لندن، وكالات: كان موضوع تنحي الرئيس الباكستاني برفيز مشرف هو المهيمن على إهتمامات الصحف البريطانية الصادرة هذا الصباح. في الديلي تلغراف ينقل مراسل الصحيفة في العاصمة الباكستانية إسلام آباد، إيسامبارد ويلكينسون، عن دبلوماسي غربي رفيع لم يسمه قوله إن المحطة الأولى للرئيس الباكستاني المستقيل ستكون أداء مناسك الحج في المملكة السعودية ثم الذهاب إلى لندن حيث سيستقر هناك.
وفي الغارديان اختار رسام الكاريكاتير ستيف بيل رسم الرئيس الباكستاني المستقيل وقد خرج عاريا وقزما من بدلته العسكرية الكبيرة الموشاة بالنياشين والرتب، يغطي عورته بعلم باكستان ويؤدي التحية العسكرية فيما الرئيس الأميركي بوش يؤدي له تحية عسكرية مترهلة وخلفه علم كبير للولايات الأميركية المتحدة.
لعبة مشرف المزدوجة..
أما في التايمز فكتبت كاثرين فيليب وصفا للتقلبات التي عاشتها صورة مشرف محليا ودوليا خلال السنوات التسع التي قضاها في الحكم. تقول كاثرين إن الرئيس الباكستاني السابق عندما quot;أمسك بالسلطة منذ تسع سنوات، وانقلب على الحكومة المدنية، قوبل ذلك بترحيب وطني وإدانة دولية.quot; quot;فبالرغم من أن الغرب صرخ بأن الديمقراطية قد تم الانقلاب عليها، رحب الباكستانيون بحاكمهم العسكري الجديد، لأنهم يدركون طبيعة القوى السياسية الطائفية والحكم المدني الفاسد الذي كان لديهم.quot;
وتضيف أنه برحيل الجنرال مشرف، فإنه يرحل وهو غير مأسوف عليه في الداخل الباكستاني أكثر من الخارج الدولي. ففي باكستان هو مكروه من قبل الإصلاحيين والمتطرفين الدينيين على السواء. فالبلد غارق في العنف. والاقتصاد يعيش حالة متردية.
وتعرج كاثرين على محطة هامة في تاريخ مشرف وهي هجمات الحادي عشر من سبتمبر على نيويورك وواشنطن عندما quot;تحول مشرف من شرير دولي إلى بطل في نظر الغرب. فانقلابه الأبيض تسبب في طرد باكستان من رابطة دول الكومنولث، وفرض عقوبات عليها ومصاعب في علاقاتها الخارجية. لكن بفضل قبضته الحديدية على باكستان أثبت مشرف بأنه هدية من السماء للرئيس الأميركي جورج بوش عندما كانت تستعد واشنطن لتحرير أفغانستان من القاعدة ومضيفهم من حركة طالبان.quot;
ثم تبدأ كاثرين في طرح فكرة مقالها الرئيسية وهي أن الرئيس الباكستاني كان يلعب لعبة مزدوجة طوال حكمه. فمن جهة تلقى مساعدات عسكرية بلغت عشرة مليارات دولار من الولايات المتحدة نظير مساعدته لها في حربها في أفغانستان. لكن هذه المساعدات لم تصل إلى الجيش كما كان من المفروض أن يحدث بل دخلت إلى عجلة الاقتصاد الباكستاني مما أدى إلى فورة اقتصادية في البلاد. من جهة أخرى أدى دعمه للولايات المتحدة إلى انجرار عدد من شرائح المجتمع الباكستاني نحو الفكر المتطرف وتجنيد الآلاف من الناس من قبل المتطرفين الدينيين.
quot;لكن مشرف لعب ببراعة لعبة مزدوجة حيث لم تقطع وكالة استخباراته الداخلية علاقاتها مع طالبان، كما ظلت إسلام آباد توفر الغطاء للمسلحين حتى عندما كانت تقبض ملايين واشنطن.quot; quot;كما أصبح مشرف معتمدا أكثر على وكالة استخباراته عندما دبرت نجاحه في استفتاء عام 2002 والذي أضفى شرعية على حكمه. لكن الانتخابات البرلمانية ذلك العام جعلت الأحزاب الدينية تفوز بمقاعد المناطق القبلية المحاذية لأفغانستان، والتي توجه إليها مشرف طلبا للمساعدة. وقد تعارضت تحالفته تلك مع نيته المعلنة بمحاربة المتطرفين.quot;
ثم تقول كاثرين في مقالها إن واشنطن التي تحرص على أن يكون في حكم باكستان رجل قوي، بدأت في quot;القلق بشدة حول وعود مشرف التي لم يف بها حول إحداث تغيير ديمقراطي في البلادquot;.
quot;كما كشف تحقيق للكونغرس أن البنتاغون كان يعلم كيف تم تحول المساعدات العسكرية إلى أغراض أخرى لكنه اختار ألا يزعج علاقاته القوية مع باكستان. لكن التدهور في ثقة إدارة بوش بمشرف بدأ عندما اكتشف وكالة الاستخبارات الأميركية المركزية أدلة على تورط عناصر من الاستخبارات الباكستانية في التخطيط لتفجير السفارة الهندية في العاصمة الأفغانية كابول.quot;
وتنهي كاثرين مقالها باقتباس من خطاب استقالة مشرف يقول فيه: quot;ماذا كان وضع باكستان عام 1999؟ (عام تسلمه السلطة) لا أحد كان على علاقة بنا، لا أحد كان يتحدث إلينا ولا أحد كان يستمع إلينا. الآن وضعنا باكستان على الخريطة والناس أخذوا خبرا بذلك.quot; وتعلق كاثرين على هذه الكلمات بالقول: quot;هذا حقيقي ولكن ربما ليس للأسباب الصحيحة.quot;
quot;باكستان إلى المجهولquot;
المحررة الدبلوماسية لصحيفة الاندبندنت، آن بنكيث، كتبت تقول إن quot;مغادرة مشرف السلمية للحكم ستجلب فقط مستقبلا غامضا لباكستانquot;. وتقول آن في بداية مقالها quot;إن أيام الرئيس الباكستاني في الحكم كانت معدودة منذ اليوم الذي أتى فيه نواز شريف إلى السلطة عبر الانتخابات التي جلبت إلى باكستان حكومة إئتلافية.quot;
quot;فنواز شريف الذي أطيح به كرئيس لوزراء عام 1999 من قبل الجنرال مشرف في انقلاب أبيض، حل به هوس الانتقام من مشرف منذ ذهابه إلى المنفى في السعودية. كما لطمه مشرف مرة أخرى عندما أجهض محاولة عودته إلى باكستان نهاية العام الماضي وأعاده إلى السعودية بعد ساعات من وصوله إلى إسلام آباد.quot; quot;والسؤال الآن هو ما إذا كان رحيل الرئيس، الذي على عكس معظم السياسيين الباكستانيين لم يتهم بالفساد، ستجلب مزيدا من الاستقرار للبلاد.quot;
ثم تختم آن بنكيث مقالها بالاقتباس من مذكرات مشرف الذي صدرت منذ عامين تحت عنوان quot;على خط النارquot; والتي قال فيها إن مهمته هي تحقيق الاستقرار الأمني في إقليم الجبهة الشمالية الغربية عبر إلحاق الهزيمة بالقاعدة، وتحقيق نمو اقتصادي مستدام، والقضاء على الفقر، وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية وترسيخ الديمقراطية. quot;من المحزن لباكستان أن قائمة مشرف من الأمنيات لم تتحقق.quot;
الصحف الباكستانية
بدورها رحبت صحف باكستانية باستقالة مشرف وقالت يوم الثلاثاء إن الائتلاف الحاكم ليس لديه مبرر الآن لعدم التعامل مع الاقتصاد المتدهور وأعمال العنف التي يقوم بها المتشددون. ورحبت الصحف أيضا بانتهاء المواجهة بين الرئيس والائتلاف الحاكم بقيادة حزب الشعب الباكستاني الذي كانت تتزعمه رئيسة الوزراء السابقة التي اغتيلت بينظير بوتو وقالت ان الحكومة عليها الآن أن تحول اهتمامها الى مشاكل البلاد.
وقالت صحيفة دون quot;تحديد الاولويات ليس صعبا .. هناك حاجة للتعامل بشكل عاجل مع التشدد والاقتصاد والعلاقات مع الهند وأفغانستان.quot; وتابعت في مقال افتتاحي quot;ولكن الحلول قد تكون أكثر صعوبة مما يتصورون... ولكن على الاقل يجب أن يبدي السياسيون أثناء التعامل مع المشاكل نفس التصميم والتركيز اللذين أظهروهما في مواجهتهم للرئيس.quot; وأضافت أنه يتحتم التعامل على الفور مع اعادة القضاة الذين أقالهم مشرف من مناصبهم العام الماضي وانتخاب رئيس جديد.
وقالت صحيفة دون quot;يتحتم على الائتلاف الحاكم أن يختار سريعا وينتخب مرشحا مشتركا للرئاسة ويتفادى المناقشات السياسية المطولة.quot; أما صحيفة نيوز التي تنتقد بشدة مشرف قالت ان الرئيس السابق كان عاجزا عن الاعتراف بأخطائه ولكنها أضافت أن فترة حكمه تضمنت نجاحات مهمة بما في ذلك توسيع دور النساء وتحسين أوضاع الاقليات وانتعاش وسائل الاعلام الخاصة. وأشادت الصحيفة أيضا بالجيش القوي لعدم تدخله لدعم قائده السابق وقالت ان استقالة مشرف تعيد الامل للبلاد. واستطردت quot;الوقت حان بالنسبة للحكومة المنتخبة للتوضيح للناس أن أصواتهم لم تذهب هباء. quot;يجب أن يظهر الشركاء في الائتلاف الحاكم أنهم قادرون على القيادة ويتمتعون بالحكمة السياسية وبوسعهم توجيه البلاد... مع رحيل مشرف ليس أمامهم الان أي مبرر للفشل.quot;
ودعت صحيفة غانغ الناطقة بالاردية الى انهاء quot;سياسة الثأر والكراهية.quot; وتابعت quot;فاز الائتلاف بمعركة مهمة ومن ثم عليه العمل بشكل عاجل لحل الازمة الاقتصادية ويجب أن تمنح الاولوية لاعلان برنامج انقاذ للشعب.quot; وقالت صحيفة ديلي تايمز الناطقة بالانجليزية ان الوقت ما زال مبكرا للغاية لاصدار حكم نهائي على مشرف. وأضافت quot;ارثه دون شك هناك ويجب أن تبقى الامور الجيدة التي قام بها رغم أن هذه اللحظة مشحونة بالعواطف بحيث يصعب امعان النظر فيها بشكل موضوعي.quot;
وقالت صحيفة ديلي تايمز quot;حقيقة أنه لم يتحدث بشكل سيء عن الحكومة في كلمته قد تمكنه من العيش في سلام في باكستان. ولكن لم يتضح بعد ما اذا كان ذلك سيكون ممكنا.quot;
قادة باكستان يتشاورون
وتجتمع حكومة الائتلاف الباكستانية الثلاثاء لمناقشة الخطوات المقبلة التالية لاعلان مشرف الاستقالة. ولم يتمكن الحزبان الرئيسيان المتحالفان ضمن الحكومة من تجاوز خلافاتهما حول منح او عدم منح مشرف حصانة من الملاحقات القضائية بتهم انتهاك الدستور.
كما يناقشان موضوع اعادة مجموعة من كبار القضاة كان مشرف قد اقصاهم عن مناصبهم، الى جانب الكيفية التي ستعالج بها قضية المتمردين الاسلاميين في المناطق الحدودية المحاذية لافغانستان. وقد استقبلت وسائل الاعلام الباكستانية اعلان مشرف استقلاته بالترحيب، وانتشرت فيها تخمينات حول اختياره مغادرة البلاد الى المنفى. وترددت في وسائل الاعلام تلك اسماء دول مثل السعودية والولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا. الا ان الانقسام الرئيسي داخل الائتلاف الحاكم في باكستان تركز حول من سيخلف مشرف.
هذه الخلافات نشبت بين الشريكين الرئيسيين في الائتلاف الحاكم، وهما حزب الشعب وحزب الرابطة الإسلامية/ فرع نواز شريف، اذ تؤيد قيادات حزب الشعب منح مشرف الحصانة.
اما نواز شريف، الذي أطاح به مشرف في انقلاب 1999، فيطالب بمحاكمة مشرف بتهمة انتهاك الدستور. وبغض النظر عن الشخص الذي سيخلف مشرف في سدة الرئاسة يتوقع المراقبون إجراء تعديلات دستورية تحد من صلاحيات الرئيس. وقالت فازانا راجا القيادية في حزب الشعب ان البرلمان والائتلاف الحاكم هما الجهتان اللتان تناط بهما مسؤولية اتخاذ هذا القرار.
وتعرض مشرف، قائد الجيش السابق الذي تولى الرئاسة بعد انقلاب عسكري عام 1999، الى ضغوط كبيرة للتخلي عن منصبه، قبل ان تقوم الحكومة الائتلافية باول اجراء لعزله من الرئاسة، في سابقة هي الاولى من نوعها في تاريخ البلاد.
وقد احتفل الباكستانيون في عدد من المدن عقب اعلان الاستقالة، ونقل التلفزيون الباكستاني رد الفعل في الشارع الباكستاني حيث وزع البعض الحلوى على المارة في الشوارع كما رقص اخرون. وافادت تقارير ان الايام الماضية شهدت مفاوضات بينه وبين الائتلاف الحاكم تسمح له بالاستقالة دون مواجهة تهم قانونية الا انه لم يتضح على الفور الخطوات المقبلة التي تنتظر الرئيس.
لا صحة لوجود طائرة سعودية لنقل مشرف
في سياق آخر قال سفير المملكة العربية السعودية لدى إسلام أباد علي عواض عسيري أن المملكة كانت ولاتزال حريصة على أمن وإستقرار وسيادة باكستان ولم ولن تتدخل في الشأن السياسي الداخلي. وأضاف السفير عسيري في تصريحات صحافية ان المملكة تأمل ان ينعم الباكستان بالاستقرار السياسي باعتبارها دولة استراتيجية هامة مؤكدا على عمق العلاقات التي تربط الشعبين والحرص المتبادل لتعزيز هذه العلاقات في جميع الميادين السياسية والاقتصادية والتجارية .
ونفى عسيري ما تناقلته وكالات الانباء حول وجود طائرة سعودية في اسلام اباد لنقل مشرف الى المملكة قائلا هذه اخبار عارية عن الصحة تماما.. وهي مجرد اختلاقات اعلامية كاذبة. وقال عسيري ان المملكة ومنذ تأسيسها على يد الموحد المغفور له الملك عبدالعزيز يرحمه الله انتهجت سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة. وأعرب عسيري عن أمله ان تنتهي الأزمة السياسية في الباكستان لكي يستطيع الشعب الباكستاني العيش بأمن واستقرار بعيدا عن الأزمات.
الصين تتوقع أن تبقى الروابط قوية مع باكستان
الى ذلك قالت الصين انها تتوقع ان تبقى روابطها مع باكستان قوية في اعقاب رحيل مشرف الذي أشادت به بكين لسعيه من أجل النهوض بالعلاقات بين البلدين. وكان مشرف استقال من منصبه يوم الاثنين لتفادي مساءلته امام البرلمان وذلك بعد مرور تسع سنوات على توليه السلطة في انقلاب. وترتبط باكستان والصين بعلاقات شراكة وثيقة منذ وقت طويل ويسعى البلدان كلاهما الى التصدي للهند وزار مشرف بكين عدة مرات لتوطيد الروابط الدبلوماسية والاقتصادية.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية كين جانج انه يتوقع ان تبقى العلاقات الوثيقة في عهد خلفاء مشرف. وقال كين في بيان نشر في موقع الوزارة على شبكة الانترنت quot; نأمل ونعتقد انه من خلال الجهود المشتركة للصين وباكستان سيستمر التعاون الودي بين البلدين في التقدم.quot; وأضاف البيان quot;في عهده رئيسا لباكستان لعب مشرف دورا هاما في تطوير العلاقات الصينية الباكستانية وأشاد الجانب الصيني بذلك.quot;
والصين مورد رئيسي للسلاح الى باكستان وساعدتها ايضا في بناء محطات نووية مدنية. ووقع البلدان اتفاقا للتجارة الحرة في عام 2006 ويأملان زيادة التبادل التجاري الى 15 مليار دولار خلال الخمسة الاعوام المقبلة.
التعليقات