عبد الخالق همدرد من اسلام اباد: أخيرا أصبح quot;رجل الحديد الباكستانيquot; الجنرال المتقاعد برويز مشرف جزءا من تاريخ البلاد بعد مغادرته قصر الرئاسة؛ إلا أن الأمر الذي أوقع الجميع في حيرة هو تخلي الولايات المتحدة عنه، ولاسيما بوش الابن الذي كان يعتبره صديقا شخصيا له، كما أن علاقاته معه كانت أكثر من أواصر بين رئيسين لدولتين حليفتين.

وقد كشفت بعض التقارير القناع عن القنوات التي جعلت أميركا تتخلى عن حليفها الذي كان يبدو أنه لا بد منه لكسب المصالح الأميركية في المنطقة. وقد أشار تقرير إلى أن أكبر دور في هذا الصدد لعبته السفيرة الأميركية لدى باكستان أين بيترسن والسفير الباكستاني الجديد لدى واشنطن حسين حقاني.

وقد استخدم التحالف الحاكم رئيس الوزراء جيلاني لإقناع بوش بسحب تأييده له خلال زيارة الأول إلى واشنطن. وقد تخلى معظم أفراد الإدارة الأميركية بمن فيهم نائب الرئيس ديك تشيني ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس عن مشرف سابقا؛ إلا أن الرئيس بوش لم يزل وفيا به إلى آخر لحظة، حسب مصادر دبلوماسية.

وقد لعبت السفيرة الأميركية لدى باكستان دورا بارزا في إقناع الإدارة الأميركية بالتخلي عن مشرف مبررة بأن تواصل الدعم الأميركي لمشرف، سيتسبب في إثارة مشاعر مضادة للولايات المتحدة في باكستان.

كما أنها أجرت لقاءات مع قيادات التحالف الحاكم ولاسيما الرئيس الشريك لحزب الشعب آصف زرداري للتأكد من أن مغادرة مشرف لن تضر بالمصالح الأميركية الأساسية في المنطقة وهي محاربة القاعدة والمسلحين في المناطق القبلية. في حين بقي قائد القوات الأميركية الفريق بحري مايك مولن على اتصال مع الباكستانيين إلى جانب قيامه بثلاث زيارات للعاصمة الباكستانية بعد الانتخابات العامة في 18 فبراير عام 2008م وآخرها كانت سريا أثناء شهر يوليو الماضي.

وقد حصل مولن على تأكيد واضح مباشرة من قائد القوات الباكستانية الفريق أول أشفاق برويز كياني بأن مغادرة مشرف لن تقلل من دور باكستان في الحرب على الإرهاب.

ومن جانبه فقد قام السفير الباكستاني لدى واشنطن حسين حقاني ببذل جهوده لإقناع البيت الأبيض عن طريق أصدقائه في المؤسسات الفكرية الأميركية بأن مغادرة مشرف لن تتسبب في إثارة أي عاصفة. كما أن الباكستانيين حاولوا إقناع البيت الأبيض بعدم التدخل في شؤون باكستان الداخلية مشيرين إلى أن ذلك الأمر قد يشوه صورة الولايات المتحدة. وهكذا تمكنوا من مواجهة رأي المؤيدين لمشرف في البيت الأبيض.

وعندما وصل رئيس الوزراء جيلاني إلى واشنطن في 28 يوليو المنصرم، كانت تلك القنوات على قناعة بأن البيت الأبيض سيتخلى عن مشرف. وقد اصطحب جيلاني أثناء مأدبة الغداء بعض خبراء مشرف لإقناع الرئيس بوش بأنه لن يقدر على حماية مشرف.

ورغم اقتناع بوش بعدم حماية مشرف، أراد التأكد من عدم معاقبته. ومن هذا المنطلق استعان بوش باثنين من حلفاء الولايات المتحدة بريطانيا والمملكة العربية السعودية إلى جانب ابتعاث مبعوث خاص له إلى باكستان لتأكيد مخرج آمن لمشرف أو توفير الحماية له في باكستان أو أي مكان آخر دون تعرضه لمحاكمة. وبناء عليه بعثت بريطانيا مفوضها السامي السابق لدى باكستان مارك غرانت والمملكة الأمير مقرن بن عبد العزيز لبحث شروط مغادرة مشرف.

ويشير تقرير إلى أن السعوديين لعبوا دورا بارزا في تليين موقف نواز شريف الذي يحظى بعلاقات طيبة معهم. وعندما تأكد الأميركيون من عدم اعتقال أو محاكمة أو معاقبة مشرف، وافقوا على صفقة مغادرته.

وإذا دلت هذه الحكاية على شيء فإنها تدل على أن الولايات المتحدة لا يهمها سوى مصالحها؛ وإذا وجدت من يخدمها فلا تبالي بخذلان أصدقاءها مهما قدموا لها من خدمات. فهل من أحد يعتبر بمشرف بعد مشاهدة مصير الجنرال بنوشه والآخرين مثله.