نجلاء عبد ربه من غزة: ما أن يرى الإنسان رقما غريبا يظهر على شاشة جواله، حتى يعتقد أن المتصل من الخارج ربما قريب أو عزيز أو حبيب.. لكن المفاجأة عندما تكون اللغة العربية مكسرة، ويتحدث المتصل من خلال اسطوانه ليسأل المتصل به عن مكان الجندي الاسير شاليط مقابل مبلغ مادي يتجاوز الـ 5 مليون دولار. وأصبح الرقم الدولي يرعب المواطنين في قطاع غزة، خاصة وأنه بدأ يظهر منذ أول أمس على شاشة الهواتف النقالة الخاصة بهم، فالمتصل يعرض مبالغ مليونية هائلة مقابل معلومات عن جنود اسرائيليين مختطفين، أومقابل معلومات عن شاليط الموجود في غزة.

ويأتي إختراق المخابرات الإسرائيلية لشبكة الاتصالات الفلسطينية الجوال والهواتف الأرضية منذ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزه، حينما استخدمها الجيش الاسرائيلي بتوصيل رسائل نفسيه تحذر المواطنين من عناصر حماس وتطالبهم بالابتعاد عن أماكن المقاومين وغيرها من النداءات التي اضطر المواطنون لسماعها كل يوم من الجنود الإسرائيليين. ولجأت إسرائيل إلى مثل هذا النوع من الحرب النفسية خلال حرب تموز 2006 على لبنان، حيث تلقى اللبنانيون على هواتفهم النقالة رسائل نصية وصوتية تضمنت نداءات، لعدم دعم المقاومة والابتعاد عنها. لكن الفلسطينيون في غزة تعودوا على تلك المكالمات عبر أجهزة جوالهم لتشكل اختراقا جديدا لشبكة الاتصالات الفلسطينية.

وعلى الرغم من كثرة الإتصالات بالمواطنين الفلسطينيين منذ سنوات، إلا أن الإتصال بحد ذاته أصبح مصدر قلق، وأدخل كل من يتم الاتصال به في حيره كبيره وخوف من أن يتم إدخاله بدائرة شبهة مكالمة الأعداء مستقبلا، مما جعل العديد من المواطنين يفكرون جدياً بتغيير شرائحهم الجوالة التي عرف الإسرائيليون أرقامها.

وقال ياسر سلامه لإيلاف quot;حين ظهر الرقم لأول مرة على جوال ابني قبل يومين ورد على الاتصال، اصفر وجهه، وبدا كأنه يحمل ذنباً كبيرا، أخذت الجوال منه استمعت للمكالمة، كانت مثل المكالمات التي كانت تبثها إسرائيل أثناء حملة الرصاص المصهور عبر الهواتف الأرضية للحصول على معلومات عن أماكن تواجد المقاومة الفلسطينية والسلاح(..) حينها أغلقت الهاتف وطمأنت ابني، وتوقعنا جميعا أن تأتينا مثل هذه الاتصالاتquot;.

خالد جبر (30 عاماً) كان حانقا من كثرة هذه الاتصالات التي تأتي على رقمه، معتبرا إنها انتهاك فاضح لخصوصيته. وقال لإيلاف quot;كأن إسرائيل تشك إني اخفي شاليط في بيتي، أو أن لدي معلومات عنه، ليل نهار اتصالات، اعتقد انه لا احد يمتلك معلومات عن شاليط سوى خاطفيه، وأنا لست منهمquot;.

وتأسر ثلاثة فصائل فلسطينية من بينها حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط منذ عام 2006، وحتى اللحظة تطالب حماس والفصائل الأخرى الآسرة إسرائيل بإطلاق سراح 1400 أسير فلسطيني مقابل الإفراج عن شاليط.

وأعتقدت الطالبة ربا عبد العزيز عندما جاءتها أول مكالمة من إسطوانة المخابرات الإسرائيلية، أنها مزحة من أصدقاء لها في الخارج، ولكن عندما استمعت إلى باقي المكالمة، أدركت أن الموضوع أخطر مما تظن، فأغلقت هاتفها وأصبحت لا تفتحه إلا في النهار.

من جانبه، أكد الخبير في علم النفس الأمني الدكتور مازن حمدونة أن الاتصالات الهاتفية إحدى أدوات المخابرات الاسرائيلية لتسهيل الوصول إلى المعلومات وتسهيل التجنيد لها. وأضاف لإيلاف quot;الاتصال الهاتفي يكسر حاجز الرهبة عند المواطنين الفلسطينيين، خصوصا وان إسرائيل تدرك الوضع الاقتصادي السيئ الذي يمر به الناس في قطاع غزة، وتدرك أيضاً أن نسبة كبيرة من الشباب والمراهقين يمتلكون هواتف نقالة، وبالتالي فانه من السهل لها الإيقاع بهم وهذا غير مستبعد في ظل حالة عدم وعي الناس للإشكاليات الأمنيةquot;.

ورأى حمدونة أن مشكلة التنظيمات والأحزاب والأذرع العسكرية والحكومة نفسها، أنها جميعا quot;مصابة بالغرور و لا تعزز الحس الأمني لدى المواطنينquot;. وقال quot;حجم المكافأة العالي مقارنة مع حجم المخاطرة القليل عبر الهاتف الشخصي يمكن أن يدخل البعض في لجة الموضوع كنوع من المغامرةquot;.

ونوه الخبير الأمني إلى أن إسرائيل تعزز الانتماء لدى مواطنيها quot;فحين يرى المواطن أن دولته مستعدة أن تدفع الملايين مقابل جندي أو فرد واحد، فانه يشعر كم هو مهم كانسان وبالتالي يتمسك بحكومته وبدولتهquot;.