من شأنالفتوى التي أصدرتها مؤخرًا وزارة الأوقاف الكويتية حول اللباس الشرعي المطلوب من المرأة أن تؤسس رأيًا توجيهيًا للمحكمة الدستورية، التي ستنظر ببضعة طعون أحدها يطالب بشطب عضوية نائبتين في البرلمان بسبب عدم إرتداء الحجاب، فيما تنتظر نائبة ثالثة حكمًا قضائيًا قد يقصيها عن البرلمان، إذا ما أثبتت أخطاءً حصلت خلال فرز الأصوات في إنتخابات الثامن عشر من أيار (مايو) الماضي، علمًا أن المحكمة الدستورية ستصدر أحكامها النهائية والقطعية يوم الثامن والعشرين من الشهر الجاري.

الكويت: لا تزال الساحة السياسية الكويتية تعيش الهزات الإرتدادية لزلزال الفتوى الدينية التي أصدرتها وزارة الأوقاف الكويتية الأسبوع الماضي ردًّا على سؤال وجهه النائب الكويتي محمد هايف الهاجري، بشأن اللباس الشرعي للمرأة المسلمة، وطلبه فتوى رسمية في هذا الإطار، قبل أن تأتي المفاجأة الكبرى وتصدر الفتوى لمصلحة الطرح المتشدد للنائب المطيري المتصل بهجومه الشديد على ما يعتبره بإستمرار سفور عضوتين في مجلس الأمة الكويتي لا يرتدين الحجاب، ورفضن ذلك صراحة حين أثير الموضوع للمرة الأولى من قبل النائب الكويتي الإسلامي مع إفتتاح البرلمان الكويتي في الحادي والثلاثين من أيار (مايو) الماضي بعد نحو أسبوعين من إنتخابه. إلا أن القضية أخذت أبعاد أكثر قوة وقتذاك حين تقدم محام كويتي بطعن قضائي أمام المحكمة الدستورية يطالب به بإسقاط عضوية النائبة رولا دشتي، والنائبة أسيل العوضي لمخالفتهن قوانين الضوابط الشرعية التي صاحبت منح المرأة الكويتية حقوقها السياسية في صيف العام 2005، إذ تولت المحكمة الدستورية مسألة النظر في ذلك الطعن، وسط إنطباعات الآن في الداخل الكويتي تشير الى أن الفتوى الدينية قد تعني رأيًا توجيهيًا للمحكمة الدستورية العليا التي لت تستأنف أحكامها، وتعتبر واجبة التنفيذ على نحو فوري.

وحتى الآن تحبس المرأة الكويتية أنفاسها مترقبة قرار المحكمة الدستورية وحكمها الذي سيصدر في الثامن والعشرين من الشهر الحالي، أي في اليوم التالي لإنطلاق عمل دور الإنعقاد البرلماني الجديد لمجلس الأمة الكويتي، في ظل تأكيدات من جانب قوى إسلامية كويتية بأن حكم المحكمة الدستورية لن يحيد عن الضوابط الشرعية لترشح المرأة الكويتية الى الإنتخابات، التي أتفق عليها مع القوى السياسية والديمقراطية في الأشهر التي سبقت قانون منح المرأة حقوقها السياسية، لكن القوى النسائية الكويتية تعتبر صدور قرار من هذا النوع بأنه مخالف لأصل الدستور، ويحجر على المرأة الكويتية التي سيكون لها موقف متشدد منه في حال صدوره كما قالت أكثر من ناشطة نسائية خلال الأيام الماضية، لكن المحامية الكويتية نهى العجمي أكدت لـquot;إيلافquot; أن قرار المحكمة الدستورية سيركز على مسألة الإحتشام في اللباس أثناء حضور جلسات مجلس الأمة الكويتي، وهذا الأمر لا تخالفه لا النائبة دشتي ولا النائبة العوضي اللتان ظهرتا بلباس محتشم جدًا حتى في المناسبات الإجتماعية الخاصة التي لا علاقة لها بمجلس الأمة.

وتضيف المحامية العجمي أنها تعتقد أن الفقرة المشار إليها في الضوابط الشرعية بشأن لباس المرأة فضفاضة جدًا من الناحيتين اللغوية والقانونية فمن حيث اللغة، فإن الإحتشام صفة عامة للباس لا تعين الحجاب على وجه الدقة، كما أنه من الناحية القانونية فإن لفظة الحجاب لم يجر تداولها البتة في الضوابط الشرعية، لذا فإنه على الأرجح سيكون الحكم الدستوري مؤسسا على سلامة عضوية النائبتين دشتي والعوضي لإلتزامهما بمبدأ الإحتشام الذي تظهره جميع الصور الملتقطة لهما منذ نيلهن عضوية مجلس الأمة الكويتي، وإذا ما جاء حكم المحكمة الدستورية مؤيدت لإلغاء عضوية دشتي والعوضي فإن مئات الدعاوى القضائية ستنشأ في إتجاهات أخرى ما يعني الدخول في متاهة تعقيدات قضائية ودستورية ستكون الكويت في غنى عنها.

وعمليًا شكّلت الفتوى الدينية الصادرة الأسبوع الماضي صراعا هائلا بين إسلاميي وليبراليي الإمارة الخليجية الصغيرة والثرية بالنفط، والتي تعيش أسوأ أزماتها السياسية منذ أكثر من ثلاث سنوات، فمن ناحية رحبت القوى الإسلامية المتشددة بالفتوى التي صدرت عن جهة حكومية رسمية رغم إيمانهم بأن الفتوى لا تحمل الصفة الإلزامية أو التنفيذية، لكن من ناحية أخرى أعتبرت القوى الليبرالية أن الفتوى مثابة إنثلاب على الدستور، وخطوة واسعة نحو quot;طلبنة البلادquot; كما قالت إفتتاحية صحيفة quot;الجريدةquot; الكويتية في تعليقها على الفتوى، التي شكلت مفاجأة كبيرة للقوى الليبرالية، منتفضة ضد الفتوى، ومعتبرة أن الكلمة الفصل في هذا الإطار هي للمحكمة الدستورية الكويتية العليا التي يعد حكمها قطعيا ونهائيا، ويقطع دابر التأويلات.

وفي مواجهة أخرى للمرأة الكويتية ذات صلة بحكم منتظر أيضا في اليوم ذاته من قبل المحكمة الدستورية فإن النائبة سلوى الجسار مهددة أيضًا بصدور حكم عن المحكمة يلغي عضويتها في البرلمان الكويتي، ويجيرها لصالح مرشح آخر خسر الإنتخابات الكويتية الماضية التي جرت في الثامن عشر من أيار (مايو) الماضي، علمًا أن المحامي حمد المطر مقدم الطعن أمام المحكمة في عضوية الجسار يقول أنه الأحق بعضوية المجلس، مستندا الى محاضر فرز الأصوات المشترك بين وزارتي الداخلية والعدل، لكن النائبة الجسار أكدت مرارًا أنها ستحترم حكم المحكمة في حال صدوره وستظل قريبة من الجو السياسي العام، لكنها تأمل في بقاء عضويتها في البرلمان لإكمال الطريق الذي بدأته.

وفي حال قبول المحكمة الدستورية الكويتية للطعون القضائية المقدمة ضن عضوية النساء الثلاث فإن عضوية المرأة في البرلمان الكويتي ستقتصر على مقعد واحد للدكتورة والوزيرة السابقة معصومة المبارك التي تمتلك رصيدًا أكبر من العمل السياسي، والخبرة في ملفات الحكومة والبرلمان كونها الوزيرة الأولى في تاريخ الكويت، وكذلك إستطاعت في الإنتخابات الماضية أن تكون النائبة الأولى، علمًا أنها إستقالت من المنصب الوزاري بعد صراعات مريرة مع البرلمان، لكن المبارك منذ فوزها بعضوية البرلمان احتفظت لنفسها بمساحة بعيدة ومعقولة عن موالاة الحكومة، وكذلك عن المعارضة البرلمانية، لكن نشاطها في اللجان يؤشر الى أنها ستكون جسرًا مهمًّا بين الإعتدال والتشدد داخل البرلمان في المحطات المقبلة.