في تقرير لها تحت عنوان quot;مسيحيو الشرق الأوسط يواجهون أوقاتاًً غامضة في عيد الميلاد هذا العامquot;، تشير صحيفة تلغراف البريطانية إلى كم الصعوبات التي باتت تواجهها الطائفة المسيحية في عدة بلدان بالمنطقة، وذلك على خلفية عدة عوامل من بينها الحروب، والتطرف الديني، والأزمة الاقتصادية العالمية، وما أسفر عن ذلك من نزوح غير مسبوق للمسيحيين في العصر الحديث من الشرق الأوسط، ما جعل الاحتفالات الخاصة بأعياد الميلاد في المنطقة (التي كانت تمثل ذات يوم مهداً للديانة المسيحية) قد باتت مقصورة على أعداد قليلة من المسيحيين، بعد فرار كثيرون منهم إلى مناطق أخرى حول العالم، منها الولايات المتحدة والسويد واستراليا.
القاهرة: تستهل صحيفة التلغراف البريطانية حديثها حول أوضاع المسيحيين في بيت لحم، فتقول إنه وبينما يتم التجهيز الآن بالأضواء لأعياد الميلاد، إلا أن المسيحيين هناك قد تراجعت أعدادهم من أربعة أخماس سكان المدينة إبان الحرب العالمية الثانية إلى الربع فقط اليوم. وفي هذا السياق، تنقل الصحيفة عن الياس جقمان، العامل في مهنة النجارة بمدينة بيت لحم ويدعي أن جذور عائلته تمتد إلى حقبة الحروب الصليبية، قوله :quot; تواجهنا عقبات كل عام. فبعد الانتفاضة ndash; ومرور ثلاث أو أربع سنوات من حظر التجوال ndash; جاءت حرب لبنان، ثم الأزمة الإقتصادية، بالإضافة لمعاناتنا طوال الوقت مع الجدار الأمني. فبعد تحسن الأمور نوعا ً ما العام الماضي، عادت لتسوء مرة أخرى هذا العامquot;.
ثم تمضي الصحيفة لتشير إلى تكرار مثل هذه الروايات المأساوية في مدن وبلدان مجاورة، ففي القدس، يقوم اليهود الأرثوذكس بالبصق على المارة الذين يرتدون صلباناً. وفي المقاطعة الفلسطينية الأخرى من قطاع غزة، تم إلقاء قنابل حارقة على المتاجر المملوكة لمسيحيين. وفي مصر، تعرضت سلسلة من الأعمال التجارية المملوكة لمسيحيين أقباط للحرق خلال أعمال شغب نشبت الشهر الماضي في محافظة قنا بصعيد البلاد. وهنا، تنقل الصحيفة عن مطران الأبرشية، الأنبا كيرلس، قوله :quot; يعيش الأقباط في حالة خوف مستمرquot;. وتنوه الصحيفة في هذا السياق للتعليقات التي أدلى بها البابا بيندكت السادس عشر حول مسألة انعدام الأمن خلال الجولة التي قام بها للشرق الأوسط مطلع هذا العام، وقال فيها :quot; تتأثر الطائفة الكاثوليكية بشدة هنا بالصعوبات ومحاور انعدام الأمن التي تؤثر على جميع شعوب الشرق الأوسطquot;.
بعدها، تنتقل الصحيفة لتلقي الضوء على أعمال العنف الطائفي التي تسود في محافظات ومناطق عدة بالعراق، وتلفت في البداية إلى إقدام ما يقرب من 600 ألف مسيحي على السفر للخارج منذ عام 2003، بينما انتقلت أعداد أخرى تقدر بمئات الآلاف إلى مناطق أكثر أمانا ً في الشمال، والتخلي عن الطوائف المسيحية التي كانت تعيش حالة من الازدهار يوما ً ما في الموصل وبغداد ومدينة البصرة جنوبي العراق. وتنقل الصحيفة عن مواطن عراقي مسيحي يدعى، مارودي، قوله :quot; قام فنان بنشر رسوما ً كاريكاتيرية في الدنمارك ( في إشارة للرسوم المسيئة للرسول)، ثم قاموا بعدها بنسف الكنائس في العراق. كما قُتِل طفل يبلغ من العمر خمسة أعوام ndash; لكن هذا الطفل لم يكن دنماركيا ً، وإنما كان عراقياً. وعندما تحدث البابا عن المسلمين والمساجد في ألمانيا، وقعت هنا انفجارات بعدها بيومين أو ثلاثة. ويمكنني أن أقول إننا أكبر الخاسرين في هذه الحرب، ومع هذا فلازلنا نعتبر السكان الأصليين للبلاد quot;.
وتنتقل الصحيفة بعد ذلك لتلفت إلى أن المسيحيين الذين كانوا يشكلون نسبة قدرها 20% من إجمالي سكان منطقة الشرق الأوسط منذ قرن من الزمان، قد تراجعوا الآن إلى نسبة تقل عن الـ 5 %. وتؤكد الصحيفة في هذا الإطار على أن صعود الإسلام الراديكالي لا يمكن اعتباره العامل الوحيد وراء حدوث هذا، وتدلل على ذلك بما يعانيه المسيحيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، جنباً إلى جنب مع المسلمين، من السياسات الإسرائيلية، مشيرةً إلى أن أحدث أوجه معاناتهم تتمثل في quot;الجدران الأمنيةquot;.
وتنقل الصحيفة في غضون ذلك عن قساوسة عرب ادعائهم أن إسرائيل تتعمد غض الطرف عن العنف الذي يتعرض له المسيحيين، آملة ً في أن يرحلوا ويسهلوا من تصوير النزاع الحالي على أنه نزاع قائم بين اليهود والمسلمين.
وفي الختام، تلقي الصحيفة الضوء على أحوال المسيحيين في مصر، بقولها إن المعادلة السياسية مع السياسات الغربية قد تكون المعادلة الأبسط في مصر، حيث يرتبط المجتمع المسيحي القبطي (الذي يشكل 10 % من إجمالي السكان في مصر) بعلاقة وطيدة بأميركا والدول الغربية الداعمة لنظام الرئيس حسني مبارك. وفي غضون ذلك، تشير الصحيفة إلى أنه وفي الوقت الذي تقوم فيه الحكومة بمواصلة تشديدها الخناق على خصومها في جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من المنظمات الإسلامية، يبقى المجتمع المسيحي هدفاًً سهلاًً للهجمات الانتقامية.
وتردف الصحيفة بالقول إن الدارسين لعملية انحسار التواجد المسيحي على المدى الزمني الطويل في الشرق الأوسط يؤكدون أن الديموغرافيا والاقتصاد من العوامل الرئيسية التي تقف وراء ذلك، وليس أي نوع من أنواع المؤامرات الطائفية المنظمة. وتنقل في هذا الشأن عن فيونا مكالوم، الأكاديمي في جامعة سانت أندروز الذي يؤلف كتابا ً عن حالة المسيحية في الأردن وسوريا :quot; نظرا ً لتواجدهم في صورة جماعات صغيرة، يمكن القول إن رحيل مائة مسيحي من المنطقة سوف يُحدِث فارقا ً. وليس من المهم استفراد المسيحيين، فهناك أقليات أخرى تعاني من نفس المشكلاتquot;.
التعليقات