واشنطن : ازداد تدهور علاقات واشنطن مع روسيا بسبب العمليات العسكرية الروسية ضد جورجيا ويرى خبراء استحالة رأب الصدع قبل انتهاء فترة ولاية الرئيس الأميركي جورج بوش. ويقول ستيفن جونز خبير الشؤون الروسية والأستاذ بكلية مونت هوليوك في ماساتشوستس quot;انها أشد أزمة في العلاقات الاميركية الروسية منذ الحرب الباردة.quot;

وقبل اشهر معدودة من ترك بوش منصبه في يناير كانون الثاني 2009 تركزت الجهود على مجالات التعاون بين البلدين وطي صفحة الخلاف بشأن اقتراح واشنطن نشر درع دفاع صاروخية في اوروبا والضغط الاميركي من أجل ضم جورجيا لعضوية حلف شمال الاطلسي. ويستبعد خبراء حدوث تقارب ويقولون ان العمليات الروسية في جورجيا ستصعب الامر على الرئيس الاميركي الجديد سواء كان الديمقراطي باراك اوباما او الجمهوري جون مكين الذي اتخذ خطا متشددا ضد روسيا.

وقال جيمس كولينز السفير الاميركي السابق لدى روسيا quot;انها انتكاسة للعلاقات الاميركية الروسية وستجعل من الصعب جدا على هذه الادارة ان تدفع اي مبادرة ايجابية للامام.quot; وتوقع ان تزيد العملية الروسية في جورجيا والمناطق الاخرى التي انفصلت عنها من صعوبة موقف quot;البراجماتيينquot; في واشنطن.

وتابع كولينز من مؤسسة كارنجي انداومنت للسلام الدولي quot;سيؤكد هذا اراء منتقدي روسيا واصحاب الخط الاكثر تشددا. سيقولون.. ألم نقل ذلك؟quot; وحذر مسؤول أميركي بارز من ان انضمام روسيا لمنظمة التجارة العالمية وغيرها من المنظمات العالمية قد يكون على المحك الان بسبب عملياتها في جورجيا. واضاف quot; ذلك هو المحك حين تتصرف روسيا وكأنها من زمن اخر.quot;

وتوقع ستيفن بيفر المسؤول البارز السابق في وزارة الخارجية الاميركية ان تركز الادارة في اشهرها الاخيرة على افغانستان والعراق أكثر من روسيا. وتابع quot;ما لم توات احدا فكرة جذابة جدا لاعطاء قدر من الزخم سيكون الاتجاه السائد قبل يناير 2009 هو عدم الاضرارquot; بالعلاقات مع روسيا.

وقال روبرت وود المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية ان ازمة جورجيا اضرت بالعلاقات ولكن مصلحة الولايات المتحدة الوطنية تقتضي مواصلة التعامل مع موسكو بشأن العديد من القضايا من بينها البرنامج النووي لايران. وتابع quot;بالطبع اضر هذا بالعلاقات ولكننا سنواصل العمل مع روسيا.quot;

وتأتي العمليات العسكرية الروسية ضد جورجيا بعد سنوات من بيانات استعراضية وتعهد رئيس الوزراء فلاديمير بوتين ومسؤولين اخرين باعادة بناء القوة العسكرية لروسيا. وجدد الصراع المخاوف بان روسيا صاحبة النعرة القومية والتي اشتد عودها بفضل عائدات النفط ستسعى للتأثير بشكل مباشر على دول كانت تسير في فلك الاتحاد السوفيتي السابق.

وتأثير النفوذ الاميركي في المنطقة غير مؤكد ولكن خبراء يقولون ان الولايات المتحدة لا يمكنها تجاهل ثروة روسيا ونفوذها الاستراتيجي. وابرزت قيادة اوروبا لمساعي الوساطة افتقار الولايات المتحدة لبطاقة ضغط على موسكو. واضطلع الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي بدور قيادي وتوجه لموسكو يوم الثلاثاء فيما اعلن الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف وقف العمليات العسكرية في جورجيا.

وجدت واشنطن صعوبة في تحديد كيفية الرد واجلت ارسال مبعوث عدة ايام واعتمدت على مسؤولين بارزين كانوا في عطلة من بينهم وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس الخبيرة في الشؤون الروسية. وتعني علاقات واشنطن الوثيقة مع جورحيا التي وصفها بوش بانها منارة للديمقراطية ان بقية دول العالم لم تنظر للولايات المتحدة كوسيط نزيه في النزاع.

ويعتقد بعض خبراء الشؤون الروسية ان الولايات المتحدة تخلت عن مسؤولياتها حين اولت رئيس جورجيا ميخائيل ساكاشفيلي ثقة اكثر من اللازم. ولم يتم بذل جهود كافية لكبح تحركاته في اوسيتيا الجنوبية مما أشعل الأزمة. وقال روبرت هنتر وهو سفير اميركي سابق لدى حلف شمال الاطلسي ويعمل حاليا مع منظمة راند quot;اعتقدنا ان ساكاشفيلي سيكون ديمقراطيا فطنا دمثا ولم ندرس المؤشرات. اقنعنا أنفسنا بذلك.quot;

وتابع ان الولايات المتحدة لم تول اهتماما كافيا لمعلومات مخابراتية تفيد حشد معدات وقوات عسكرية روسية في المنطقة قبل الغزو. ورفض وود هذه التلميحات قائلا quot;لا اعتقد ان ما حدث ينم عن فشل للمخابرات أو السياسة الاميركية. كنا نعمل على المسار الدبلوماسي في هذا الصدد ومن الواضح ان رد فعل روسيا كان مبالغا فيه. بكل وضوح وبساطة هذا عدوان صارخ من جانب روسيا.quot;

ساكشفيلي يتهم موسكو بخرق الاتفاق وأنباء عن توغل روسي بغوري

الى ذلك اتهم الرئيس الجورجي ميخائيل ساكشفيلي الأربعاء روسيا بخرق اتفاق الهدنة وتوغل قوات روسية داخل مدينة quot;غوريquot; الإسترايتيجية في جورجيا. وقال ساكشفيلي في مؤتمر صحفي: quot;بينما أتحدث الآن، تهاجم الدبابات الروسية غوري.. يغزون المدينة ويدمرون المباني.quot;

إلا أن صحفيين متواجدين في quot;غوريquot; نفوا مشاهدة توغل أي دبابات روسية في المدينة. وأعلنت موسكو الثلاثاء وقف إطلاق النار مع جورجيا بعد وصول الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، الذي أعلن موافقة الطرفين - الروسي والجورجي - على خطة تسوية.

وأعلن الرئيسان الروسي ديمتري ميدفيديف، ونظيره الفرنسي عن الخطة وتتضمن ستة مبادئ أساسية لتسوية الصراع مع جورجيا، فيما يتعلق بإقليمي quot;أوسيتيا الجنوبيةquot; وquot;أبخازياquot;، اللذين يسعيان للانفصال عن الجمهورية الجورجية وتدعمهما موسكو. (التفاصيل)

وتناقلت تقارير دخول عشرات من الدبابات الروسية إلى المدينة الإستراتيجية وذلك بعد ثماني ساعات من قبول جورجيا بوقف إطلاق النار. وقال رئيس المجلس الأمني القومي في جورجيا، أليكسندر لوميا للأسوشيتد برس إن 50 دبابة روسية توغلت داخل المدينة. وجاء هذا متزامناً مع تصريح مسوؤل جورجي بارز آخر للوكالة أشار فيه إلى دحر قوات بلاده تماماً من إقليم quot;أبخازياquot; الانفصالي.

فقد صرح تيمور ياكوبافيلي، وزير التكامل الجورجي، بأن القوات الروسية دحرت قوات بلاده، من الجزء الصغير من الإقليم الذي كان خاضعاً لسيطرتها. وفند جنرال روسي تلك المزاعم مشيراً أن القوات الجورجية أخرجت من المنطقة على يد القوات الانفصالية، وليس الجيش الروسي.

وتشدد روسيا أن غاية جهودها العسكرية وقف عمليات الجيش الجورجي ضد المواطنين وقوات حفظ السلام التابعة لها في الإقليمين الانفصالين - أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا. وذكر مصدر دبلوماسي روسي أن ما لا يقل عن ألفي شخص قتلوا منذ دفع جورجيا بقواتها إلى أوسيتيا الجنوبية الخميس. ومن جانبه قال الرئيس الروسي إن بلاده لم تكن أمام خيار آخر سوى التحرك عسكرياً.

واتهم رئيس الحكومة والرئيس السابق بمحاولة استعادة حقبة quot;القياصرةquot;، مضيفاً: quot;من الواضح للغاية أن طموحات الروس هي استعادة الإمبراطورية الروسية القديمة.. ليس الاتحاد السوفيتي، بل الإمبراطورية الروسية.quot;

وفي السياق ذاته، كشفت مصادر أمريكية بارزة أن إدارة واشنطن، الغاضبة بشدة من الغزو الروسي لجورجيا، والحلفاء في quot;الناتوquot; يوازنون إمكانية تبني تدابير عقابية لعزل موسكو دبلوماسيا،ً على خلفية العملية العسكرية الواسعة التي قامت بها موسكو ضد حكومة تبليسي.