تونس: أمام أكثر من 300 من أنصاره، أعلن السيد أحمد إبراهيم (63 عاما) يوم 22 مارس عن ترشّـحه للمشاركة في الانتخابات الرئاسية القادمة باسم quot;المبادرة الوطنية من أجل الديمقراطية والتقدمquot;، وهي تحالف بين حركة التجديد (الشيوعي سابقا) والحزب الاشتراكي اليساري وحزب العمل الوطني (غير المعترف بهما) وعدد من المستقلين.

وبذلك، يكون الأمين العام لحزب التجديد رابِـع شخصية تُـقرِّر مُـنافسة الرئيس بن علي، بعد كلٍّ من نجيب الشابّـي، الذي وجَـد نفسه خارِج القانون بحكم أنه لم يعد أمينا عاما للحزب الديمقراطي التقدمي (غير الممثل في البرلمان)، ومحمد بوشيحة الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية وأحمد الإينوبلي، الرجل الأول في حزب الاتحاد الوحدوي الديمقراطي.

في الحوار التالي يتحدث السيد أحمد إبراهيم عن دوافع الترشّـح وموقفه من بقِـية فصائل المعارضة والإسلاميين والأزمة الاقتصادية:

بدا وكأنكم في البداية متردّدين في اتخاذ القرار بالترشّـح للانتخابات الرئاسية، فما الذي جعلكم تحسِـمون أمركم؟ وعلى أيِّ أسُـس اتّـخذتم قراركم؟

صحيح أننا لم نتسرّع في الإعلان عن القرار في المشاركة في الانتخابات الرئاسية. فالوضع السياسي لم يتغيّـر عمّـا عرفناه في عام 2004، حيث لم تعكِـس نتائج تلك التّـجربة موازين القِـوى الحقيقية وما صاحب تلك العملية من إقصاء ومحاولات لتهميش مرشّـح المبادرة الديمقراطية، ولهذا، كان هاجِـسنا الأساسي ولا يزال، هو كيف تكون الحملة الانتخابية القادمة ذات مصداقية؟

وبناء عليه، عملنا على تجميع صفوف المعارضة ونظمنا ندوة في شهر أكتوبر 2007 حول quot;ظروف الانتخاباتquot; ودعونا لها كل أطْـياف الحركة الديمقراطية، بهدف التوصّـل إلى تصوّر مُـشترك يُـحقِّـق انطلاقة جماعية، وكنّـا نأمل أن يعقب ذلك سلسلة من المشاورات والحوارات حول كيفية ضمان شروطٍ أفضَـل للمشاركة في انتخابات فِـعلية، لا مُـجرد تزكية، لكن جهودنا اصطَـدمت بحسابات وأجندات، اختار أصحابها أن يسيروا بشكل مُـنفرد، وبدل أن تكون الأولوية للصِّـراع المشترك من أجل إصلاح المنظومة الانتخابية، أعلن أحد الأطراف ترشّـحه المبكّـر، ممّـا أدّى إلى حصول تداخل في الأولويات وجعل أي تنسيق مُـمكن سيُـفسّـر بكونه اصطِـفافا وراء هذا الطرف أو ذاك.

مع ذلك، جدّدنا استعدادنا للتعاون، وفي شهر أبريل 2008، تداولت حركة التجديد الرّأي مع التكتّـل الديمقراطي (للعمل والحريات) والحزب الديمقراطي التقدّمي حول تنظيم ندوة وطنية، لكن للأسف اختلفنا حول مبدإ بدا لنا بَـدِيهيا، ويتمثّـل في أن تكون لكل حزب كلمة واحدة يُـلقيها مُـمثل عنه في تلك الندوة، غير أن الإخوة في الحزب الديمقراطي التقدّمي أصرّوا على أن تكون للأخ نجيب الشابّـي، بصفته مرشحا للرئاسية، كلمة مستقلّـة عن كلمة الحزب، وهو ما حال دون عقْـد هذه الندوة بصفة مُـشتركة.

وبناءً عليه، عندما فشلت محاولاتنا التوحيدية واصطدمت بتكتيكات مغايِـرة، أعلنّـا عن قرارنا في حركة التجديد مبدأ الترشّـح ووضع حقِّـي في الترشّـح للرئاسيات على ذمّـة المبادرة الوطنية، التي نحن جزء منها، والسؤال الجوهري الآن هو: هل ستجري الانتخابات القادمة في ظروف مختلفة جوهريا عن سابقاتها؟

هل تغيّـرت هذه الظروف أم أنكم تتوقّـعون إمكانية تحسين شروط المنافسة من خلال مشاركتكم القادمة؟

أولا أريد لفْـت النظر إلى أنه لا معنى في نظرنا لمشاركة حركة التجديد بمفردها. فالحركة لا تزال مسكونة بهاجِـس التوحّـد حول أهداف تقدمية، كما أن العمل على تحسين الظروف لا يزال في طليعة اهتماماتنا، وخلافا للذين يتحدّثون عن رِهان سياسي وليس انتخابي، فإني شخصيا لا أعتقد بوجود مشاركة انتخابية دون أن يكون وراءها رهان سياسي وانتخابي في نفس الوقت.

فالأولوية من وجهة نظري هي اليوم، تحسين شروط المشاركة الانتخابية، وذلك بالتّـركيز على الحق في القاعات العمومية وفتح وسائل الإعلام أمام المرشحين وتحسين المناخ السياسي العام وزرع الطُّـمأنينة في نُـفوس المواطنين، لتمكينهم من المشاركة في الشأن العام وإصلاح المنظومة الانتخابية برمّـتها إصلاحا جوهريا.

هل يُـفهَـم من حديثك أنه في صورة عدم تحسّـن الظروف الانتخابية، فإنكم قد تفكِّـرون في الانسحاب من المشاركة؟

نحن عازمون على ممارسة حقِّـنا كاملا في الترشّـح وحماية حقِّ المواطنين في الاختيار الحُـر من أيّـة مُـصادرة ولا نحبِّـذ خيار المقاطعة، ولكل حادث حديث، لكن المؤكّـد أن ما يجري حاليا لا ينبِّـئ بخير.

لا يوجد أفُـق لتحقيق التّـداول على السلطة في ظل الوضع الراهن، وهو ما يجعلنا نسير نحو رئاسة مدى الحياة، دون أن تعلن عن نفسها. ومع ذلك، فقد رحّـبنا بتأكيد رئيس الدولة في خطابه الأخير (يوم 20 مارس) على التِـزامه بأن تكون الانتخابات القادمة quot;محطة سياسية متميِّـزة في تاريخ تونسquot;. السؤال هو: كيف؟ إلى حدّ الآن، لا يوجد مؤشِّـر على ذلك، وآخر ما قامت به السلطة، تمريرها لقانون قَـمعي صادَق عليه جميع أعضاء مجلس النواب، ما عدا ممثلي حركة التجديد، سيتِـم بموجبه وضع رقيب على كلّ مرشح يُـصادر له حرية التعبير، عندما سيتوجّـه للناخبين عبر الإذاعة والتلفزيون.

وبدل أن يكون المجلس الأعلى للاتصال هيكلا لدعم حرية الإعلام وضمان المساواة بين المرشّـحين، ها هو يتحوّل الآن إلى جهاز قمعي. إنه فعلا تمشّ غريب! وما نقترحه هو تشكيل لجنة وطنية ممثلة لجميع الأطراف، تعمل برئاسة شخصية مستقلة متوافق عليها على توفير الشروط الكفيلة بجعل هذه الانتخابات فعلا quot;محطة سياسية متميزةquot; وأن تُـمهِّـد لتحقيق الانتقال من التسلّـط إلى الديمقراطية.

لابد أن تنتهي كوميديا الانتخابات التي عرفناها حتى الآن، والحِـوار مع السلطة مُـمكن وتفاهم جميع الأطراف، بِـمن فيها السلطة، حول القطع مع سلبيات الماضي مُـمكن، إذا أدركت بأن تنظيم انتخابات شفّـافة سيكون في صالحها، ما دامت تمسك بكل الأوراق والأوضاع.

تدلّ المؤشِّـرات على أن سيناريو 2004 سيتكرر. فحركة التجديد لم تتمكّـن من توسيع دائرة حلفائها، وهي بالرغم من أنها تخلّت عن اعتبار الماركسية مرجعية وحيدة لها، إلا أن المجموعتين السياسيتين اللّتين تشكِّـلان حلفاءكم في quot;المبادرة الوطنيةquot; لا تزالان تتمسّكان بهذه المرجعية. ألا يدل ذلك على أنكم فشلتم في بناء القُـطب التقدّمي، الذي دعوتم إليه منذ سنوات؟

نعم، عديد المؤشرات تدلّ على أن هنالك لدى بعض غُـلاة الرّكود والانغلاق، إصرارا على تِـكرار الأساليب القديمة والعقيمة، أما quot;الفشلquot; في بناء quot;القُـطب الديمقراطي التقدّميquot;، فهو نِـسبي جدا، لأن هذا الهدف هدف إستراتيجي غير مطروح للإنجاز حالا، ثم وخلافا لسنة 2004، هناك أطراف حزبية وغير منظّـمة التحقت بالمبادرة.

فالمبادرة الوطنية هذه المرّة ليست مقتصِـرة على الانتخابات، وإنما تريد أن تكون إطارا جَـبهويا مستمِـرا وأن تشكل نواة لهذا القطب المنشود، وهذا في حدّ ذاته يمثِّـل في المشهد السياسي التونسي نجاحا بالنسبة لما نلاحظه من فشل في كل التجارب التحالفية الأخرى، مما يدل على أن أطراف المبادرة الوطنية لها قُـدرة عالية على الانفتاح والتعاطي الإيجابي مع جدلية الائتلاف والتأليف، وبهذه المناسبة أدعو إلى الاعتراف القانوني بالحزب الاشتراكي اليساري وحزب العمل الوطني الديمقراطي، اللذين يطالبان بحقِّـهما في النشاط القانوني...

وأعود إلى سؤالك حول القطب، لأقول إني متفائل وواعٍ في نفس الوقت بجسامة هذه المهمّـة التاريخية، بل أذهب إلى أكثر من ذلك، فأقول بأن عدم قِـيام هذا القطب، إن وقع، سوف لن يكون فشلا خاصا بحركة التجديد أو بالمبادرة، بل فشلا وطنيا، لأن البلاد في حاجة إلى تجميع كلّ قِـواها الوطنية حول مشروع ديمقراطي حداثي، لكن صحيح أن هناك مشكلة عويصة مع صيغ بناء التحالفات، فكل المحاولات السابقة التي وقعت قبل المبادرة، انتهت بالفشل، لأسباب عديدة مثل، الحسابات الحزبية الضيقة وquot;الزعاماتيةquot; وغيرها من الأسباب.

لقد سبق أن رفضتم الالتحاق بمبادرة 18 أكتوبر وكانت حجّـتكم الرئيسية في ذلك، هو عدم استعدادكم للتّـحالف مع الإسلاميين. كمرشح للانتخابات الرئاسية، كيف تنظرون لهذا الملف الشائك، أي ما هو موقع حركة النهضة على سبيل المثال في الخارطة السياسية الحالية أو القادمة؟

بالنسبة لمبادرة 18 أكتوبر، فقد انطلقت من إضراب عن الطعام ومطالبة برفع سقف الحريات، وقد ساندنا تلك المطالب واعتبرناها مشروعة، لكن عندما تحوّل الأمر فيما بعدُ إلى تحالف سياسي دون استشارتنا، لم نلتحق به، كان لنا خلاف أولا مع الأطراف الديمقراطية، حيث نعتقد بأننا في مرحلة بناء قوّة تقدمية ديمقراطية حداثية، لها هوية واضحة.

بمعنى آخر، أن هذه القوّة ليست مجرّد تجميع لكل مَـن هو معارض للسلطة، وإنما يجب أن يوحّدها مشروع مجتمعي محدّد المعالم، وبالتالي، نرى أن هذا النّـوع من التحالفات، يُدخل تشويشا على هوية الحركة الديمقراطية. فالحريات وحدها غير كافية لتأسيس تحالفات سياسية، ورفض هذا التمشي لا يعني الإقصاء أو الدخول في توترات مع أي كان، فالخلاف والصِّراع السياسي والفكري، لا ينفيان إمكانية التواصل وإقامة علاقات حضارية مع الجميع من أبناء الوطن الواحد، أيا كانت توجّهاتهم، بمن فيهم الإسلاميون وكذلك السلطة.

من جهة ثانية، مشروع حركة التّـجديد والمبادرة الوطنية حداثي وتقدمي متمايز من ناحية مع مشروع السلطة القائمة، وهو من جهة ثانية، متناقض مع مشاريع أخرى لمن يتحدّثون باسم الدِّين ويوظفون الإسلام في الصِّـراعات السياسية. ورأيُنا أن الإسلام يجب ألا يُـحشر في هذه الصراعات، لأنه مكوّن أساسي للهوية الوطنية بخاصياته التونسية والمغاربية القائمة على التفتح والمرونة والتسامح. فنحن في حركة التجديد، نعتبر أنفسنا امتدادا لكل ما هو نيِّـر وعقلاني في الحضارة العربية الإسلامية.

نحن نُـدرك أنه لا يجب وضْـع جميع الذين يستلهِـمون من الإيمان مرجعية لهم في سلة واحدة، لكن ما يصدر عن الحركات الإسلامية وما تَـبُـثه الفضائيات من شأنه أن يُـهدِّد مكاسبنا الوطنية وأن يضر بالإسلام ولا يحِـق لأيٍّ كان أن يزعم بأنه الممثل للإسلام والناطق باسمه.

ما رأيك في النُّـصوص المشتركة التي أصدرتها مكوّنات حركة 18 أكتوبر حول المرأة أو حرية المعتقد، والتي وقَّـع عليها ممثلون عن حركة النهضة؟

سمعنا كثيرا القول بأن هذا التّحالف قد ساهم في تطوير المواقف والرُّؤى، وإذا ما اقتصر المُـراقب على ما ورد في هذه النصوص، فإنه سيعتبرها أمرا إيجابيا، ولكن مجرّد التفكير في صياغة نُـصوص والتوقيع عليها، هو أمر يندرِج في إطار رُؤية تحالفية، وهذه الرُّؤية يُـمكن أن تقوم على سوء تفاهُـم أو اعتبارات تكتيكية.

أما في العيش اليومي، وبمتابعة ما يُـكتب هنا أو هناك حول مسائل إستراتيجية، فإني أعتقد بأن المكاسِـب ليست في مأمَـن من التّـراجع، وذلك باللّـجوء إلى التقيّة والتكتيك، لهذا، فالأصل أن هذه الحركة التي تقول بأنها quot;إسلاميةquot;، ما دامت تعتقد بأن مشروعها قائم على حقائق ثابتة في الكِـتاب والسُـنّة كما تقرؤها، فإنه في الإمكان وبين عشية وضحاها أن تُصبح كلّ النصوص التي تمّ التوقيع عليها لا جدوى منها في ظِـل موازين القوى.

المطلوب ليس مواقِـف من قضايا متفرّقة، وإنما موقِـف من مشاريع مُـتكاملة، سياسية واقتصادية واجتماعية، بعيدة عن العقائديات، بما في ذلك الماركسية، حين تُـعتبر نوعا من العقيدة، لأن إسقاط الماركسية بشكل فوقي على القضايا يؤدّي إلى خطاب سطحي.

طبعا هذا كلّـه يندرج ضمن الاجتهاد دون إقصاء، ونحن نعتقد في حركة التّجديد بأن التحالفات تقوم على ثوابِـت ومشاريع مجتمعية بديلة، والقطع مع أسس الاستبداد السياسي والفكري. فالطرف المنافس لنا حاليا، هو السلطة، والعقبة الأساسية الآن، ونحن على أبواب انتخابات، تتمثّـل في أسلوب إدارة الشأن العام في البلاد.

مع أهمية هذه التّـوضيحات، كيف تنظرون لملفّ الإسلاميين في تونس، الذي لا يزال مطروحا بحدّة ويُـثير جدلا لا يتوقف؟

أولا، لا يجب أن تُـعالج الخلافات الفكرية والسياسية بالوسائل الأمنية. هذا أمر لا سبيل لقبوله. المعالجة تكون بالحوار والإيمان بأن كل أبناء تونس لهم الحقّ في التواجد والتعبير عن آرائهم بحرية.

الأزمة مصدرها عامِـلان، من جهة، غياب مناخ يستنِـد على الحوار والديمقراطية، حيث تدفع عقلية الحزب الواحد إلى اعتبار كل مَـن خالف السلطة، منشقّـا ومارقا، ومن جهة أخرى، توظيف الدِّين يؤدّي إلى النّـزوع نحو تكفير المخالفين، وبالتالي، فنحن مع ضرورة إرساء مناخ يقطَـع مع القمع والانغلاق وإقصاء الآخر.

بشكل أدقّ، هل أنتم مع الاعتراف بحق حركة إسلامية، مثل حركة النهضة، بأن تشكِّـل حزبا سياسيا؟

سبق وأن أكّـدت بأن هناك حركات سياسية تستلهِـم من الماركسية أو الليبرالية أفكارها، كما توجد أيضا حركات تستلهِـم نظرتها للعمل السياسي من إيمانها الدِّيني. المُـهم، أن يقع التوصّـل إلى التِـزام واضح بقوانين اللّـعبة، لتحقيق التعايش وقبول حقوق الإنسان في كليتها، وليس بشكل انتقائي، وهو ما يستلزِم القيام بثورة ثقافية لدى الجميع.

فإذا كان الهدف هو نشر العقيدة والقِـيم الإسلامية والدِّفاع عن الأهداف النبيلة للدِّين ولا تقتصر عن اللِّـباس والقشور، فهذا يُـعتبر غرضا مشروعا، وإن كان ذلك لن يُـنهي الخلاف القائم بيننا وبين تلك الأطراف. المُـهم، أن لا يتحدّث أي طرف باسم المقدّس وأن يكون الحوار هو آلية الحَـسم في القضايا السياسية والفكرية والعقائدية.

أعتقد بأنه في ظلّ ذلك، يمكن إيجاد حل وطني وتحاوري. المدخل، من وجهة نظري، هو مدخل سياسي يقطع مع التسلّـط ويحقِّـق الانتقال من التعامل الأمني إلى المعالجة السياسية، أي الانتقال من صيغة quot;الأمنُـقراطيةquot; إلى الديمقراطية.

وهنا، أقِـرّ بأننا جميعا، بما في ذلك الحركات الديمقراطية أو التي تدّعي التقدّمية، لدينا عُـيوب في حاجة للمعالجة والتجاوز. كلّـنا لم نستبطن بالقَـدر الكافي هذا المعطى الثقافي، الذي عنوانه quot;الديمقراطيةquot;، في ضوء ذلك، كل الحلول ممكنة.

على ذِكر الحلول، ماذا تقترحون كمرشح للرئاسة بشكل عمَـلي للحدّ من تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية على الحالة العامة بالبلاد؟

الأزمة زاحفة، وهي ليست بصدَد التّـراجع وانخِـفاض حدّتها، وبالتالي، يجب القطع مع الخطاب المُـفرط في التفاؤل، وكأن تونس تتمتع بمناعة طبيعية، وأول ما يجب فعله، هو توفير الظروف، حتى يكون الحلّ وطنيا، وذلك بفتح حوار وطني تُـشارك فيه جميع الشرائح والأطراف، وأن لا يدفع ضِـعاف الحال وحدهم فاتُـورة الأزمة، في حين أن أقليات تثري بسرعة مَـهُـولة، وهو إثراء على حساب المصلحة الوطنية.

السياسات القائمة لا تخلو من إيجابيات، لكنها في حاجة إلى مراجعات في اتِّـجاه رُؤية إستراتيجية، تتزامن مع الإصلاح السياسي. فالمدخل، حسب اعتقادنا، هو الديمقراطية. فمن أسباب ركود الاستثمار، عدم الشفافية في المعاملات وتطبيق القانون على الجميع، مهما كان قُـربهم أو بعدهم عن السلطة، وعدم المساءلة والقضاء المستقِـل، وهو ما يجعل المستثمر يفقد الثقة، وبالتالي، تعتبر الديمقراطية حاجة أساسية لدفع الاستثمار، ونلاحظ ذلك في مسألة البنوك وإشكالية نسبة القروض غير المسداة، مقارنة بدُول العالم.

من ناحية أخرى، يجري دائما الحديث عن وجود مفارقة بين تونس المتقدِّمة، اقتصاديا واجتماعيا، وبين تراجُـعها على الصعيد السياسي، رغم أن لها كل إمكانيات التحوّل الديمقراطي، وهذا أمر صحيح، لكن اليوم، حتى في المجال الاقتصادي والاجتماعي، هناك ثغرات تحتاج إلى علاج، مثل بطالة أصحاب الشهادات الذين سيصِـل عددهم قبل نهاية هذا العام قرابة 150 ألف، كذلك انعدام التوازن بين الجهات، وقد لاحظنا ما حدَث في الحوض المنجمي.

هناك مخاطِـر لا يمكن مُـواجهتها، إلا عندما تقوم الدّولة بدورها الإستراتيجي ولا تعتمد على مجهود الخواصّ وحدهم في انتشال جِـهات الشريط الغربي للبلاد من التهميش، كذلك التعليم الذي يشهد مُـستواه حالة انحِـدار كبير، بشهادة المؤسسات الدولية، ولا مُـقارنة بين الدّرجة العالية من الإنفاق وبين النتائج.

سامحني عن المقاطعة، هل تطالب بمزيد تدخُّـل الدولة على حِـساب دور القطاع الخاص؟

لا يجب أن يُـفهَـم من كلامي أني أطالِـب بالعودة إلى دور الدولة وسياسات التأميم، كما طبّـق في بعض التجارب والذي أدّى إلى فشل، لكنه حقّـق في الآن نفسه، عديد الإيجابيات.. نحن مع تشجيع المُـبادرة الخاصة والمشاريع الصغرى والمتوسطة والكبرى، لكنّـي أعتقد بأن الدولة يجب أن تتمسّـك بإدارة القطاعات الإستراتيجية، مثل الطاقة والمياه وبعض الخدمات الأساسية.

الدولة حاضرة اليوم، ولكن المطلوب تفعيلها، بمعنى آخر، لا يجوز للدولة باسم الليبرالية أن تتنصّـل من دورها الحيَـوي في دفع الاقتصاد وتحقيق التنمية. نحن ننادي بمراجعة هذا المنحى الذي سلكته الدولة منذ سنوات، كما نطالب بمَـنح بقية الأطراف الاجتماعية فُـرص الدِّفاع عن حقوقها، بما في ذلك العاطلين عن العمل، وأن يتمتّـع الجميع بحقِّـهم في اختيار مَـن يُـمثلهم بشكل ديمقراطي، ولا يتحقق ذلك، إلا بدولة ديمقراطية.

وبالنسبة للعاطلين من خرِّيجي التعليم العالي، ماذا تقترح لإدماجهم؟

برنامجنا يتضمّـن اقتراحات مفصّـلة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية، وهي بالمناسبة، اقتراحات قابلة للتنفيذ، وليست ديماغوجية أو تعجيزية. وقد تقدّمنا ببعض هذه الاقتراحات المدقّـقة خلال الندوة الوطنية للتشغيل، وتعرّضنا إلى مسألة الاستثمار وتحديد أولويات القطاعات، التي يجب دعمها والتي لها صِـلة بالتصدير أو لكونها مُشغّلة أكثر من غيرها، بما في ذلك الصناعات المستقبلية.

فقضية التشغيل، تستوجب رُؤية جديدة تضمَـن تكافُـؤ الفُـرص والتركيز على الجهات المهملة، والتي تفقِـد أبناءها بشكل متزايد، والتعامل بجدّية مع التكوين المهني وبناء المهارات، وهو ما يقتضي تغيير النّظرة إلى المدرسة.

أخيرا، لو توفّـرت لك فرصة اللِّـقاء مع منافسِـك الرئيسي، وهو الرئيس بن علي، ماذا ستقول له؟

أنا أطالب بحوار هادِئ ومسؤول ومن منطلَـق وطني، حتى بدون انتخابات وبعيدا عن الأضواء. ولو توفّـرت فرصة اللقاء به للتحاور أمام الشعب بمناسبة الانتخابات، سأقدِّم نقدا واضحا للتماشي السياسي والتوجّهات الاقتصادية والاجتماعية، وأقدِّم بدائل وحلولا في صالح البلاد ومجموع الشعب.

المسألة الأساسية اليوم، هي أن نثِـق في الشعب التونسي ونُـضجه وقُـدرته على التّـمييز وأن له طاقات عظيمة، لا يمكن أن تتفتق إلا بالديمقراطية والتعدّدية واحترام الرأي المُـخالف، وأن نترك للرأي العام حرية الاستماع والاختيار عن وعْـي ورَوِيّة.

صلاح الدين الجورشي