أعلن انطلاق التعاملات الإلكترونية في مجلس الشورى
العاهل السعودي: الانتصار لا يتحقق لأمة تحارب نفسها

العاهل السعودي يحدد سياسة بلاده في خطابه السنوي اليوم

تركي السهلي من الرياض: أكد العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز أن التحديات التي تواجه بلاده والأمة العربية والإسلامية تفرض عليها يقظة لا غفلة معها، وصلابة لا تقبل الضعف، وصبراً لا يخالجه اليأس، وكل ذلك يستدعي من الجميع مسؤولية مضاعفة لمواجهة التحديات التي يأخذ بعضها برقاب بعض، فمن عدوان إسرائيلي عبث بالأرض فساداً، إلى خلاف فلسطيني بين الأشقاء هو الأخطر على القضية العادلة من عدوان إسرائيل، يوازيه خلاف عربي وإٍسلامي يسرُ العدو، ويؤلم الصديق، وفوق هذا كله طموحات عالمية وإقليمية، لكل منها أهدافه المشبوهة.

وأضاف عاهل السعودية خلال افتتاحه أعمال السنة الأولى من الدورة الخامسة لمجلس الشورى في خطابه السنوي أنه في ضوء هذا الجو الملبد بالسواد، ترى الشعوب العربية مصيرها مهدداً من الآخر، وتشعر بأن آمالها مبعثرة ومستقبلها مظلم. لكن الأمة المؤمنة لا تيأس من روح الله، فمن عمق المعاناة والجراح استذكرت تاريخها الحافل بالانتصارات، فانتصرت على يأسها، وانطلقت من سفح الواقع المرير إلى قمة التحدي، متجاوزة ذاتها، ساعية إلى جمع الشمل، وتوحيد الصف والكلمة، وسوف تستمر حتى يزول كل خلاف، مدركين بأن الانتصار لا يتحقق لأمة تحارب نفسها، وأن العالم لا يحترم إلا القوي الصابر.

وتابع الملك عبد الله أن من نعم الله على المملكة أن قامت بدورها في هذه الانتفاضة المباركة على الشقاق والهوان، وفي كل خطة اتخذتها المملكة وضعت نصب أعينها شعبها العريق، مدركة حرصها الشديد على وحدة أمتها العربية والإٍسلامية وعزتها.

وأشار العاهل السعودي إلى أنه خلال تلك الأجواء الصعبة، هبت رياح أزمة مالية عاتية، آثارها امتدت لتهدد العالم كله، وكان لا بد من التصدي لها بحزم ومعالجتها بحكمة، واستطاعت المملكة تجنب أسوأ عواقبها، ولا تزال تراقب الموقف بحذر ويقظة. وأكد أن بلاده تشارك بقية دول العالم الرئيسية البحث في إيجاد الحلول لهذه الأزمة وخاصة دورها في مجموعة العشرين.

وتابع أنه كان لا بد لمسيرة التطوير أن تواصل انطلاقها في السعودية من خلال اتخاذ قرارات تدفع بعجلة التطور، وضرورة التعامل مع المتغيرات، وتحقيق كل أسباب الحياة الكريمة للمواطن. وشدد العاهل السعودي في ختام كلمته على المضي قدما في صناعة الغد السعودي المشرق بالرفاه، المزدهر بالمحبة والتسامح، الفخور بعقيدته وإيمانه.

وفيما يلي نص كلمة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز التي وجهها مكتوبة لأعضاء مجلس الشورى:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه ورسوله محمد الأمين.

أيها الأخوة أعضاء مجلس الشورى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

على بركة الله وبعونه وتوفيقه نفتتح أعمال السنة الأولى من الدورة الخامسة لمجلس الشورى سائلين المولى عز وجل أن يبارك جهودنا جميعاً وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم.
إن من نعم الله علينا أن من علينا في هذا اللقاء السنوي المبارك والذي نستلهم من خلاله العبر من الماضي ونستشرف معالم المستقبل في ظل ما يحيط بنا من ظروف ومستجدات وما يتوفر لنا من قدرات وامكانات. لقد كانت تحديات العام الماضي كثيرة وكبيرة، إلا أنه بفضل من الله وتوفيقه، ثم بجهود المخلصين من أبناء شعبنا، تمكنا من الاستجابة لهذه التحديات بقدرة كبيرة مكنتنا من المحافظة على ما تحقق من إنجازات ومكتسبات للوطن والمواطن، والأستمرار في مسيرة التنمية.

أيها الأخوة الكرام
لقد تعلمنا من نهجنا الوطني الذي أخذنا به طيلة السنوات الماضية أن الحوار يجسد وسيلة فاعلة لتعزيز التفاهم وتشكيل الرؤى المشتركة، لذا سعينا لتسخير هذا النهج لنشر ثقافة التسامح والحوار في المجتمع الدولي.

لقد أضعفت الحروب والصراعات وما صاحبها من طرح لمفهوم صدام الثقافات قيم المحبة والسلام في المجتمع الدولي، وأقحمت الأديان في الصراعات ونهج التطرف، وساد في المجتمع الدولي ظواهر سلبية تهدد أمنه واستقراره وتوجد العداوة والبغضاء بين الشعوب، وهذا الوضع ألقى علينا مسؤولية إسلامية وإنسانية دفعتنا نحو المبادرة لتشخيص الواقع الدولي وتقديم ما نرى أنه مشروع حضاري للخروج من مأزق الخلل الأخلاقي والسياسي.

وجاء نداء (مكة المكرمة) لشعوب العالم وحكوماته على اختلاف أديانهم وثقافاتهم ليؤطر الرؤية الإسلامية ويحدد منهج العمل الإسلامي تجاه ما يحيط بالبشرية من أزمات أخلاقية، وخلافات سياسية، وصدام ثقافي. لقد شكلت هذه الرؤية الإسلامية أساساً للحوار مع الآخر بشأن كل ما يحيط بعالمنا المعاصر من مشاكل وما حل به من ويلات، كما حددت المنطلق في مواجهة التحدي الثقافي للعالم الإسلامي، وأرست الأسس لسياسة عالمية جديدة تسعى لإعادة تشكيل نسق العلاقات الدولية المعاصرة وفق مفهوم جديد يشيع ثقافة التسامح والحوار، ويخدم السلام والاستقرار، ويوجد الطمأنينة والرخاء لشعوب العالم أجمع.

وجسد مؤتمر مدريد للحوار العالمي الخطوة التالية في تفعيل الرؤية الإسلامية للعلاقات بين الدول والشعوب. ولقد قدمت في هذا المؤتمر رسالة الأمة الإسلامية إلى العالم أجمع أعلنتُ من خلالها أن الإسلام دين الاعتدال والوسطية والتسامح ودعوت من خلالها إلى الحوار البناء بين أتباع الأديان والثقافات بغية فتح صفحة جديدة في تاريخ البشرية تحل فيها المحبة والوئام محل التوتر والصراع،وسعينا من خلال هذه الرسالة إلى التركيز على المشترك الإنساني بين إتباع الأديان والثقافات، وإبراز القيم النبيلة في كل دين وثقافة مع احترام خصوصية كل معتقد وثقافة.

وتوجت مساعينا لنشر ثقافة الحوار والتسامح في عقد قمة الحوار بين أتباع الأديان والثقافات في الأمم المتحدة، وتميزت هذه القمة بسمتها العالمية نظراً لعدد وتنوع الدول المشاركة فيها. ولقد استخدمنا منبر الأمم المتحدة لحشد الدعم السياسي الدولي بغية الإسراع في نشر ثقافة التسامح والحوار وتحويل الغايات الإنسانية المشتركة إلى ممارسات فعلية في سلوك الشعوب ونهج الحكومات. وذكّرتُ المجتمع الدولي في حينه أن التركيز على نقاط الخلاف بين أتباع الأديان والثقافات يؤدي إلى التعصب وبذر بذور الفتنة والعداء، وهذا بدوره يوجد الصراعات والتي قد تأخذ أشكال حروب مدمرة لا يبررها دين سماوي أو مبدأ أخلاقي. وجاء إعلان (نيويورك) في ختام قمة الحوار ليؤيد ما طرحناه من رؤى وأفكار بشأن مكافحة الظواهر السلبية التي تهدد أمن واستقرار المجتمع الدولي وتخل بمبدأ الإخاء بين الشعوب. فقد دعا الإعلان إلى دعم المبادرات الدولية التي تدعو إلى احترام حقوق الإنسان بين أتباع مختلف الأديان، والحفاظ على الأسرة، وحماية البيئة، ونشر التعليم، ومكافحة الفقر والمخدرات والجريمة، مع إبراز المساهمة الإيجابية للأديان والقيم الإنسانية والأخلاقية في مواجهة التحديات المشتركة.

وشهد العالم في الأشهر الأخيرة أزمة مالية حادة أعقبها صدمات اقتصادية عنيفة عاني منها الجميع. ولم تكن بلادكم بمنأى عن التداعيات الاقتصادية للأزمة المالية العالمية. لذا باركت حكومتكم الجهود الدولية الرامية لمواجهة هذه الأزمة المالية، وضمن هذا التوجه شاركنا في اجتماع قمة العشرين الاقتصادية في واشنطن في الولايات المتحدة الأمريكية بغية احتواء الأزمة المالية والتقليل من آثارها على الشعوب. ولقد كشفت هذه الأزمة عن بعض الجوانب السلبية، وعن الخلل الملحوظ في الرقابة على القطاعات المالية خصوصاً في المراكز المالية العالمية مما أدى إلى الانتشار السريع للأزمة وتفشي آثارها. كما أظهرت الأزمة أنه لا يمكن الاعتماد على آلية السوق في مفهومها التقليدي لتحقيق الاستقرار المالي العالمي مما أوجد حاجة ماسة لتطوير مؤسسات وأنظمة للرقابة على القطاعات المالية العالمية.

لقد انتهت مرحلة من مراحل النظام الاقتصادي والمالي العالمي وبدأت مرحلة جديدة تتشكل ونأمل أن تتسم هذه المرحلة بالضوابط الموضوعية التي تحقق الاستقرار المالي، والأمن الاقتصادي، والرفاه الاجتماعي لشعوب العالم. ومما يبعث على التفاؤل في الخروج من الأزمة الراهنة توفر الإرادة السياسية لقادة دول العالم خصوصاً الدول المؤثرة في الاقتصاد العالمي لاحتواء هذه الأزمة والحد من آثارها وما تم اتخاذه من إجراءات مالية دولية غير مسبوقة يعزز الثقة والاطمئنان في الخروج من هذه الأزمة ومن ثم استقرار أسواق المال العالمية وعودة النمو للاقتصاديات الدولية. ولقد ركزنا في رؤيتنا للأزمة المالية على أهمية أن تقوم الدول المانحة والمؤسسات المالية الدولية بمسؤولياتها الخاصة تجاه الدول النامية وخاصة الفقيرة منها والتي عانت أكثر من غيرها من آثار الأزمة.

وفي الشأن الإقليمي تستمر إسرائيل في ممارساتها الوحشية ضد أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل. إن ما يتعرض له قطاع غزة في فلسطين من قتل للآمنين وتدمير للبنية وتشريد للسكان يجسد استمرارا للنهج الإسرائيلي القائم على العدوان الآثم على الشعوب، والانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان وقيم العدل ومبادئ السلام. كما أنه مؤشر خطير على ما وصلت إليه حالة المجتمع الدولي من فقدان للسلم والأمن الدولي، وإذا ما استمر هذا العدوان فإنه سيؤدي إلى دفع منطقة الشرق الأوسط برمتها إلى حافة الهاوية وفي ذلك تهديد للسلام العالمي.

وأننا في الوقت الذي نقدر فيه للشعب الفلسطيني الصابر والمناضل صموده البطولي أمام آلة الحرب الإسرائيلية الشرسة فإننا ندعو في نفس الوقت جميع الفصائل الفلسطينية أن تتجاوز خلافاتها وتوحد كلمتها وجهودها حيث أن وحدة الشعب الفلسطيني واستقلالية قراره الوطني هما صمام الأمان - بعد الله - لحقوقه الوطنية ومصدر قوته الحقيقية في مقاومة العدو.

كما نناشد حكومات ومنظمات المجتمع الدولي أن تمارس مسؤولياتها تجاه تحقيق السلام العادل والدائم والشامل في المنطقة على أساس الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي العربية المحتلة، والتوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين لفلسطين، وقيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة عاصمتها القدس الشريف. وفي الوقت الذي نبارك فيه جميع المبادرات والمساعي الدولية للوصول إلى حل عادل للقضية الفلسطينية وإنهاء مأساة الشعب الفلسطيني فإننا نرى في مبادرة السلام العربية والتي حظيت بدعم دولي أنها الخيار الأمثل لحل القضية الفلسطينية وتحقيق سلام دائم في المنطقة. إن مسؤولية تحقيق السلام في المنطقة تقع على عاتق إسرائيل والتي ماطلت في الوفاء بالتزاماتها تجاه استحقاقات السلام واستمرت في ممارساتها التعسفية في الأراضي الفلسطينية بما في ذلك بناء المزيد من المستوطنات، وتجاهل القرارات والمطالب الدولية. وستبقى قيم العدل والسلام في المجتمع الدولي دون معنى حقيقي طالما بقي الشعب الفلسطيني يعيش في معاناة يومية، واستمرت إسرائيل في ممارساتها الوحشية.

أيها الأخوة الكرام
يحتل الشأن الوطني مكان الصدارة في اهتمام حكومتكم ومما يدعونا إلى الاطمئنان والتفاؤل بمستقبل مشرق لبلادكم هو ما يسود الوطن من أمن وأمان، وما يتحقق فيه من تنمية، وما يتمتع به المواطن السعودي من مستوى معيشة ورفاه. ورغم الأزمات المالية والاقتصادية الحادة التي حلت بالعالم وما خلفته من آثار ومنها انخفاض أسعار البترول في الأسواق العالمية إلى أسعار متدنية فقد التزمت حكومتكم بخططها التنموية وما خصص لها من اعتمادات مالية، ويرجع ذلك إلى فضل الله وتوفيقه ثم صلابة الأسس التي بنى عليها الاقتصاد السعودي، وإلى سلامة السياسات المالية التي نأخذ بها.

وجاء صدور الميزانية العامة للدولة للعام المالي الحالي وبما حملته من عناوين وأرقام لتحمل تباشير الخير للوطن والمواطن، ولتؤكد من جديد على متانة الوضع الاقتصادي لبلادكم وسلامة نهجها المالي. فقد تضمنت الميزانية اعتماد برامج ومشروعات تنموية جديدة تزيد تكلفتها الإجمالية عن(225) مليار ريال بزيادة نسبتها (36) بالمئة عما تم اعتماده في ميزانية العام الماضي. وروعي عند أعداد الميزانية استثمار الموارد المالية للدولة بشكل يحقق متطلبات التنمية الشاملة والمستدامة، مع إعطاء الأولوية للخدمات التي تمس المواطن بشكل مباشر بما في ذلك الخدمات التعليمية، والصحية، والاجتماعية. وحققت ميزانية العام الماضي (28/1429هـ) (2008) فائضاً قياسياً بلغ (590) مليار ريال، والذي يعد الأكبر من نوعه بعد دخول ميزانية الدولة في مرحلة الفوائض المالية. وانخفض الدين العام للدولة في نهاية السنة المالية (28/1429هـ)(2008) إلى (237) ألف مليون ريال لتتقلص بذلك نسبة الدين العام إلى حوالي (13.5) بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للعام المالي (28/1429هـ) (2008م) مقارنة بـ(18.7) بالمئة في نهاية عام (27/1428هـ) (2007).

وفي الختام أقدر لمجلسكم ما قام به من جهود ومبادرات أسهمت في تحقيق الإنجازات وترشيد القرارات الوطنية. وسيظل مجلسكم دائماً محل ثقة القيادة وتقدير الحكومة والمواطن. أسأل الله أن يحفظ بلادنا من كل مكروه، وأن يديم عليها نعمة الأمن والاستقرار، وأن يوفقنا للعمل لما فيه خير ديننا ووطننا ومواطنينا أنه على كل شيء قدير.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ثم ألقى رئيس مجلس الشورى الدكتور عبد الله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ الكلمة التالية..

خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود حفظكم الله ورعاكم

أصحاب السمو الأمراء

أصحاب الفضيلة والمعالي والسعادة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

خادم الحرمين الشريفين
هذه دورة جديدة في عهدكم الميمون في مسيرة مجلس الشورى المبارك الذي بدأ انطلاقه قبل أربعة وثمانين عاماً منذ عهد الوالد المؤسس جلالة الملك عبد العزيز طيب الله ثراه الذي وضع اللبنة الأولى لصرح الشورى في المملكة العربية السعودية عام 1346هـ، وأنتم تفتتحون يا خادم الحرمين اليوم السنة الأولى من الدورة الخامسة في تاريخ المجلس المديد بحول الله وتوفيقه بعد مضي ستة عشر عاماً على تكوينه الجديد بنظامه الحديث، ذلك النظام الذي تضمن تطوراً في أسلوب عمله وصلاحياته قصداً إلى مواكبته للمتغيرات والمستجدات الحديثة، كما شهد زيادة في أعضائه وتعديلاً في صلاحياته بما يمكنه من المزيد من الإنجاز والنجاح، ولا يزال المجلس يتلقى دعمكم الكريم، فقد وافق مقامكم الكريم على مشروع تحديث شبكة الحاسب الآلي في المجلس، وقد استكمل المشروع بنيته التحتية وها أنتم تدشنونه هذا اليوم، وسيتمكن المجلس إن شاء الله من تحويل أعماله لتصبح تقنية حاسوبية الكترونية، كما وافقتم رعاكم الله على إضافة مبنى جديد إلى مبنى المجلس يحتوي على العديد من الأجنحة الإدارية وصالات الاجتماعات وصالات الاستقبال مزودة بأحدث التجهيزات التقنية وهو ما سيتم وضع حجر أساسه اليوم من قبل مقامكم الكريم.

خادم الحرمين الشريفين
في إطار التكامل بين أداء الإدارات والحكومة التنفيذية وهذا المجلس التشريعي التنظيمي الرقابي فقد تم العديد من اللقاءات بالمسؤولين في الدولة من أصحاب السمو الأمراء والمعالي الوزراء الذين حضروا اجتماعات المجلس خلال الدورات السابقة وأوضحوا للمجلس ما تقوم به الأجهزة الحكومية في الإدارة والتنمية واستمعوا من الأعضاء إلى ملاحظاتهم وآرائهم مما كان له الأثر الفعال في تحسين الأداء الحكومي وتفهم الأعضاء للعقبات والصعوبات التي تواجه تلك الأجهزة.

خادم الحرمين الشريفين
على صعيد إنجازات المجلس بلغت قراراته خلال الدورة الرابعة (أربعمائة وستة وثمانين) قراراً اتخذها المجلس في (ثلاثمائة وسبع عشرة ) جلسة، وقد تضمنت هذه القرارات العديد من الأنظمة واللوائح والاتفاقيات والمعاهدات والتقارير السنوية وموضوعات أخرى عامة، وقد بلغ عدد القرارات التي صدرت بها الأنظمة (مائة وثمانية عشر) قراراً، أما المعاهدات والاتفاقيات فبلغت (مائتي) قرار، فيما بلغت التقارير السنوية (مائة وثلاثة وأربعين) قراراً، أما الموضوعات الأخرى فقد بلغت (خمسة وعشرين) قراراً.

ومن هذه القرارات نظام الهيئة العامة للغذاء والدواء، ونظام الكهرباء، ونظام مكافحة الغش التجاري، ونظام المرور، ونظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية، ونظام مكافحة جرائم المعلوماتية، ونظام التأديب العسكري، والخطة الوطنية للاتصالات وتقنية المعلومات، ونظام الهيئة العليا للإسكان والتنمية العقارية، ونظام القضاء ونظام ديوان المظالم، ونظام الغرف التجارية، ونظام الجامعات، ونظام التمويل العقاري؛ ونظام مراقبة شركات التمويل، ونظام التأجير التمويلي؛ ونظام الرهن العقاري المسجّل، ونظام مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص.

هذا بالإضافة إلى مئات القرارات المتعلقة بالاتفاقيات الإقليمية والدولية وبتقارير أداء الأجهزة الحكومية وتعديل مواد بعض الأنظمة وموضوعات أخرى تتعلق بالشأن العام للدولة.

وعلى الصعيد الخارجي خطا مجلس الشورى عبر الدبلوماسية البرلمانية خطوات واسعة في مد جسور التعاون والتواصل مع جميع البرلمانات من خلال الاتحادات البرلمانية الإقليمية والدولية، ولجان الصداقة البرلمانية والزيارات الثنائية ؛ حيث قام المجلس خلال هذه الدورة بزيارة العديد من البرلمانات في العالم عربية وإسلامية وصديقة، وحرص المجلس خلالها على بيان مواقف المملكة إزاء مجمل القضايا العربية والإسلامية وحقيقة مفهوم الشورى في الإسلام ونجاح تطبيقه، وحققت بحمد الله جميعها النتائج الإيجابية البناءة والمثمرة.

وإدراكاً من القيادة الحكيمة لحجم المسؤولية الملقاة على مجلس الشورى فقد كان في برنامج رؤساء الدول الذين يقومون بزيارة المملكة زيارة المجلس وإلقاء خطابات من منبره، وآخرها في هذه الدورة زيارة فخامة الرئيس التركي للمجلس التي تمت في الشهر الماضي وإلقاؤه خطابه أمام الأعضاء مما يشعر بالدور والمكانة التي يمثلها المجلس.

خادم الحرمين الشريفين
لقد شهدت البلاد العام الماضي برعايتكم حفظكم الله العديد من الإنجازات والمشروعات التنموية، يذكر منها وضع حجر الأساس لجامعة الملك سعود للعلوم الصحية ومركز الملك عبدالله العالمي للأبحاث الطبية وعدد من المشروعات الطبية التخصصية في الحرس الوطني، وأمركم الكريم بصرف مبلغ مليار ومائة وخمسين مليوناً لجميع الأسر المشمولة بالضمان الاجتماعي في المملكة لمساعدتها في شهر رمضان المبارك، كتب الله ذلك في موازين أعمالكم، ثم موافقتكم على تحمل الدولة تكاليف الدراسة الخاصة ببرنامج التعليم الموازي في جامعات المملكة وما تلاه من التوجيه بزيادة مكافآت الطلاب المبتعثين للدراسة في الخارج بنسبة 50% ومنها موافقتكم على إقامة أكبر مشروع علمي على المستوى الجامعي حيث وضعتم حفظكم الله حجر الأساس لجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن للبنات، وكان مسك ختام العام الماضي من الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية ما صدرت به ميزانية الدولة للعام المالي الجديد والتي تعد أكبر ميزانية تشهدها المملكة رغم الظروف الاقتصادية التي يمر بها العالم وما تضمنته من بنود مخصصة لجميع أوجه التنمية في المملكة من تعليمية وصحية واجتماعية وغيرها.

وعلى المستوى العربي والإسلامي كان لكم يا خادم الحرمين الشريفين جهود كبيرة ومساع جليلة في سبيل خير العالمين العربي والإسلامي وتقديم المساعدات التنموية والإغاثية والمساعي الحميدة في نشر الأمن والسلام والاستقرار والوقوف إلى جانب الشعوب العربية والإسلامية التي تعرضت لكوارث أو نوازل أو اعتداءات غاشمة، كان أبرزها وقوفكم حفظكم الله وقفة المساند القوي للشعب الفلسطيني في قطاع غزة من أول يوم تعرض فيه للاعتداء والغدر والقتل والتدمير على أيدي الصهاينة الإرهابيين المجرمين الذين لا يرقبون في مؤمن إلاَّ ولا ذمة، ولا يرعون عهداً ولا ميثاقاً، حينما بادرتم من أول يوم وقع فيه العدوان الغاشم إلى مد يد العون والإغاثة مادياً ومعنوياً بإرسال الإغاثة الطبية والغذائية وفتح باب التبرعات ومساهمة الشعب السعودي النبيل في التخفيف من مصاب إخواننا الفلسطينيين، وما صاحب ذلك من مواقف سياسية مشرفة على المستويين الإقليمي والدولي واتصالات بقيادات العالم لإنهاء معاناة الأخوة الفلسطينيين في قطاع غزة، ثم كان تاج هذه الجهود الموفقة الناجحة تلك المبادرة العظيمة المباركة التي قدمتموها - حفظكم الله - في مؤتمر القمة في الكويت التي غيرت مجرى الأحداث من أجل إنهاء النزاعات والاختلافات العربية وفتح باب المصالحة العربية، فقد جعلتم من المملكة قدوة تحتذى ومثالاً في تجاوز الخلافات الجانبية وتغليب مصلحة الأمة واجتماع الكلمة لخدمة القضية الأولى قضية فلسطين وتضميد جراح إخواننا الفلسطينيين ثم المبادرة إلى تخصيص أكبر إسهام مالي لإعادة إعمار غزة وقدره ألف مليون دولار باسم شعب المملكة.

وعلى الصعيد الدولي فقد شهد العام الماضي أحداثاً سياسية واقتصادية مهمة كان لكم فيها حفظكم الله الريادة والمبادرة والأثر البارز في مجرياتها ونتائجها، لعل أهمها دعوتكم إلى حوار بين أتباع الأديان والثقافات لإبراز سماحة الإسلام وإظهار وسطيته ونبذه للعنف والإرهاب والذي بدأ بمؤتمر مكة المكرمة في بداية شهر جمادى الآخرة، وما نتج منه من وضع الأساس لحوار أشمل وأكبر على المستوى العالمي، حينما انعقد المؤتمر العالمي لحوار الأديان والثقافات في أسبانيا برعايتكم الكريمة ومشاركة الملك خوان كارلوس ملك أسبانيا في منتصف شهر رجب، وما توصل إليه من قرارات ونتائج كان لها الأثر الكبير في تتويج هذه المؤتمرات في اجتماع القمة لرؤساء الدول وزعمائها في الأمم المتحدة في بداية شهر ذي القعدة، الذي أوضحتم فيه ما يدعو إليه الإسلام الحنيف من قيم ومبادئ في التسامح والوسطية وإشاعة الأمن والسلام لجميع شعوب الأرض مما كان لـه عظيم الأثر في بيان سياسة المملكة والدفاع عن قيمها ومثلها العليا والوقوف في وجه الهجمات المغرضة، ثم أعقب هذه المشاركة مشاركتكم في قمة أخرى مهمة على المستوى الاقتصادي والمالي وهي القمة الاقتصادية لمجموعة الدول العشرين الكبرى لمواجهة التداعيات الاقتصادية العالمية.

كتب الله ذلك في موازين أعمالكم وحفظكم ورعاكم ذخراً للإسلام والمسلمين وعوناً وسنداً للمكلومين والمظلومين ويداً حانية رحيمة لشعبكم الكريم الوفي ولأمتكم الإسلامية المجيدة الخالدة التي أنارت للأمم طريق الهدى والرشاد والخير والفلاح.

وختاماً فإني باسم أعضاء المجلس ومنسوبيه نكرر جزيل الشكر وعظيم الامتنان لكم يا خادم الحرمين الشريفين ولسمو ولي عهدكم الأمين على ما يحظى به المجلس من عناية ورعاية، وندعو الله أن يحفظكم ويسدد خطاكم ويؤيدكم بنصره وتوفيقه، ويسعدني أن أهنئ أصحاب المعالي والفضيلة والسعادة أعضاء المجلس الجدد ومن جدد لهم بهذه الثقة الملكية، سائلاً الله تعالى أن يجعلهم ذخراً لوطنهم، وأن يعينهم على أداء مسؤولياتهم.

اسمحوا لي هنا أن أشكر فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد رئيس المجلس السابق رئيس المجلس الأعلى للقضاء على ما قام به من جهود انعكست على أعمال المجلس، كما أشكر أخي وزميلي معالي الدكتور بندر بن محمد حجار نائب رئيس المجلس، ومعالي الدكتور عبد الرحمن بن عبدالله البراك مساعد رئيس المجلس، ومعالي الدكتور محمد بن عبد الله الغامدي الأمين العام للمجلس، ومنسوبي المجلس كافة على جهودهم الطيبة، وأسأل الله تعالى أن يديم علينا وعلى هذه البلاد المباركة الأمن والإيمان، وأن يعمنا جميعاً بالعفو والغفران، إنه جواد كريم.

خادم الحرمين الشريفين
تتزاحم الكلمات في نفسي وكل كلمة تريد أن تشرف بحمل عبارات الشكر والتقدير لمقامكم الكريم على الثقة الكريمة التي أوليتمونا إياها.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين