لبنان وسورية
20 ألفًا غادروا لبنان برًا هربًا من الحرب القصيرة
ركان الفقيه من بيروت : قبيل إعلان فتح طريق المصنع على الحدود اللبنانية ndash; السورية كانت الضوضاء والجلبة الناجمةعن إحتشاد المغادرين من العمال السوريين والرعايا العرب والأجانب عند آخر نقطة حدودية مفتوحة للأمن العام اللبناني، تكسران السكون المطبق الذي يلف الطريق الدولية بين بعلبك وحمص، الذي تزيد من رهبته الطبيعة شبه الصحراوية للمنطقة وتراجع الحركة في البلدات التي تمر فيها الطريق، ناهيك بالقلق والترقب المرتسمين على وجوه القليل من سكان تلك البلدات بعدما ركنوا إلى زوايا وجدران محالهم ومؤسساتهم التجارية، أو بعضهم ممن غادروا منازلهم لاستطلاع أي جديد من اللجنة الوزراية العربية يبشر بإنفراج الأوضاع السياسية والأمنية المأسوية التي حاصرتهم من كل حدب وصوب، حيث الغلاء الفاحش يتسبب بأزمة حياتية قاسية، وحيث الأحداث المتوالية تنقلها أخبار التوتر والإشتباكات وقطع الطرق المتنقل بينمنطقة وأخرى فاتحًا باب جهنم التشنج الطائفي والمذهبي على مصراعيه.
يغرق الموظف في النقطة الحدودية داخل بحر من الأشخاص الذين يتجمعون ويتدافعون خلف الحاجز الحديدي الاخير، قبل انجاز معاملات خروجهم من الأراضي اللبنانية، وسرعان ما يندفع الواحد منهم ndash; ما ان ينهي معاملة خروجه ndash; بسرعة فائقة نحو سيارة او باص للركاب ينتظره على بعد امتار حاملاً اياه الى داخل الأراضي السورية وبعدها لا أحد يدري إلى أين.

تزداد أفواج المغادرين يومًا بعد آخر منذ السابع من أيار/ مايو، تاريخ انفجار شرارة الأحداث الأخيرة والتي يشكل العمال السوريون الغالبية الساحقة منهم، وقد غادروا المصانع والورش والمزارع التي يعملون فيها حاملين أغراضهم البسيطة من أغطية وحصير وأدوات الطهي وتناول الطعام، وكانوا يصلون الى النقطة الحدودية الأخيرة جماعات وأفرادًا ومن كل الأعمار بينهم الكهل والشاب واليافع.

يقول العامل السوري أحمد اليوسف إنه كان يسكن في منطقة الحازمية شرق منطقة بيروت ويعمل في قطاع البناء لكن تدهور الأوضاع فجأة دفعه الى المغادرة والعودة الى سورية، موضحًا أنه تلقى أكثر من نصيحة بهذا الصدد. ويضيف سجعان الهيبي وهو زميل آخر لأحمد: quot;حاولنا المرورعبر نقطة المصنع على طريق الشام بيروت، لكن الطريق كانت مقفلة، وحصل أطلاق نار فهربنا ولم يبقَ أمامنا سوى طريق بعلبك -حمصquot;.
كانت أعداد العمال السوريين المغادرين لبنان تتزايد باستمرار طوال الوقت، حيث المشهد يكاد يكون واحدًا، فالكل قد حزم أمتعته البسيطة وشد رحال العودة الى قريته في المناطق السورية وخصوصًا الشرقية والنائية منها لأن الأغلبية الساحقة من العمال السوريين تفد من مناطق الحسكة ودير الزور والقامشلي التي تمتد شرق وشمال شرقي سورية، حيث يشكل العمال السوريون اليد العاملة الأساسية في كثير من القطاعات الأقتصادية في لبنان وخصوصًا البناء والزراعة وتفيد آخر التقديرات أن عددهم يزيد على الأربعمئة ألف عامل.

وتنوّعت هويات المغادرين عبر نقطة quot;القاعquot; الحدودية وخصوصًا الرعايا العرب من أبناء الدول الخليجية كالسعودية والكويت وغيرها، بعد ان عمدت بعض سفارات تلك الدول الى تنفيذ خطة لإجلاء مواطنيها، تدل على هوياتهم الحافلات الحديثة والأنيقة التي تقلهم، كانت ثلاث منها تنتظر على بعد امتار عدة من الحاجز الأمني الذي يدقق في هويات المغادرين وقد هبط منه المسؤولون عن القافلة حاملين رزمًا عدة من جوازات السفر ومتوجهين الى المكتب الخاص في التدقيق بهذه الجوازات وختمها.
القافلة تابعة للسفارة الكويتية، يقول سلطان السلطان وهو الذي حضر الى لبنان منذ حوالى الأسبوعين، مؤكدًا ان قافلتهم تضم طلابًا جامعيين وافرادًا وعائلات، قرروا جميعًا مغادرة لبنان بسبب أوضاعه الأمنية المتدهورة، ويهبط شاب من إحدى الحافلات، يقترب منا ويأخذ أطراف الحديث قائلاً: quot;إننا نحب لبنان أكثر من اللبنانيين ونتمنى لو أنهم كانوا يعرفون قيمة بلدهم الذي يدمرونه بأيديهمquot;. ويؤكد الشاب الكويتي أن لبنان واحة من الجمال لا مثيل لها في الشرق العربي وربما في العالم، ويختم حديثه قائلا: quot;لم تكن الإبتسامة تظهر على وجه والدي إلا حين اجتيازه الحدود اللبنانية وأتذكر قوله دائماً أنه يتنشق نسمة الحرية لحظة دخوله الى لبنانquot;.
تجلس امرأة وأطفالها الثلاثة في السيارة المتوقفة الى جهة أخرى من الطريق وغادرها السائق ربما لإتمام معاملة خروجهم في المكتب القريب، ترفض السيدة ان تذكر اسمها وتوضح بأنها باتت خجولة من اعلان هويتها اللبنانية نظرًا لما يحصل وتتابع قائلة :quot;قررنا المغادرة نهائيًا للإستقرار في فرنسا، لأننا لم تعد لدينا قدرة وحتى اعصاب للعيش في لبنانquot;.

كان القلق والأعياء ظاهرين على الأطفال الذين تجمعوا على بعضهم البعض داخل المقعد الخلفي للسيارة وتعود المرأة لتصب جام غضبها على السياسيين اللبنانيين متهمة أياهم بالكذب والتحول أدوات بيد القوى الخارجية التي لا تريد مصلحة لبنان وابنائه ويسعرون نار الإحتقان الطائفي والمذهبي خدمة لماصالحهم وابقاء زعامتهم وتأبيدها على حساب حياة ومستقبل المواطنيين المغلوب على أمرهم حتى ولو تطلب ذلك أن يستبيحوا كل المحرمات الإنسانية و الإجتماعية والأخلاقية.
كان مشهد النقطة الحدودية يتغير على مدار اللحظة حيث يتقاطر الوافدون إليها بوساطة كل أنواع السيارات والباصات والحافلات الكبيرة دون أن ينسى أصحابها استغلال اللحظة حيث ارتفع بدل نقل الراكب من بيروت الى النقطة الحدودية من سبعة آلاف ليرة لبنانية الى ما يقارب العشرين ألف ليرة، ويؤكد المسؤولون في النقطة ان عدد المغادرين تجاوز العشرين ألف مسافر من لحظة اندلاع الحوادث الأمنية الأخيرة حتى توقفها.