كامل الشيرازي من الجزائر : بدأت السلطات الجزائرية، تحقيقا موسّعا بشأن واقعة غريبة حدثت بمنطقة برّيان التابعة لولاية غرداية (650 كلم جنوب العاصمة)، وقالت مراجع محلية إنّ أشخاصا مجهولين أقدموا هناك على رفع quot;راية الدولة الرستميةquot; (160 ndash; 296 هـ/ 777-909م) التي قامت في الجزائر، وتنسب إلى مؤسسها quot;عبد الرحمن بن رستمquot; زعيم الخوارج الإباضية.
وتعالج الجهات الأمنية المختصة هذه السابقة الأولى من نوعها، والتي أتت أياما بعد اندلاع الفتنة الطائفية بين أتباع الفرقتين الإباضية والمالكية، وبينما تبرّأ هؤلاء من الفعل المثير للجدل، شدّد أعيان المنطقة على كون العمل من تدبير quot;دوائر مشبوهةquot; تسعى من ورائه إلى إثارة الفتنة والإمعان في الاستفزاز، خصوصا مع دعوات أطلقها quot;شباب طائشquot; وتحدثوا من خلالها عن حتمية quot;حماية الأقلياتquot; (..).
كما نفى وجهاء مجالس (المالكية) و(الإباضية) وجود أي نزاع عرقي أو طائفي مثلما حاول البعض إسباغه على أعمال العنف الثالثة من نوعها خلال اقل من عام، وأرجعوا ما حدث إلى quot;مهاترات منحرفينquot;، مشددين على أنّ الوسط المحلي تفطن إلى مغبة الانسياق وراء زعم الفتنة الطائفية، بالمقابل، أظهر سكان محليون لـquot;إيلافquot; قلقهم إزاء تطور الأحداث وتأجج أعمال العنف ببلدتهم، ووجّه الحاج زوبير (66 عاما) والكهل بشير (49 سنة) أصابع الاتهام إلى quot;جهات خفيةquot; تتعمد كل مرة إشعال الفتنة بين فرق تعايشت في سلام على مدار قرون، ويخشى quot;محمد quot; (45 عاما) الأسوأ مع الركود الناجم عن تعطل الحياة الاقتصادية والاجتماعية بمنطقة أهلك طوفان الخريف المنقضي مستوى هائلا من بنيتها التحتية بشكل شبه كامل.
وتثار استفهامات بالجملة عن حقيقة الفتنة المتفجرة بين أبناء الجنوب الجزائري، وهل الأمر يتعلق فعلا بفتنة طائفية بين quot;الإباضيةquot; وquot;السنيينquot; أم بثورة شبابية على أوضاعهم الاجتماعية المتدهورة، علما أنّ رئيس الوزراء الجزائري عبد العزيز بلخادم وكوكبة من الأعيان جزموا قبل أشهر، بنجاحهم في احتواء سلسلة القلاقل التي عصفت بمنطقة quot;بني ميزابquot; منذ العام 2004.
واتهّم وزير الداخلية الجزائري نور الدين يزيد زرهوني، قبل فترة، من سماها (عصابة خارجية) بالتحريض على quot;التطهير العرقيquot;، وذكر زرهوني أنّ سلطات بلاده عثرت على مناشير تحريضية بمنطقة بريان، بينما هاجم الرئيس بوتفليقة من نعتهم quot;مفتعلي الأزمات والمآسي، علما أنّ الجزائر اعتقلت 120 شخصا في أحداث سابقة، لكنها أطلقت سراحهم مؤخرا.
ووجهت الداخلية الجزائرية التهمة آنذاك إلى quot;أياد أجنبيةquot; اتهمتها بالتعفين واستخدام عصابات مافيوزية لضرب استقرار البلاد، علما أنّ مختلف الفرق هناك ظلت متعايشة في كنف سلم تام منذ وقت طويل، الأمر الذي جعل خبراء الشأن الجزائري ينظرون بعين الارتياب إلى ما يحدث، ويطرحون تساؤلات ملحة عمن يحرك (المؤامرة) في الخفاء.
ولقي شخصان مصرعهما وجرح عشرات الآخرين كما أحرقت منازل ومحلات تجارية ومرافق عامة منذ تفجر الفتنة الطائفية بمدينة بريان الجمعة الماضي، ورغم موجة الهدوء الحذر التي ميزت اليومين الماضيين، إلاّ أنّ السكان المحليين بقوا قلقين إزاء احتمال تجدد نشوب المواجهات، رغم إيقاف القوى الأمنية للكثير من quot;المشاغبينquot;، فيما وجّهت السلطات نداءا إلى مواطنيها بضرورة ضبط النفس والتحلي بروح المسؤولية.
وكانت حوادث مشابهة انفجرت في شهري مارس/آذار ومايو/آيار السنة المنقضية، حيث كانت هذه المنطقة الأثرية الجنوبية مسرحا لعديد المناوشات غير المنتهية بالخناجر والعصي بين شباب قيل أنّ بعضهم ينتمون إلى فئة (الإباضية) وآخرون إلى فريق (المالكية)، ووسط تلك الطوارئ لفظ شيخ أنفاسه الأخيرة إثر تعرضه إلى طعنة من طرف مجهول، بينما قضى مواطن آخر برصاصة طائشة، بينما تلقى 35 جريحا جراحا متفاوتة، فضلا عن خسائر مادية ضخمة بالمليارات، جراء التحطيم الذي تعرضت له عديد المرافق العامة من إدارات ومدارس ومحال تجارية، وحتى المنازل لم تسلم من ذاك الهشيم.
يٌشار إلى أنّ أعمال العنف الحالية تعدّ السادسة من نوعها بالمنطقة منذ ربيع 2004، والثالثة في ظرف شهرين، حيث شهدت منطقة بريان أواسط شهر مارس/آذار الماضي ومطلع أبريل/نيسان، مواجهات عنيفة اندلعت لأسباب تافهة، وكان أشدها ليلة المولد النبوي الشريف لعام 2008، وخلفت حينذاك مقتل شخص وجرح العشرات، فضلا عن إصابة مواطنين بصدمات نفسية، على غرار عائلة جرى اقتحام مسكنها من طرف أشخاص ملثمين.
التعليقات