محللون وصحافيون قلقون بشأن مستقبل المطبوعات الورقية
شبح الاندثار بدأ يطارد أكبر الصحف بمختلف المدن الأميركية

صحافة القرن 21: وداعا للورقية
ترجمة أشرف أبو جلالة: يمتد تاريخ صحيفة quot;ذا سياتل بوست إنتليجينسرquot; لأكثر من عقدين من الزمن قبل أن تتحول واشنطن إلى ولاية، لكن وبعد مرور 146 عامًا على النشر، بات من المتوقع أن تقوم الصحيفة العريقة بنشر آخر إصداراتها الورقية المطبوعة الأسبوع المقبل، وربما تستمر في صورة نسخة إلكترونية أكثر صغرًا . لكنها لن تكون بمفردها، فقد سبق لصحيفة quot; ذا روكي ماونتين نيوز quot; أن أغلقت قبل أسبوعين، ومن المتوقع أن تتحول صحيفة quot; ذا توكسون سيتيزين quot; لنشرة مطبوعة. وعلى الأقل ما زالت مدن مثل دنفير وسياتل وتوكسون تمتلك صحفًا يومية. أما الآن، فيقول بعض الاقتصاديين ومسوؤلي الصحف أن الأمر كله بات مسألة وقت ndash; وعلى الأرجح ليس طويلاً ndash; حتى تصبح بعض المدن الأميركية الرئيسة بلا صحف محلية بارزة على الإطلاق.

وتنقل صحيفة النيويورك تايمز عن مايك سيمونتون، المدير البارز بشركة فيتش راتينغس التي تقوم بتحليل الصناعة قوله: quot;سوف تتحول جميع الأسواق التي تعتمد على صحيفتين إلى أسواق تعتمد بدورها على صحيفة واحدة خلال العام الجاري والعام المقبل، وسوف تبدأ في مشاهدة تحول أسواق الصحيفة الواحدة إلى أسواق بلا صحفquot;. ويرى كثير من المنتقدين ومنافسي الصحف ndash; التي من بينها الصحف الناشئة عبر الإنترنت والتي تم التهليل لها على أنها مستقبل الصحافة ndash;إذ لا ينبغي لأحد أن يرحب بزوالهم.

وقالت جويل كريمر ، المحررة والناشرة السابقة لصحيفة ذا ستار تريبيون والتي تشغل الآن منصب رئيس التحرير والمدير التنفيذي للموقع الخاص بوكالة Minnpost.com الإخبارية على الإنترنت في مينيابوليس: quot;سوف يمثل اختفاء الصحيفة السائدة في أي مدينة أمرًا مروعًا، نظرا للدور الكبير الذي تقوم به في عملية نقل الأخبار المهمة. لكن أماكن مثل الأماكن التي نتواجد بها سوف تشهد ازدهارًا، لكن هذا الازدهار لن يكون كبيرًا عما قريب. ومع هذا فبإمكاننا أن نقوم بضغط الصحف، والدخول في منافسة معهم، لكن ليس بوسعنا أن نقوم باستبدالهمquot;.

وأكدت النيويورك تايمز في الوقت ذاته أنه ليس بمقدور أحد أن يعرف أول المدن الرئيسة التي ستصبح بلا صحيفة كبرى، لكن هناك بعض المدن المرشحة بجميع أرجاء البلاد. وقد هددت أيضًا شركة هيرست المالكة لصحيفة البوست إنتليجينسر، بغلق صحيفة ذا سان فرانسيسكو كرونيكل، التي خسرت أكثر من مليون دولار أميركي خلال أسبوع واحد العام الماضي، إلا إذا كان بإمكانها انتزاع قدر كبير من المدخرات من العملية. ومن خلال اتفاق مبدئي تم التوصل إليه مساء الثلاثاء الماضي، فقد وافقت رابطة العاملين في وسائل الإعلام بكاليفورنيا على تقليل وقت الإجازات، وإطالة أسابيع العمل، وإعطاء قدر أكبر من المرونة لصحيفة كرونيكل بهدف إتمام عمليات التسريح دون مراعاة للأقدمية. وقال مسؤولو الإتحاد إنهم قد أخبروا بأن يتوقعوا التخلص من 150 وظيفة نقابية على الأقل، تقريبا ثلث العدد الإجمالي، وإلى الآن ما زالت الإدارة تحاول التفاوض على تنازلات كي تتحصل عليها من اتحاد سائقي الشاحنات.

وقالت منشورات مسبقة في الخريف الماضي أنها قد تقوم بإغلاق صحيفة ذا ستار ليدغر، الصحيفة السائدة في نيو جيرسي، لكن مجموعة من التخفيضات والامتيازات النقابية ساهمت في الإبقاء على الصحيفة في صورة إصدار مقلص. أما الصحف البارزة في عدد كبير من الأسواق، مثل ذا فيلادلفيا إنكوايرر وذا نيو هيفن ريغستر، فهي تنتمي لشركات أشهرت إفلاسها خلال الثلاثة أشهر الماضية. ويؤكد المالكون على عدم وجود نية لديهم لإغلاق الإصدارات، لكن الإدارة التي تقدم تلك التأكيدات ربما لا تكون مسؤولة عندما تخرج الشركات من عملية إعادة التنظيم.

وأشارت النيويورك تايمز في السياق ذاته إلى أن ناشرين آخرين مثل شركة ذا سياتل تايمز ومجموعة ميديا نيوز ، المالكة لصحيفة دينفر بوست وذا سان جوزيه ميركيوري نيوز وذا ديترويت نيوز، بمكن اعتبار أنهم معرضين لخطر الإفلاس. في حين تم طرح عدد كبير آخر من الصحف بداية ً من ميامي هيرالد وحتى ذا شيكاغو صن تايمز للبيع، دون أن يلوح في الأفق أي مشترين. كما انخفضت العائدات الإعلانية التي تعد بمثابة شريان الحياة لصناعة الصحف بنسبة تقدر بنحو 25 % خلال العامين الماضيين ( مقارنة ً بالانخفاض الذي تعرض له عائدات صناعة السيارات في الشركات الثلاث الكبري المصنعة للسيارات بديترويت والذي قدرت نسبته بنحو 15 % خلال نفس المدة، رغم أنها تزايدت خلال الآونة الأخيرة ).

هذا وقد انخفضت أسعر الأسهم الخاصة بمعظم ناشري الصحف بنسبة وصلت لأكثر من 90 %. وما زاد الطين بله، هو تثاقل عبء المديونيات الملقاة علي كاهلهم حتي الآن، فشركة quot;ذا تريبيونquot; - على سبيل المثال - المالكة لصحف ذا شيكاغو تريبيون ولوس أنجليس تايمز وصحف أخرى أعلنت إفلاسها في كانون الأول / ديسمبر الماضي، نظرًا لعبء الديون الملقى على كاهلها في المقام الأول. والحقيقة هي أنه وعلى الرغم من صعوبة المناخ الاقتصادي على الصحف، إلا أن الناشرين المفلسين سيتمكنون من كسب الأموال حتى من دون سداد ديونهم، مثلما تفعل معظم الصحف في جميع أرجاء البلاد.

لكن المكاسب تتقلص سريعًا،وبحسب ما كشفه تقرير بحثي حديث لجون مورتون، المحلل المستقل، فإن السلاسل الرئيسية التي حظيت بهامش ربح تشغيلي قدره نحو 10 % في عام 2008، قد انخفضت بأكثر من 20 % منذ العام 2004. وأكدت النيويورك تايمز من جانبها أن عمليات الإغلاق التي تعرضت لها بعض الصحف وتهدد بعضها الآخر تشير إلى اتجاه مشؤوم جديد. فصحف مثل كرونيكل وذا روكي وذا ستار ليدغر وذا سيتيزين وغيرها، لم يسبق وأن مثلت الديون لها أي مشكلة وينتمون إلى شركات مذيبة، غير أنهم ما زالوا يفقدون أموالا ً.

ويقول المحللون إن عددًا كبيرًا آخر من الصحف الكبري قد انزلقت أيضا إلي الحبر الأحمر مؤخرا ً، من ضمنها صحيفتي الواشنطن بوست والبوسطون غلوب (المملوكة لشركة نيويورك تايمز ). وقالت الصحيفة أن الإستراتيجية المطردة في التقليص التي استنزفت الصحف الأميركية لما يقرب من عقد من الزمن أصبحت أمرا متزايد الحدوث خلال السنوات القليلة الماضية. ولازالت تمتلك صحيفة لوس أنجليس تايمز واحدا ً من أضخم فرق العمل الإخبارية في البلاد، حيث يعمل بها ما يقرب من 600 شخص، لكنه ضعف العدد الذي كان يعمل في الصحيفة في نهاية تسعينات القرن الماضي. كما كان يوجد بصحيفة الواشنطن بوست غرفة تحرير صحفي لأكثر من 900 شخص قبل ستة سنوات، ويوجد بها الآن أقل من سبعمئة بقليل. وقد قامت شركة quot;غانيتquot; ndash; أكبر شركة نشر صحافي في البلاد - بتسريح أكثر من 8300 موظف خلال عامي 2007 و 2008، أو بنسبة قدرت بنحو 22 % من إجمالي العمالة.

كما أعلنت صحيفة ميامي هيرالد أنها ستتخلص من 19 % من موظفيها. كما بدأت جميع الصحف الكبري في البلاد تقريبا بطبع عدد صفحات أقل وكذلك عدد أقل من المقالات. كما تم غلق مكاتبهم في العواصم الأجنبية وحتى واشنطن. وتتشارك معظم الصحف في تغطية الأخبار مع منافسين سابقين في محاولة لتوفير المصروفات المالية. وعن رأيه في التهديد الذي بات يطارد الصحف الورقية وإمكانية تحولها لمطبوعات إلكترونية، الأمر الذي يبشر ببدء حقبة جديدة من وكالات الأنباء التي ستكون أصغر وأضعف وأقل قدرة على الإيفاء بمهمتهم التقليدية كلجنة مراقبة لأداء البلاد، قال الثري الأميركي باز وولي، رجل الأعمال الشهير بسان دييغو والمعروف بمعارضته للصحيفة التي تصدر هناك وهي صحيفة ذا يونيون تريبيون ويؤيد بشكل كبير لموقع VoiceofSanDiego.org الإخباري : quot;لا يمكني أن أتخيل الشكل الذي سيكون عليه المجتمع المدني. ولا أريد أن أتخيله. فلن تخرج كمية ضخمة من المعلومات إلى الناس بتلك الطريقة quot;.

وبداية من الثلاثين من شهر آذار/مارس الجاري، سوف تقوم الصحف الرئيسية التي تصدر في ديترويت وصحيفتي ذا فري برس وذا نيوز ، بتسليم مطبوعاتهم لمشتركيهم ثلاثة أيام فقط في الأسبوع، لتوفير إنفاق الأموال على الطباعة وعمليات الشحن والنقل. كما ستقوم صحيفة كريستيان ساينس مونيتور بطبع آخر طبعة يومية لها في السابع والعشرين من شهر مارس الجاري، حيث ستصبح مطبوعة إلكترونية في الأساس، وتقوم بنشر مطبوعة ورقية كل أسبوع. ونقلت النيويورك تايمز في النهاية عن جون يما، رئيس تحرير المونيتور قوله: quot;لا يعتمد الأمر كثيرا ً على أن كل فرد يمتلك خطة كبيرة، فالجميع يائس للغاية، والكل ينظر إلى كافة الاحتمالات quot;.