أنباء عن خلافة أويحيى لنفسه ورحيل وزراء quot;مغضوب عليهمquot;
الجزائر: جدل إثر تأخر إعلان الحكومة الجديدة
كامل الشيرازي من الجزائر :
تثور حالة من الغموض في الجزائر، إثر تأخر الإعلان عن تركيبة الحكومة الجديدة التي كان يُفترض تشكيلها مباشرة بعد حسم مسالة التمديد لمصلحة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الاقتراع الرئاسي الأخير، وبعدما كان مفترضا أن يقدّم الوزير الأول أحمد أويحيى استقالة حكومته الأحد الماضي، إلاّ أنّ ذلك لم يحدث وبقي الوضع مشوبا بالغموض إلى غاية صبيحة اليوم الأربعاء، فهل يتعلق الأمر بخلافات جدية في أعلى دواليب الحكم، أم أنّ المسألة لا تعدو مجرد زحزحة لبضعة أيام، بغرض انتقاء الوجوه القادرة على ترجمة تطلعات الرئيس.

وخلافا للهمس الدائر حول احتمال استبدال أحمد أويحيى بـquot;عبد المالك سلالquot; وزير المياه ومدير الحملة الدعائية لبوتفليقة، أو بـquot;شريف رحمانيquot; وزير السياحة والبيئة، يجمع خبراء تحدثوا لـquot;إيلافquot; على أنّ أويحيى سيخلف نفسه ويُحظى بخامس تكليف على رأس الحكومة، ويذهب المحلل السياسي quot;أنيس بن هدوقةquot; إلى أنّ الرئيس سيحافظ على وزيره الأول quot;أحمد أويحيىquot;، ويرجّح أن يستقيل الأخير مطلع الأسبوع القادم ليتم تكليفه مباشرة بتشكيل فريق وزاري جديد، ويستبعد بن هدوقة ما يُراج عن وجود خلافات سلطوية أخرّت رسم ملامح الحكومة القادمة، ويبدو الاحتمال الأقوى بمحافظة بوتفليقة على الوزير الأول نفسه، برغبة حاكم البلاد في المراهنة على ورقة الاستمرارية ومواصلة البرنامج الإنمائي التكميلي، ولا يشاطر بن هدوقة الرأي القائل بأنّ هناك تأخرا في استقالة الحكومة، مرتكزا على أنّ الدستور لا يحدد موعدا للاستقالة بعد انتخاب الرئيس الجديد، ما يمنح الحرية للرئيس الحق في تغيير أو تجديد الثقة في وزيره الأول متى رغب بذلك.
وركّزت صحف محلية صدرت اليوم على وجود حيرة في أوساط أتباع الرئيس، فيما كشفت أخرى عن اجتماع مطوّل ضمّ بوتفليقة ووزيره الأول quot;أحمد أويحيىquot; أمسية الثلاثاء، على خلفية ما قيل أنّها quot;خلافات بين أصحاب القرار حول بعض الأسماء والمناصبquot;.

بالمقابل، رأى quot;أنيس بن هدوقةquot; أنّ الرئيس سيعمد إلى ترحيل عدد غير محدود من الوزراء ممن توصف حصيلتهم بـquot;الهزيلةquot; وquot;الكارثيةquot;، وتتباين التكهنات بين مغادرة ستة إلى تسع وجوه، بيد أنّ غالبية المراقبين متفقون على أنّ الوزارة الأولى ستتمظهر بثوب مغاير، متجرّد عن وزراء ستطالهم quot;غربلةquot; هي الأوسع منذ خمس سنوات، وهؤلاء هم الأكثر جدلا خلال الفترة الماضية، ممن تسببوا في حالة من الاحتباس المزمن ظلت تطبع حركية الجهاز التنفيذي منذ ظرف ليس بالقصير، بشكل أفرز أعطالا وتذبذبا تنمويا رغم إنفاق مخصصات قياسية فاقت المئتي مليار دولار خلال الثماني سنوات المنقضية.
وبشأن الوزراء المرشحين لمغادرة القصر الحكومي، يشير أنيس بن هدوقة إلى أنّ تغييرا وزاريا كبيرا سيحدث، ويربط بن هدوقة التغيّر المُنتظر بمتطلبات السياسة الاقتصادية التي ستتبعها الجزائر خلال المرحلة المقبلة على ضوء تداعيات الأزمة المالية العالمية، ويلاحظ بن هدوقة أنّه في الآونة الأخيرة تصحيح السلطات سياستها الاقتصادية وجنوحها إلى توخي مبدأ quot;حماية شركاتها ومنظومتها الإنتاجيةquot;، وتجلى ذلك من خلال تراجعها عن التقيد بشروط الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة، وظهر ذلك أيضا من خلال منح الدولة أغلبية أسهم المشاريع الحالية والمستقبلية إلى متعاملين محليين، إلى جانب التركيز على السوق الداخلية بدلا من التصدير، وهذا ما يفترض زيادة في الأجور وخلق مناصب شغل جديدة من أجل تشجيع الاستهلاكquot;.
وتبعا للمعطيات الآنفة الذكر، يقدّر مراقبون أنّ ذلك سيفرض تغييرا في عدد من الحقائب الوزارية، لا سيما مع تطور آثار أزمة المال الكونية في غضون الأسابيع والأشهر القادمة، ما يجعل الدافع للتغيير مضاعفا في القطاعات الاقتصادية كالصناعة والزراعة والنقل والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وكذا قطاعات حساسة لها صلة بالوظيف العمومي كالصحة والتربية والأشغال العامة والسكن.
ويلتقي غالبية المحللين السياسيين ومراقبي الشأن الجزائري على أنّ مؤيدي الرئيس سيحافظون على حصصهم داخل الحكومة الجديدة، مع إمكانية عودة قوية للحرس القديم، مع احتمال انضمام وجوه محسوبة على بعض مرافقي بوتفليقة في انتخابات الرئاسة، وآخرين من الأحزاب المساندة، لتدعم أحزاب التحالف الرئاسي (جبهة التحرير، التجمع الديمقراطي، حركة مجتمع السلم)، في وقت لا مجال البتة لحضور خصوم بوتفليقة ضمن التشكيلة الوزارية.

وكان لعودة quot;أحمد أويحيىquot; إلى منصبه كقائد للجهاز التنفيذي في 23 مايو/آيار 2008، وما رافقه من تثبيت الحكومة القديمة التي كان يقودها سلفه عبد العزيز بلخادم، فجّر الجدل حول سر تجديد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ثقته في وزراء سبق له هو نفسه أن وبخّهم على المباشر، واتهمهم بالكذب عليه وعرقلة مخططه الإنمائي الرباعي، حيث كان الجميع ينتظر إجراءا حاسما من الرئيس الجزائري واستقدامه وجوها جديدة تضع حدا لمسلسل نكسات التسيير المتعاقبة، وتردد آنذاك أنّ مراهنة بوتفليقة على الوزراء ذاتهم منذ سنوات طويلة خضع لحسابات تكتيكية وأخرى لها صلة بتوازنات الحكم ما دفعه للإبقاء على نفس الوزراء، وكان مقررا استبدال هؤلاء الخريف الماضي مباشرة بعد إقرار مراجعة الدستور وإلغاء منصب رئيس الحكومة واستبداله بالوزير الأول، لكن السيناريو لم يتم، وهو ما ردّه خبراء الشأن الجزائري إلى انحسار رقعة البدائل وضيق هامش الاختيار، علما أنّ الفريق الحكومي الحالي جرى الحفاظ على نحو 90 بالمئة من تركيبته منذ العام 2004