بغداد: بدءا بذبح الاطفال وانتهاء بأحكام تحرم على النساء شراء خضروات مثل الخيار وتلزم الرجال دون غيرهم بشرائها... لعب بطش تنظيم القاعدة وفرضه احكاما دينية تستند الى تأويلات خاطئة للاسلام دورا أساسيا في تراجعه بالعراق.
فتطبيقه لنمط متشدد من الاسلام في المناطق التي سيطر عليها جعل الحياة اليومية بائسة مما أضعف دعم الناس لحملته ضد القوات الاميركية والعراقية.
وقال الشيخ حميد الحايس وهو زعيم عشائري ذو نفوذ من معقل القاعدة السابق في محافظة الانبار بغرب العراق انه راهم يذبحون طفلا في التاسعة من عمره مثل الغنم لان أسرته لم تدن بالولاء لهم.
مثل هذه الاعمال العنيفة التي تعتبرها جماعات اسلامية أخرى متطرفة دفعت بالكثيرين ممن كانوا يقاتلون الى جانب تنظيم القاعدة في باديء الامر الى الانقلاب عليه. وأعلنت الجماعة مسؤوليتها عن تفجيرات لا تميز بين أحد في العراق سقط خلالها الاف القتلى.
ونشرت الجماعة تسجيلات فيديو مروعة على شبكة الانترنت لهجمات نفذتها وعمليات ذبح قامت بها لاجانب وجنود عراقيين.
وقال عراقيون ممن عاشوا تحت حكمهم في أنحاء البلاد ان الغناء وحلاقة الذقن وعلاج النساء على أيدي أطباء من الرجال كلها أنشطة يعتبرها تنظيم القاعدة حراما.
ويقول قيس عامر وهو حلاق من الموصل في شمال العراق quot;القاعدة حرمت حلق اللحية وحظرت السبلات الخدية والشعر الطويل... قتل الحلاقون لانهم لم ينصاعوا لهذا.quot;
وقد تبدو القصص خيالية ويصعب التحقق من صحتها لكن الناس في مناطق أخرى من العراق يروون قصصا مشابهة عن حكام القاعدة. وكان العقاب على عدم الانصياع للاوامر وحشيا.
ونتيجة لاشمئزازهم من هذه التصرفات انقلب زعماء العشائر العربية السنية الذين كان رجالهم ذات يوم يمثلون الاساس للتمرد ضد القوات الاميركية والعراقية في أواخر عام 2006 على القاعدة وساعدوا بدعم من الولايات المتحدة في طرد الجماعة من معاقلها السابقة.
والى جانب ارتكابه جرائم القتل دون تمييز وتفسيره المتشدد للاسلام أصبح تنظيم القاعدة يمثل تحديا خطيرا بالنسبة لسلطة العشائر حيث سعى الى السيطرة على الانشطة الاقتصادية وطرق التهريب الى الدول المجاورة.
وتراجعت الهجمات في انحاء العراق بنسبة نحو 85 في المئة عن عام مضى وهو انخفاض قياسي لم يحدث منذ عام 2004 وتجري عمليات أمنية كبرى في شمال العراق حيث تقول القوات الاميركية والعراقية ان تنظيم القاعدة المستنزف أعاد تنظيم صفوفه.
وقال اللفتنانت كولونيل تيم البيرز ضابط المخابرات بالادارة المسؤولة عن بغداد quot;قتل القاعدة الوحشي للمدنيين ارتد عليه. السنة لن يقبلوا بذلك اكثر من هذا.quot;
ومضى يقول ان quot;هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم حماة للمجتمع السني يقتلون الآن عراقيين من السنة اكثر من أي أحد اخر.quot;
وكانت محافظة الانبار بغرب العراق ذات يوم معقلا لتنظيم القاعدة لكنها أصبحت فيما بعد مسقط رأس رد فعل زعماء العشائر السنية العنيف ضد الجماعة. ويتنوع زعماء العشائر من شديدي التدين الى العلمانيين.
والحايس من بين الشيوخ الذين نظموا رجالهم في دوريات محلية لمكافحة عناصر القاعدة والمسلحين الآخرين. وقال الحايس ان الحياة في ظل القاعدة لم تكن عنيفة فحسب بل كانت هزلية ايضا.
وأضاف أنهم قتلوا حتى اناث الماعز لان أعضاءها التناسلية غير مغطاة وذيولها موجهة الى أعلى وهو ما قالوا انه حرام.
وتابع قائلا انهم اعتبروا الخيار ذكرا والطماطم (البندورة) أنثى ولم يكن مسموحا للنساء بشراء الخيار بل الرجال فحسب.
وكان من الممكن أن تقطع أصابع الرجال لانهم يدخنون كما جرى تفجير صالونات تصفيف الشعر والمتاجر التي تبيع أدوات التجميل وقتل باعة الثلج لان الثلج لم يكن موجودا في عهد النبي محمد وكلها روايات شائعة عن quot;العدالةquot; التي كان يطبقها تنظيم القاعدة.
وقال احمد ياسين في سامراء الى الشمال من بغداد quot;القاعدة أرادت قتلي وتفجير متجري لانني كنت أبيع أقراصا مدمجة للموسيقى.quot;
وهددت منشورات النساء بالخطف او الموت لعدم ارتداء ملابس كاسية. وشاع اجبار النساء والفتيات العراقيات على الزواج من عناصر القاعدة من قبل العشائر التي كانت الجماعة ترهبها.
ومما زاد من عزلة القاعدة المتنامية الهدف الذي أعلنته بالقتال من أجل اقامة دولة اسلامية سنية واعتمادها الشديد على المقاتلين الاجانب. وقاتل كثير من العراقيين الجيش الاميركي في العراق من أجل أسباب قومية وليست طائفية.
جاء كثيرون من أوائل زعماء القاعدة ومقاتليها في العراق من السعودية والاردن واليمن وباكستان وسوريا ودول أخرى. وكانوا يهربون مقاتلين ليقوموا بتنفيذ عمليات انتحارية.
وكان العراق يبدو علمانيا الى حد كبير حتى تمت الاطاحة بالرئيس السابق صدام حسين عام 2003. وكان العراقيون من طوائف وعرقيات مختلفة يتزاوجون وكانت النساء ترتدي سراويل الجينز والقمصان القطنية وزخرت بغداد بالحانات وصالات الرقص.
ومعظم العراقيين من الشيعة كما يعيش بالبلاد مسيحيون وأشخاص ينتمون لديانات أخرى واستهدف تنظيم القاعدة الاكراد على الرغم من أن الكثير منهم من السنة.
وقال رعد فارس وهو سمسار عقارات بالموصل quot;في بعض الاحيان كانوا يأتون لمكاتبنا ويبلغوننا بعدم التعامل مع الاكراد.quot;
وأضاف quot;أجبروا الكثير من الشيعة والمسيحيين وأسر قوات الامن على النزوح وكانوا يكتبون على جدران منزل أي منهم ان المنزل ليس للايجار أو البيع بأمر الدولة الاسلامية.quot;
واستولت القاعدة على منازل من اعتقدت أنهم أعداء واستخدمت ذريعة أنها تقاتل من أجل الاسلام في الابتزاز والسرقة وكثيرا ما قتلت رجال أعمال في المناطق التي كانت تسيطر عليها.
وقال جلال عبد الكريم وهو تاجر من الرمادي في الانبار quot;ابني كان يستورد قطع غيار سيارات. قتلوه بتهمة أنه عميل للاجانب ثم سرقوا أمواله وبضائعه.quot;
وتابع قائلا quot;القاعدة ارتكبت جرائم بشعة باسم الدين. ان تصرفاتهم بعيدة كل البعد عن الاسلام.quot;