تتعلق ببيوعات الأراضي والفريق الليبرالي
الأردن: الملك عبدالله يحسم مجموعة شائعات داخلية
رانيا تادرس من عمان: لأول مرة منذ اعتلائه عرش الأردن في 1999، يدلي الملك الثاني بمقابلة صحافية على درجة عالية من الصراحة والمكاشفة التامة، ويخوض فيها بقوة وتفصيل في جدل عام، يتعلق بالفريق السياسي المقرب منه، وبسياسات الحكومة تجاه الخصخصة، وببيوعات الأراضي، ليحسم شائعات وتسريبات استحوذت على حديث الصالونات السياسية في الأشهر الماضية، وأفرزت مؤيدين ومعارضين، ونتجت عنها استقطابات واسعة في الشارع الأردني.
المقابلة أدلى بها العاهل الأردني أمس لوكالة الأنباء الرسمية quot;بتراquot; وتضمنت حديثا غير مسبوق في الشأن الداخلي، وانطوت على تفاصيل، يُكشف عنها للمرة الأولى، ولا سيما في ما يتعلق بالعلاقة بين مؤسسات الحكم في الأردن، ووجود تيار ليبرالي في القصر الملكي والحكومة، يقود البلاد نحو الخصخصة، واقتصاد السوق.
ووفقا للمقابلة، فقد طلب الملك من quot;بتراquot; بأن quot;يتناول الحوار كافة المواضيع بصراحة وشفافية خاصة حول القضايا التي تثير جدلا وتنتشر في أوساط النخب الأردنية، وبعض القضايا الأخرى المثيرة للجدلquot; واتبع ذلك بقوله إنه يشعر quot;بصدمة وبخيبة أمل كبيرة بسبب المستوى المتدني للجدل الدائر في بعض الأوساط النخبوية والإعلامية، ولقد تعودت طوال حياتي على سماع الشائعات التي تطلق عليّ وعلى أسرتنا وعلى الأردن، ولكنني أشعر اليوم أن الشائعات التي تطلق أصبحت تؤثر سلبياً على مستقبل الأردن، وببساطة لا يمكنني أن التزم الصمتquot;.
احتلت بيوعات الأراضي المملوكة لخزينة الدولة مساحات كبيرة من الصراحة الملكية، وقد أعلن تأييده الكامل لها، وذلك في إطار مساهمتها في حل مشكلات الاقتصاد الأردني والمديونية الخارجية، وأكد أن بيع ميناء العقبة لشركة إماراتية في أيار / مايو الماضي ساهم في خفض الدين الخارجي الأردن.
وكشف أن بيوعات الأراضي الحكومية quot;سددت جزءا كبيرا من الديون هذا العام، أي نحو 2.4 مليار دولار، وترتب على ذلك انخفاض نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي من 46% إلى 29%، وهذا استعمال شرعي لبيع الأراضي، والحكومات في ارجاء العالم تقوم به طوال الوقتquot; معتبرا أن ذلك quot; أنقذ الأجيال الحالية والقادمة من دفع فوائد عالية على الدين وجعل تصنيف الأردن المتصل بالدين أكثر جذبا للاستثمارات العالميةquot;.
وفي موازاة ذلك حسم العاهل الأردني الجدل حول بيع المدينة الطبية التي تعد من ابرز المؤسسات الصحية في البلاد، وشهدت أول عملية قلب مفتوح في الوطن العربي، قائلا إن quot;المدينة الطبية لم تُبع، ولكن من المحتمل بيع بعض ممتلكاتهاquot; وزاد إن quot;المدينة الطبية هي المكان الذي شاهدت فيه والدي رحمه الله حيا لآخر مرة في حياتي، وهي المكان الذي ولد فيه جميع أبنائي (الأمراء) حسين وإيمان وسلمى وهاشم، وهي المكان الذي عولجت فيه طوال حياتيquot;.
ابرز ما حملته المقابلة انتقادات حادة، وجهها الملك عبد الله لصحافيين أردنيين تحدثوا عن quot;شبهات فسادquot; في عمليات بيع أراضي الدولة للمستثمرين الخليجيين، مشيرا إلى أن quot;بعض الصحافيين ودون استقصاء الأمر قاموا بنشر الإشاعات عن صفقات فيها فساد هائل، ويبدو أن بعض صحافيينا نسوا نبل مهنة الصحافة، فهي تعني أولا وقبل كل شيء القراءة والبحث والتقصي سعيا وراء الحقيقة لا الجلوس خلف المكتب واختراع القصص السخيفةquot;.
في هذا السياق، حمل الملك بشدة على صالونات سياسية وأحزاب معارضة تحدثت في الشهور الماضية عن وجود quot;مجموعة من الليبراليين الذين يقومون بوضع السياسة العامة، ويحاولون تفكيك إرث الملك الراحل حسين بن طلالquot;.
وبعدما اعتبر هذا الكلام quot;هراءquot; قال الملك عبد الله إن quot;ذلك يعني إما أن أكون جزءا من هذه المؤامرة، أو أن أكون بعيدا منعزلا ولا أدري ما الذي يجري في بلدي. وكلا هذين الافتراضين مسيء quot; وأضاف أنquot; الذين حولي يعملون بجد واجتهاد واقتدار في مبادرات لدعم بعض السلع أو لتجديد القرى والمدارس ولإنشاء شبكة أمان اجتماعي تحمي الفقير، وكل ذلك في تناقض مباشر مع النظرية الليبرالية الراديكالية. وهذا لا يعني أننا ضد الخصخصة أو تقوية القطاع الخاص، أو زيادة الاستثمار في البلد، لأنني لست مرتبطا بشكل حصري بأي مبدأ أو نظرية بعينها، لا الليبرالية ولا المحافظة، لا اليسار ولا اليمين، لا الحرس القديم ولا الحرس الجديد، إن عقيدتي ومبدأي الوحيدين هما أن أراعي المصلحة الأفضل للأردن وأحافظ عليها دائماً وابدأquot;.
ورأى محللون أن حجم المكاشفة التي أبداها الملك مرتبط بمجموعة من العوامل الملحة، وأبرزها غياب الشفافية الحكومية في قضية بيع الأراضي، وكثرت التسريبات في الصحافة المحلية، في ظل غياب معلومات دقيقة من الحكومة.
واعتبروا أن quot;الخطاب الملكي جاء بهذا الوضوح، وهذه القوة ليؤكد أن مؤسسة العرش هي الأكثر قدرة على ضبط النقاش الداخلي، وتوجيهه لمصلحة مؤسسات الدولة الدستورية، ومن أجل أن لا تؤدي الأزمة الاقتصادية إلى إحباط شعبي عامquot; مشيرين إلى أن quot;الملك قدم تفاصيل كثيرة تُظهر عدم رضاه الشخصي عن ضعف الشفافية، وغياب المصارحة في ما يتعلق بالشؤون العامةquot; في البلاد.
التعليقات