يواجه الجيش الباكستاني مهمّة صعبة جدًّا لسحق شبكات طالبان في جنوب وزيريستان في أرض يصعب إختراقها وحيث ينتشر أخطر الناشطين في العالم كما يرى محللون. ورسم القادة العسكريون على مدى اشهر مخططات المعركة للإستيلاء على وزيريستان مستفيدين من موجة تأييد شعبي للعملية التي اعتبرت ناجحة ضد طالبان في وادي سوات. لكن المهمة في جنوب وزيريستان ستكون أصعب بكثير نظرًا لثقافة الحرب المنتشرة في هذه المنطقة، حيث أن قبائلها عرفوا بمقاومتهم للبريطانيين في القرن التاسع عشر، ولأن أرضها الجبلية مليئة بالكهوف والغابات الكثيفة. وجنوب وزيريستان جزء من منطقة القبائل الواقعة في شمال غرب البلاد والخارجة عن سلطة باكستان. وتعتقد الولايات المتحدة أن قادة القاعدة وبينهم أسامة بن لادن نزحوا مع آلاف من عناصر طالبان إلى هذه المنطقة إثر الإطاحة بنظام هذه الحركة في أفغنستان في أواخر العام2001.


بيشاور (باكستان): خاضت القوات الباكستانية معارك شرسة مع مقاتلي طالبان يوم الاحد بعد يوم واحد من شنّ هجوم طال انتظاره بهدف بسط سلطة الدولة على المناطق القبلية الواقعة على الحدود الافغانية والتي ينعدم فيها القانون.

ويأتي الهجوم على المعقل العالمي للاسلاميين في وزيرستان الجنوبية بعد سلسلة من هجمات المتشددين الجريئة في مناطق مختلفة من البلاد من بينها هجوم على مقر الجيش قتل فيه اكثر من 150 شخصًا.

ويقاتل نحو 28 الف جندي ما يقدر بنحو عشرة الاف من مقاتلي طالبان من بينهم نحو الف مقاتل اوزبكي وبعض اعضاء القاعدة من العرب بعد تطويق منطقة المتشددين والتقدم فيها من ثلاث اتجاهات.

وقال الجيش ان اشتباكات اندلعت يوم السبت في الوقت الذي واجه فيه الجنود الذي تدعمهم طائرات ومدفعية مقاومة وقتل اربعة جنود واصيب 12 .

وصرح مسؤولون بأن قوات الامن استولت على معقل لطالبان في سبينكاي راجزاي يوم السبت بعد انسحاب المتشددين من تحصيناتهم ولجوئهم الى الجبال المجاورة.

وقال مسؤول حكومي كبير في شمال غرب البلاد quot;انها منطقة منبسطة ولذلك فكلما حاولوا ابداء مقاومة اطلقت طائرات الهليكوبتر النار عليهم ومن ثم قرروا الهروب الى الجبال.quot;

وفي اظهار للوحدة قبل الهجوم البري اعطى مسؤولو الحكومة وزعماء الاحزاب السياسية يوم الجمعة دعمهم الكامل للجيش الذي تعهد باستئصال التمرد .

وتواجه باكستان المسلحة نوويًا ضغوطًا اميركية لشن حملة على التشدد الاسلامي في الوقت الذي يدرس فيه الرئيس باراك اوباما تعزيز عدد القوات التي تقاتل في افغانستان المجاورة.

وفرّ كثيرون من اعضاء القاعدة وطالبان الى شمال غرب باكستان بعد اطاحة قوات قادتها اميركا بطالبان في كابول في 2001 واصبحت المنطقة بؤرة عالمية للتشدد الاسلامي.

وقد يكون هذا الهجوم اصعب اختبار للجيش الباكستاني منذ ان انقلب المتشددون على الدولة وهناك امال بان تبقى فصائل طالبان الافغانية في أماكن أخرى في وزيرستان الجنوبية ووزيرستان الشمالية بعيدة عن القتال.

وقال الجيش ان ما يصل الى 100 الف مدني فروا من وزيرستان الجنوبية تحسبا للهجوم في حين قالت الامم المتحدة ان 500 شخص يرحلون يوميا.

واعلنت حالة التأهب في صفوف قوات الامن في شتى انحاء البلاد تحسبًا لوقوع هجمات انتقامية.

خبراء

وقال رحيم الله يوسفزاي الخبير في شؤون القبائل ان quot;الحرب في وزيريستان لن تكون سهلة، انها اصعب بكثير من سواتquot;. واضاف quot;وزيريستان تشبه ثقبا اسود. ويعاني الجيش اساسا من نقص في معلومات الاستخبارات، وحتى الجيش يصف وزيريستان على انها ثغرة في الاستخباراتquot;.

والعدو في هذه المنطقة معتاد على المعارك ومدرب بشكل جيد، فيما الجيش تنقصه القدرات الجوية الحيوية والخبرة المتطورة جدا في مكافحة التمرد. وبين المقاتلين في وزيريستان هناك عناصر من وسط آسيا وعرب وشمال افريقيا.

كما ليس هناك اي ترسيم للحدود ما يتيح للناشطين الفرار الى افغانستان المجاورة او الاختفاء في اقليم شاسع تسيطر على سكانه البالغ عددهم 600 الف نسمة قبيلتا محسود ووزير.

وتطرح الثلوج الكثيفة المرتقبة في الشهرين المقبلين مع بدء فصل الشتاء تحديا اخر للجيش الذي حدد قادته مهلة ستة الى ثمانية اسابيع لاستكمال المهمة.

وتوعدت حكومة باكستان بهجوم واسع النطاق منذ اشهر. وتكثفت الضغوط الاميركية والمحلية على الجيش للتحرك بعد موجة من الهجمات التي شنها ناشطون وخلفت اكثر من 170 قتيلاً هذا الشهر.

لكن العملية العسكرية المتسرعة ردًّا على الهجمات المحرجة التي كشفت عن ثغرات امنية، قد لا تاتي بنتائج.

وقال محمود شاه المسؤول الامني السابق عن الاقاليم القبلية السبعة في باكستان ان quot;توجيه ضربة قوية لطالبان يحتاج لاستراتيجية جيدة، وعملية سابقة لاوانها للجيش قد تخلق الكثير من المشاكلquot;.

ويقول الجيش ان العملية ستكون محصورة بمعاقل بيت الله محسود، زعيم الحرب الذي قتل بصاروخ اميركي ودفع بعناصر طالبان الى ان ينشطوا في قتل رجال الامن والمدنيين في باكستان.

وقال مسعود شريف رئيس مكتب الاستخبارات الباكستانية سابقا ان quot;طالبان سيخوضون حرب عصابات. وعلى الجيش التركيز على الاستيلاء على هيكلية القيادة او تدميرها والا فانهم سيشكلون شبكة مجدداquot;.

ويقدر الجيش ان حركة طالبان الباكستانية لديها ما بين 10 الاف و20 الف عناصر في جنوب وزيريستان. ويقول الخبراء ان العملية ولكي تنجح كان يجب ان يسبقها مفاوضات لكسب ثقة رجال قبائل الباشتون الباكستانية.

ورجال القبائل عايشوا كل حملة كبرى استهدفت المنطقة بما يشمل الحرب الافغانية في الثمانينات ضد الاتحاد السوفياتي السابق.

وقال يوسفزاي ان quot;عملية ضد قوة من طالبان تخوض حرب عصابات يجب ان تكون انتقائية وتركز على معلومات استخباراتية. كما من المطلوب القيام بعمل سياسي في المنطقة وكسب ثقة القبائلquot;.

وثاني اكبر قبيلة تهيمن قرب الحدود الافغانية هي قبيلة وزير ولديها اتفاق للبقاء محايدة تقنيا. لكن قسما صغيرا فقط من قبيلة محسود الكبرى وقع اتفاق سلام مع الحكومة الباكستانية.

ويقول المسؤولون الحكوميون في شمال غرب البلاد انه تم التوصل الى اتفاقات مع عدد من وجهاء القبائل في جنوب وزيريستان ومع قادة في شمال وزيريستان المجاور للبقاء محايدين في حال شن هجوم بري.

لكن العمليات العديدة التي تمت في شمال غرب باكستان لاقت نجاحا محدودا وادت الى مقتل الفي عنصر من الجيش منذ العام 2002.

والهجمات في وزيريستان عامي 2004 و 2005 انتهت باتفاقات سلام اعتبر بعضهم انها اعطت مجالاً للناشطين لكي يعيدوا تسلحهم.

رويترز، أ ف ب