جنيف: لا يوجد تفسير واحد لِـما يجرى هذه الأيام في المنطقة، لكن المؤكَّـد أن عدّة تفجيرات إرهابية متتالية كبرى تتم على ساحة واسعة، سميت سابقا بـ quot; هلال الأزمات quot; تمتد من باكستان إلى موريتانيا، مرورا باليمن والجزائر، تعني شيئا يتجاوز التأكيد على أن quot;القاعدةquot; لا تزال قائمة.
فالأرجح هذه المرة، أن quot;القواعد المحليةquot; قد بدأت تتَّـجه لتنفيذ عمليات quot;11 سبتمبرquot; خاصة بها، وأن الدول التي تشكلت فروع القاعدة داخلها أو حولها، ستواجه أوقاتا صعبة في الفترة القادمة.
إن الأسابيع الستة الماضية، قد شهدت تصاعدا واسع النِّـطاق لأعمال الإرهاب، فيما شكَّـل موجة عنيفة، بدأت بسلسلة تفجيرات دموية في الجزائر ضدّ مناطق مدنية ومواقع عسكرية، واستهدف هجوم مكرّر دورية عسكرية شمال موريتانيا، كما دارت معركة حقيقية حول السفارة الأميركية في اليمن، قبل أن تصل الموجة إلى قمَّـتها بعملية تدمير quot;الماريوتquot; في إسلام أباد يوم 20 سبتمبر، ومعظمها عمليات انتحارية تحمل quot;ماركة القاعدةquot;.
عودة القاعدة؟
لقد اعتادت تحليلات ما بعد موجات الإرهاب خلال السنوات الماضية، على التأكيد على فكرة عامة، وهي أن القاعدة لم تنتَـه وأنها لا تزال قادرة على شنِّ هجمات كُـبرى، لكن التيار الرئيسي في التحليلات لم يكن يقصُـد quot;تنظيم القاعدةquot;، إذ ساد اتِّـجاه بأن القاعدة قد تحوّلت إلى quot;حالةquot; أو مرجَـعية لشبكة واسعة من التنظيمات المحلية التي تعمل في بلدان إسلامية وعربية مختلفة، بشكل مستقل في توجهاتها وأهدافها وأحيانا أفكارها، مع وجود أو عدم وجود اتِّـصال منتظم بينها وبين بقايا قيادات التنظيم الرئيسي.
لكن، ما يحدث في أعقاب الموجة الحالية، هو أن تيارا يُـشير إلى احتمال أن تكون القاعدة الأصلية قد أعادت تجميع قُـدراتها، بما يُـتيح لها الظهور مرّة أخرى والقيام بعمليات كبرى، استنادا على ما يلي:
bull; تقارير تشير إلى أن التنظيم قد تمكَّـن من إعادة تشكيل ملاذ آمِـن له في مناطق الحدود الباكستانية ndash; الأفغانية، في ظل تحالفات تقليدية مع طالبان من ناحية، وتحالفات جديدة مع الناشطين الباكستانيين من ناحية أخرى.
bull; معلومات تقرّر أن عناصر رئيسية تنتمي للقاعدة قد أعادت تنظيم نفسها في مناطق شرق إفريقيا، وفي جنوب الصحراء الكبرى ومثلثات الحدود النائية في المغرب العربي، بأعداد كبيرة، وتوجهات شرسة.
bull; إثارة الدول الداعمة للإرهاب وتوجيه اتهامات لإيران وسوريا، بإيواء بعض قيادات القاعدة في إطار نوايا لتوظيفها، وهي مسألة يصعُـب التعامل معها ببساطة بالتأكيد أو النفي، وتمثل مشكلة بحد ذاتها.
bull; تحليلات تُـعيد التذكير بخلايا القاعدة، التي كانت قد تحوّلت إلى أسراب شاردة أو مجموعات نائمة، يُـمكن أن تستيقظ فجأة في أي دولة، لتوجه ضربات انتحارية، مع أول بادرة لعودة شبكة اتصالات التنظيم إلى العمل.
إن بعض التطوّرات التي شهدتها الفترة الماضية، كهجمات القوات الأميركية غير المصرّح بها على مناطق الحدود الباكستانية وتوسيع نطاق نشاطات الاستخبارات الأميركية في القرن الإفريقي وتكثيف الاتِّـصالات الأمنية مع دول المغرب العربي في إطار quot;قيادة إفريقياquot; (أفريكوم)، تستند على تلك التقديرات التي تقرر أن quot;مركز القاعدةquot; قد عاد إلى العمل.
الفروع المحلية
لكن، هناك تقديرات أخرى تؤكِّـد أن سلسلة الهجمات التي تُـشنّ في الوقت الحالي، لا ترتبط بـ quot;عودة القاعدةquot;، فهي لم تعُـد قادرة على العمل كما كانت من قبل (أحدهم يشبِّـهها بملكة النحل التي تقتصر مهمَّـتها على وضع البيض)، وإنما إلى حدوث نمُـوٍّ غير مسبوق في حجم وقوة الجماعات الدِّينية المتشدِّدة في عدد كبير من الدول العربية والإسلامية، بصرف النظر عن وجود أو عدم وجود القاعدة.
مؤشرات هذا التقدير واضحة، فالتيارات السلفية المتطرِّفة قد توحَّـشت في باكستان وأصبحت هناك معضِـلة تحتاج إلى تفسير في حالة الجزائر، وتشهد اليمن حالة ارتباك في ظل نمو غير مُـسيطر عليه للجماعات المتطرفة، وتعاني موريتانيا منذ عامين من صعود لا يبدو أنه سيتقلَّـص ببساطة لتلك التيارات، إضافة إلى ما يجري في العراق والأردن ولبنان والسعودية والمغرب وسيناء وغزة.
إن مُـعظم تلك الجماعات تنتمي إلى شبكات إقليمية، تحمل إسم القاعدة، قامت بتقسيم المنطقة إلى قطاعات، ذات مسمَّـيات قديمة، كبلاد الرافدين وجزيرة العرب وبلاد الشام والمغرب الإسلامي، وبالفعل، توجد بين بعض مجموعاتها علاقات قوية تربِـطها ببعضها كقاعدة المغرب، أو ببقايا التنظيم الرئيسي كقاعدة الرافدين، لكنها في النهاية مجموعات محلية، تعمل ndash; وِفق ذلك التقدير ndash; على مسؤوليتها الخاصة، وِفق نظرية quot;الفرانشايزنجquot;.
إن عملية quot;الماريوتquot; في باكستان جاءت غالبا كردِّ فِـعل لهجمات الجيش الباكستاني ضد منطقة باجور القبلية، والتي أدّت إلى مقتل 700 شخص ونزوح 260 ألف آخرين، كما جاءت عملية موريتانيا ردّا على إحالة 39 من عتاة قاعدة المغرب إلى المحاكم، ويبدو أن عملية بومرداس بالجزائر أتت كردّ على كمين تمكَّـن الجيش فيه من قتل 12 إرهابيا في بُـنى دوالة بمنطقة القبائل، وتحتاج هجمات اليمن إلى حلٍّ لبعض الألغاز الداخلية، فهناك دوافع محلية تفسِّـر الكثير ممَّـا يدور على كل ساحة.
أفراد من الشرطة العراقية يُعاينون موقعا تعرض لعملية تفجير بسيارة مفخخة في أحد أحياء العاصمة بغداد يوم 22 سبتمبر 2008 الحرب المُـحيِّـرة
وبالتأكيد، فإنه من الصَّـعب للغاية اعتبار أن ما يجري مجرد شأن quot;محليquot;، فما جرى في لبنان والأردن وأحيانا المغرب ومناطق سيناء، وما يجري في العراق، يحمل ملامح عابِـرة للحدود، بل إن كثيرا من العمليات التي جرت، كانت موجَّـهة ضدّ quot;مصالح خارجيةquot;، لكن المُـثير أن بعض التيارات التي ركَّـزت على البُـعد الخارجي، وكأنه عذر أحيانا، قد أصبحت تتحدّث بصوت مسموع عن الأبعاد المحلية لِـما يدور، ويكاد بعضها يُـشير بأصابعه إلى أطراف داخلية ذات علاقة.
لكن أحدا لن يسير في هذا الاتِّـجاه إلى مُـنتهاه، فالمعضلة في التعامل مع quot;القواعد المحليةquot;، هي أنه لا يمكن تصفيّـتها دون التسبُّـب في مُـشكلات داخلية كبيرة، خاصة في ظل تغلغلها داخل النُّـظم السياسية وداخل التشكيلات الاجتماعية، وأحيانا داخل مؤسسات الأمن ذاتها، وبالتالي، لن يقتصر الأمر على الرُّدود الانتقامية التي توجَّـه للدولة، كما يحدث حاليا، وإنما قد تتسبَّـب أية محاولة استِـئصال في عدم استقرار سياسي أو صراعات داخلية.
فى النهاية، فإن ما جرى خلال موجة العنف الأخيرة، يُـشير إلى أنه لا توجد قيادة مركزية للقاعدة، وأن القاعدة أصبحت محلية (أو إقليمية) أكثر منها عالمية. فرغم أنه لا تزال لفكرة quot;عودة القاعدةquot; أسُـسها القوية، ورغم أنه لا يزال بإمكانها أن تفاجئ العالم بعمليات من المركز في الكهوف، فإن الموجة الحالية ترتبِـط غالبا بجماعات تحمل إسم القاعدة ولديها ولاء للفكرة وتبني للأسلوب وتحالف مع quot;الشبكةquot;، إلا أن مُـعظمها لم يعُـد يفكِّـر كثيرا في العدو البعيد، مع استعداد قوى بالطبع ndash; حسب تعبيرات مواقعها الإليكترونية - لاستهداف أي quot;مشركquot; تطأ قدمه أرض بلدانها، فمشكلاتها مع quot;المرتدينquot; داخل دوَّلها تتصاعد بانتظام مرّة أخرى، وسوف تقود إلى عمليات مدمِّـرة، قبل أن ينقلب ضدّها الجميع.
التعليقات